تشهد الولايات المتحدة صراعًا حادًا بين جماعات الضغط الرئيسية المؤيدة لإسرائيل، حول من يمثل المصالح الحقيقية لدولة الاحتلال في واشنطن، في ظل حكومة تعتبر الأكثر يمينية في تاريخها.
ونشرت صحيفة "الغارديان"، تقريرًا يتناول الصراع بين لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية "أيباك"، القريبة من أوساط اليمين الإسرائيلي، وتعتبر أقوى جماعة الضغط، ضمن ما يعرف باللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، ومنظمة "جي ستريت"، التي تقدم نفسها على أنها البديل الصهيوني الليبرالي، وتعمل على "تشجيع القيادة الأمريكية على حل الصراع العربي/الإسرائيلي، والفلسطيني/الإسرائيلي بالوسائل السلمية والدبلوماسية".
ساهمت لوبيات الضغط الصهيونية، في الحفاظ على دعم مستمر لإسرائيل من واشنطن، لكنها الآن تنقسم على نفسها، في ظل انقسامات داخل دولة الاحتلال
ووصفت "أيباك" منافستها الأقل حجمًا والأكثر ليبرالية "جي ستريت"، بأنها تشكل "تهديدًا خطيرًا لأمن إسرائيل"، واتهمتها بتأييد "أشد منتقدي إسرائيل شراسة في الكونغرس الأمريكي".
وردت "جي ستريت"، على اتهامات "أيباك" بتصوير الأخيرة كواجهة لائتلاف بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف، بالإضافة لاتهامها بعدم دعم الاحتجاجات الواسعة وغير المسبوقة في "إسرائيل" ضد التعديلات القضائية، التي وصفتها بمحاولة استيلاء حكومة نتنياهو على "السلطة بطريقة غير ديمقراطية".
صورة تهتز
وبحسب "الغارديان"، يعكس هذا النزاع الحاد، انقسامًا عميقًا بين اليهود الأمريكيين، حول معنى أن "تكون مؤيدًا لإسرائيل". لكنه يأتي أيضًا في الوقت الذي يتقلص فيه نفوذ "أيباك" في واشنطن، الذي لم يكن ينازعها فيه أحد سابقًا، بسبب دعمها الثابت لنتنياهو على مدى العقد الماضي وأكثر، بما في ذلك الانحياز إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني ضد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بسبب ما تقول إنه دعم متزايد للقضية الفلسطينية داخل الحزب الديمقراطي، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل ترسيخ احتلالها.
وتشير الصحيفة البريطانية، إلى أن مكانة "أيباك" تضررت للمرة الأولى في تاريخها، عندما تخلت عن زعمها بأنها تنتمي إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي، العام الماضي، وبدأت في تمويل الحملات السياسية بشكل مباشر ضد منتقدي سياسات الحكومة الإسرائيلية. كما اتُهمت بأنها "مفلسة أخلاقيًا" لتأييدها أعضاء جمهوريين في الكونغرس حاولوا منع فوز الرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2020.
دعم حكومة نتنياهو
وتقول الصحيفة البريطانية: "في قلب هذا النزاع يكمن موقف أيباك القائل بأن دعم إسرائيل يعني دعمًا لا جدال فيه لأي حكومة تتولى السلطة".
في حين ترى "جي ستريت"، أن "دعم إسرائيل يتطلب الدفاع عن المصالح الأوسع لها، بما في ذلك إنهاء الاحتلال، حتى عندما يكون ذلك متعارضًا مع سياسات إدارة معينة، في تل أبيب". وتضيف "الغارديان": "إذ تقدم جي ستريت، رؤية للحدود والوضع، من خلال المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وترى من حيث المبدأ أن الأماكن العربية يجب أن تكون تحت سيطرة عربية، بينما تكون الأماكن العبرية تحت سيطرة إسرائيل. لكنها تعتبر أن القدس هي عاصمة دولة الاحتلال".
اتهامات لـ "جي ستريت"
وبينما تستعد مجموعتا الضغط للمواجهة من خلال ضخ ملايين الدولارات لدعم المرشحين المتنافسين في انتخابات الكونغرس العام المقبل، أرسلت "أيباك" إلى مانحيها خطابًا تهاجم فيه سياسات "جي ستريت"، مثل فرض شروط على المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل البالغة 3.8 مليار دولار سنويًا، وذلك لمنع استخدامها لضم الأراضي الفلسطينية، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، أو غيرها من الإجراءات لترسيخ الاحتلال.
وأيدت "جي ستريت" مشروع قانون تقدمت به عضوة الكونغرس عن الحزب الديمقراطي بيتي ماكولوم في عام 2021، لوضع شروط مماثلة على المساعدات الأمريكية.
في المقابل، قالت "أيباك" في خطابها: "اليوم، أحد أخطر التهديدات للدعم الأمريكي لأمن إسرائيل يأتي من منظمة تصف نفسها بشكل شنيع بأنها مؤيدة لإسرائيل".
وأضافت: أن "جهود جي ستريت تهدف لتحطيم الإجماع بين الحزبين على إسرائيل، وتمنح خصومها المتطرفين في الكونغرس غطاءً من الشرعية من المجموعة التي تزعم تأييد إسرائيل، وهذا تهديد واضح وقائم للدعم الأمريكي".
الرد على اتهامات أيباك
ورد رئيس منظمة "جي ستريت"، جيريمي بن عامي، عبر سلسلة من التغريدات، في منصة إكس (تويتر سابقًا"، وكتب "للأسف، مع مرور الوقت، تبنت أيباك رؤية مشوهة بشكل متزايد لما يعنيه أن تكون مؤيدًا لإسرائيل، وهي رؤية أكثر توافقًا مع أهداف حكومة نتنياهو واليمين الأمريكي أكثر من القيم اليهودية والديمقراطية لمعظم الأمريكيين اليهود".
وأضاف: "هناك مجال للقلق الحقيقي بشأن تآكل الديمقراطية، والمستوطنات التي لا نهاية لها، والخطاب العنصري، والتكلفة المتزايدة للحفاظ على احتلال دائم وغير عادل وغير ديمقراطي".
واعتبرت "الغارديان"، هجوم "أيباك"، بأنه يعكس جزئيًا القلق المتزايد داخل الحكومة الإسرائيلية من أن مطالبة "جي ستريت"، وآخرين بأن تتخذ الحكومة الأمريكية موقفًا أقوى لإنهاء الاحتلال سوف تحظى بقبول أوسع في واشنطن.
الخلاف ينتقل إلى داخل إسرائيل
لم يتوقف خلاف اللوبيات داخل حدود الولايات المتحدة، بل امتد إلى داخل إسرائيل. ووصفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ذات التوجه الليبرالي، قبل أسبوعين "أيباك"، بأنها "جماعة ضغط مؤيدة لنتنياهو، ومعادية لإسرائيل"، واتهمت المنظمة بإرسال "24 عضوًا ديمقراطيًا في الكونغرس جوًا، حتى يتمكن نتنياهو من تهدئتهم بالأكاذيب"، مضيفةً: "على نحو فعال، أصبحت المنظمة جناحًا عملياتيًا لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، الجناح الذي يروج لصورة زائفة عن إسرائيل الليبرالية في الولايات المتحدة، ويبيع الأوهام لأعضاء الكونغرس".
كما اتهم قادة حركة الاحتجاج في إسرائيل، والتي قادت لشهور حركة احتجاج واسعة ضد سعي حكومة نتنياهو لإضعاف سلطة القضاء، منظمة "أيباك" بمنع أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين زاروا إسرائيل من مقابلة المتظاهرين.
وصفت "أيباك" منافستها الأقل حجمًا والأكثر ليبرالية "جي ستريت"، بأنها تشكل "تهديدًا خطيرًا لأمن إسرائيل"
وقال النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، ومسؤولون سابقون في مكتب رئيس الوزراء: "لقد حان الوقت لتدرك أيباك أنه لم يعد هناك أي مشترين للصورة المزيفة لإسرائيل التي تحاول بيعها".
ويخلص تقرير "الغارديان"، إلى أن "أيباك" تحاول تقديم واقع بديل، وتتحول فعليًا من منظمة مؤيدة لإسرائيل إلى منظمة تروج "للتعديلات القضائية، والضم الفعلي للضفة الغربية، بقيادة نتنياهو، وبمساعدة المنظمات الأكثر تطرفًا وعنصرية وعنفًا في اليمين الإسرائيلي".