05-أكتوبر-2024
رسائل إلكترونية

أطفال فلسطينيون يقفون أمام منزل استهدفه جيش الاحتلال في غزة (رويترز)

بينما كان جيش الاحتلال يقصف شمال قطاع غزة بغارات جوية عنيفة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ويأمر بإجلاء أكثر من مليون فلسطيني من المنطقة، وجهت مسؤولة كبيرة في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" تحذيرًا صريحًا للبيت الأبيض، وفقًا لتقرير أعدته وكالة "رويترز".

وبحسب ما نقلت "رويترز"، كتبت نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، دانا سترول، في رسالة بالبريد الإلكتروني بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إلى كبار مساعدي الرئيس الأميركي، جو بايدن، تقول إن النزوح الجماعي سيشكل كارثة إنسانية وقد يمثل انتهاكًا للقانون الدولي، مما قد يؤدي إلى توجيه اتهامات إلى "إسرائيل" بارتكاب جرائم حرب، وأضافت سترول في الرسالة أنها كانت تنقل تقييمًا للجنة الدولية للصليب الأحمر "جمد الدماء في عروقها".

ثلاث مجموعات من الرسائل المتبادلة

ومع اقتراب العدوان على غزة من إتمام عامه الأول، وتأرجح المنطقة على شفا حرب أوسع نطاقًا، أظهرت رسائل سترول عبر البريد الإلكتروني، بالإضافة إلى مراسلات أخرى لم ترد تقارير عنها من قبل صراع إدارة بايدن من أجل الموازنة بين المخاوف الداخلية إزاء ارتفاع أعداد الشهداء في غزة، ودعمها العلني لـ"إسرائيل".

رسائل البريد الإلكتروني، بالإضافة إلى مراسلات أخرى أظهرت أنه لم ترد تقارير عنها من قبل الصراع داخل إدارة بايدن من أجل الموازنة بين المخاوف الداخلية إزاء ارتفاع أعداد الشهداء في غزة، ودعمها العلني لـ"إسرائيل"

وقالت "رويترز" إنها راجعت ثلاث مجموعات من الرسائل المتبادلة عبر البريد الإلكتروني بين كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، والتي يرجع تاريخها إلى الفترة الممتدة من 11 حتى 14 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أي بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب التي أدت إلى استشهاد أكثر من 41 ألف فلسطيني وفلسطينية في غزة، وفجرت احتجاجات في الولايات المتحدة قادها نشطاء عرب أميركيون ومسلمون.

ولا يزال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعيد المنال، على الرغم من مرور أشهر من المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة. والآن أصبح جزء كبير من غزة خرابًا، فيما يلوح خطر اندلاع حرب إقليمية مع إيران في الأفق بعد الهجمات التي شنتها "إسرائيل" على لبنان، واغتيال الأمين العام لـ"حزب الله، حسن نصر الله، الأسبوع الماضي، والهجمات الصاروخية الإيرانية على "إسرائيل".

وبحسب "رويترز"، يقول مسؤولون كبار في إدارة بايدن إنهم يعتقدون أن ضغوط البيت الأبيض على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في تلك الأيام الأولى من الحرب على غزة أحدثت فرقًا ومنعت وقوع كارثة أسوأ.

وأضافت الوكالة أنه في أحاديث خاصة، طلب البيت الأبيض من "إسرائيل" تأجيل هجومها البري لمنح منظمات الإغاثة مزيدًا من الوقت لإعداد المساعدات للنازحين، وإعطاء "إسرائيل" المزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق مع حركة "حماس، وذلك وفقًا لما قاله مسؤولون في الإدارة للصحافيين في إفادات غير علنية حينها.

لكن ثلاثة مسؤولين أميركيين كبار شاركوا في عملية صنع القرار قالوا لـ"رويترز"، إن واشنطن كانت بطيئة في التعامل مع معاناة الفلسطينيين. ورغم أن الغزو البري تأخر في نهاية المطاف حوالي عشرة أيام، أرجع المسؤولون الثلاثة ذلك التأخير إلى الاستعدادات العملياتية للجيش الإسرائيلي أكثر من الضغوط الأميركية.

وقال السيناتور الديمقراطي من ماريلاند، كريس فان هولن، بعد نشر "رويترز" تقريرها، إن رسائل البريد الإلكتروني تظهر أن "الكارثة الإنسانية المتكشفة في غزة كانت واضحة بشكل مؤلم منذ الأيام الأولى للحرب، رغم تحذير الخبراء من انتهاك المعايير الدولية"، مضيفًا أن "المخاوف المشروعة" تم تجاهلها من قبل البيت الأبيض.

وفي رده على أسئلة بشأن رسائل البريد الإلكتروني، قال البيت الأبيض: "كانت الولايات المتحدة تقود الجهود الدولية الرامية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة"، مشيرًا إلى أنه "كان ذلك وسيظل أولوية قصوى"، وتابع مضيفًا أنه قبل "تدخل (الولايات المتحدة)، لم يكن هناك طعام أو ماء أو دواء يدخل إلى غزة".

وتظهر رسائل البريد الإلكتروني التي راجعتها "رويترز" محاولات حثيثة داخل إدارة بايدن لتحذير البيت الأبيض من الأزمة الوشيكة، ومقاومة مبدئية من البيت الأبيض لوقف إطلاق النار خلال الأيام الأولى الفوضوية من الحرب. وبدأ تبادل المجموعات الثلاث من رسائل البريد الإلكتروني في الـ11 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أي في اليوم الخامس من العدوان.

"فقدان المصداقية"

وفي مرحلة مبكرة، تزايدت المخاوف داخل الإدارة بشأن صورة الولايات المتحدة في نظر حلفائها العرب. وبعد أن استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية مستشفيات ومدارس ومساجد غزة، أبلغ كبير مسؤولي شؤون الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الأميركية، بيل روسو، كبار المسؤولين في الوزارة بأن واشنطن "تفقد مصداقيتها بين الجماهير الناطقة بالعربية" بعدم تعاملها مع الأزمة الإنسانية مباشرة، وذلك وفقًا لرسالة بالبريد الإلكتروني أرسلت يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فيما ذكرت السلطات الصحية في غزة أن عدد الشهداء في ذلك اليوم بلغ نحو 1200 شخص.

وبينما دافعت "إسرائيل" عن الضربات، زاعمةً أن "حماس" تستخدم المباني المدنية لأغراض عسكرية، كتب روسو أن الدبلوماسيين الأميركيين في الشرق الأوسط يراقبون التقارير الإعلامية العربية التي تتهم "إسرائيل" بشن "إبادة جماعية" وواشنطن بالتواطؤ في جرائم حرب.

كما كتب روسو أن "عدم استجابة الولايات المتحدة للأوضاع الإنسانية للفلسطينيين ليس فقط غير فعال وله نتائج عكسية، بل إننا متهمون أيضًا بالتواطؤ في جرائم حرب محتملة من خلال التزام الصمت حيال أفعال إسرائيل بحق المدنيين".

وأعادت كبيرة الدبلوماسيين المعنيين بشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية، باربرا ليف، إرسال رسالة روسو عبر البريد الإلكتروني إلى مسؤولي البيت الأبيض، بما في ذلك، بريت ماكجورك، كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط، محذرة من أن العلاقة مع شركاء واشنطن العرب "الذين كانوا سيكونون أنصارًا مخلصين في ظروف أخرى" معرضة للخطر بسبب المخاوف التي أثارها روسو.

تسريع التسليح

وبينما كان المسؤولون الأميركيون يقيّمون الأزمة الإنسانية، ضغطت "إسرائيل" على واشنطن للحصول على مزيد من الأسلحة، ووفقًا لرسائل البريد الإلكتروني، حث مسؤول كبير في السفارة الإسرائيلية في واشنطن وزارة الخارجية الأميركية في 14 تشرين الأول/أكتوبر على تسريع شحن 20 ألف بندقية آلية للشرطة الإسرائيلية.

وفي ذلك اليوم اعتذر المستشار الدفاعي الإسرائيلي، أوري كتساف، في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى نظيرته في وزارة الخارجية الأميركية عن إزعاجها خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكنه قال إن شحنة البنادق "عاجلة جدًا"، ويجب أن توافق عليها الولايات المتحدة.

وقالت، كريستين ميناريتش، وهي مسؤولة في إدارة ضوابط التجارة في الأصناف الدفاعية، القسم المعني بالموافقة على مبيعات الأسلحة في وزارة الخارجية، لكتساف إن البنادق لن تتم الموافقة عليها خلال الساعات الـ24 أو الـ48 المقبلة، وقد تستغرق مثل هذه الشحنات الضخمة من الأسلحة وقتًا طويلًا، إذ تتطلب موافقة وزارة الخارجية وإخطار الكونغرس. وأحجم كتساف والسفارة الإسرائيلية عن التعليق.

وأعادت جيسيكا لويس، التي كانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية والعسكرية آنذاك، إرسال رسالة ميناريتش وطلب "إسرائيل" الحصول على البنادق إلى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان التابع لوزارة الخارجية. ويتولى المكتب مراجعة مبيعات الأسلحة الأميركية المحتملة لضمان عدم إرسالها إلى الجيوش الضالعة في انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبحسب رسائل البريد الإلكتروني، طلبت لويس من المكتب تسريع مراجعته، وأن يشرح "بشكل عاجل" أي معارضة منه لصفقات أسلحة محددة لـ"إسرائيل". واستقالت لويس في تموز/يوليو الماضي. وأوصى نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان، كريستوفر لومون، برفض أكثر من 12 صفقة أسلحة، بما في ذلك قاذفات قنابل، وقطع غيار، وبنادق. وفي رده على لويس، أشار إلى مخاوف بشأن "سلوك" وحدات معينة من الشرطة الإسرائيلية، مثل وحدة دوريات الحدود "يمام"، وهي وحدة من القوات الخاصة.

وكتب لومون أن هناك "تقارير عديدة" عن تورط وحدة "يمام" الإسرائيلية في "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان". وأبدى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان اعتراضًا على 16 صفقة أسلحة منفصلة لـ"إسرائيل"، وفقًا لرسالة البريد الإلكتروني ومصدر مطلع.

وقال المصدر لـ"رويترز"، إنه تم المضي في جميع الصفقات تقريبًا على الرغم من اعتراضات المكتب. وشملت مهام وحدة "يمام" إنقاذ أربعة أسرى إسرائيليين في الثامن من حزيران/يونيو الماضي، ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن هذه المهمة أسفرت عن استشهاد أكثر من 200 فلسطيني وفلسطينية.