الترا صوت - فريق التحرير
قدم المفكر العربي عزمي بشارة، يوم الخميس 4 نيسان/أبريل 2019، محاضرة حول مآلات الانتخابات الإسرائيلية القادمة، المزمع إجراؤها بعد أقل من أسبوع.
يرى المفكر العربي عزمي بشارة ضرورة إيلاء الانتخابات الإسرائيلية أهمية دون التعويل عليها باعتبارها قد تشكل حلًا محتملًا
افتتح بشارة المحاضرة التي عقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، بالتوضيح بأن الاهتمام العربي بالانتخابات الإسرائيلية، شهد تصاعدًا وتراجعًا حسب الظرف العام، حيث تزايد الانشغال العربي بنتائج هذه الانتخابات بالتزامن مع البدء بعملية السلام في بداية التسعينات، ثم انتهى إلى تضائل كبير بعد سقوط هذا المشروع.
اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. تعرية ديمقراطية إسرائيل المتناقضة
في هذا السياق، فقد رأى بشارة ضرورة إيلاء الانتخابات الإسرائيلية أهمية، من دون التعويل عليها باعتبارها قد تشكل حلًا شاملًا، لأن هناك عناصر وسيرورات ثابتة تتحكم بمآلات هذه العملية في إسرائيل، رغم ما يتغير من تفاصيل داخلها.
3 مراحل لتاريخ النظام السياسي في إسرائيل
بعد هذا التقديم، يذهب بشارة إلى إعطاء تاريخ موجز للخريطة الحزبية والسياسية في إسرائيل، مقسمًا مساره إلى ثلاث مراحل أساسية.
مثلت المرحلة الأولى، مرحلة الحزب الواحد، وهو حزب مباي الذي سيصبح حزب العمل لاحقًا، والذي سيطر على معظم العملية السياسية في إسرائيل منذ تأسس الدولة على أنقاض الفلسطينيين، حتى حرب عام 1967، وصولًا إلى ما يُطلق عليه في الأدبيات الإسرائيلة "الانقلاب" أي سيطرة الليكود على النظام السياسي في السبعينات.
خلال هذه المرحلة، يبين بشارة أن النظام السياسي في إسرائيل، كان يعتمد بالإضافة إلى الحزب الواحد، على استيطان زراعي وهيمنة القطاع العام، مع نوع من التعدد السياسي، الذي تغطيه سيطرة نموذج فكري واحد ونخب واحدة.
أما بعد حرب حزيران/يونيو 1967، فقد أصبح هناك انفتاح دفع حزب العمل ثمنه، نتيجة توسع طبقة وسطى ونشوء تنوع داخل الاقتصاد الإسرائيلي، ما جعل هناك تخلخلًا في قاعدة حزب العمل، بالإضافة إلى توسع الحراك الطبقي في أوساط اليهود الشرقيين، وانتقال جزء منهم إلى الطبقة الوسطى، مع تشكل فئة مثقفين منهم، تزامن مع تبلور نقمة ضد حزب العمل، نتيجة الاضطهاد التاريخي لهويتهم. وعلى هذا النحو، كما يبين بشارة، فقد بدأ التعبير عن التفاخر بالهوية الشرقية من خلال التصويت لليكود.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن القناعة التي كانت تسود داخل أوساط حزب العمل، بشأن التخلي عن الأراضي التي تم احتلالها في نكسة 1967 من أجل الحصول على قبول عربي، كانت مرفوضة داخل أوساط العديد من الإسرائيليين الذين مثلهم الليكود، وهو ما جعل مسألة التخلي عن هذه الأراضي أساسًا للاصطفاف داخل المجتمع الإسرائيلي.
قابل ذلك نشوء تيار قومي ديني متعصب، يقدم الخطاب الصهيوني بصياغة دينية. ويشير بشارة هنا إلى أنه مع ضم الضفة الغربية وقطاع غزة، أصبح هناك نوع من المطابقة بين الأرض التوراتية والأرض التي تسيطر عليها إسرائيل، لما للضفة الغربية وقطاع غزة من أهمية توراتية على العكس من المناطق التي تم استعمارها عام 1948. كما كان هذا التطابق أساسًا في نشوء تيارات يهودية متطرفة قوميًا ودينيًا في نفس الوقت وأخرى استيطانية، وبالتالي زيادة نفوذ وفرص اليمين.
لاحقًا، وبعد الأزمة الاقتصادية التي شهدتها إسرائيل منذ عام 1977، بدأت مرحلة جديدة كليًا من انتقال الاقتصاد الإسرائيلي نحو نموذج فتح السوق أو السوق الحر. كما تطور القطاع العسكري بشكل لافت، وزادت صادرات الأسلحة، وتم تحويل الحرب إلى مصدر ربح بدلًا من أن تكون عبئًا اقتصاديًا، وتم الجمع بين التكنولوجيا العسكرية والتكنولوجيا المدنية. تميزت هذه الفترة القصيرة نسبيًا بعد صعود الليكود، بنشوء المرحلة الجديدة التي يطلق عليها بشارة اسم مرحلة الحزبين. لكنها مرحلة ستنحسر لاحقًا لصالح نشوء نمط المعسكريْن، أي معسكر اليمين ومعسكر ما يسمى باليسار الإسرائيلي، حيث تتميز هذه المرحلة، بانتقال الاستقطاب بين حزبين إلى الاستقطاب بين معسكرين، يحاولان مخاطبة وكسب الأحزاب الصغيرة المتعددة.
في هذه المرحلة، ينتقل الصراع على المركز أو الوسط، بمعنى محاولة استقطاب غير المحسوبين على أي من الحزبين الكبيرين، إلى صراع على الهوامش التي تمثلها هذه الأحزاب الصغيرة. بينما تصير معظم الانتقالات في الأصوات والمؤيدين بين المعسكر نفسه، وليس من حزب كبير إلى آخر.
الانتخابات القادمة في ضوء الثابت والمتحول
في ضوء ذلك، يرى بشارة أن هناك تصاعدًا لخطاب اليمين في إسرائيل، لا يمكن التعويل على إقصائه كما تفعل السلطة الفلسطينية. حيث إن وجود نمط المعسكرين، يجعل تراجع الليكود غير ذي قيمة على أرض الواقع، مع بقاء معسكر اليمين متقدمًا إجمالًا.
وحتى في غير هذه الحالة، فإن أحزابًا مثل تحالف الجنرالات لن تستطيع تشكيل ائتلاف حكومي حتى لو أحرزت مقاعد أكثر من الليكود، لأنها ستضطر إلى التحالف معه نفسه، إذا أرادت الدخول في ائتلاف أصلًا.
أما بشأن موقع الأحزاب العربية، ومآلات دخولها في الكنيست، فقد ناقش بشارة مسألة مقاطعة الانتخابات، معتبرًا أنها لا تعبر عن أي نشاط سياسي، في حالة عدم تقديم أي بديل.
وفي هذا السياق، أوضح المفكر العربي أن المواطنة التي حصل عليها الفلسطينيون في الداخل مضطرين، تمثل مسألة بقاء لهم، ما لم تتجه نحو تأسرل يلغي الهوية الفلسطينية، التي يتم النضال للدفاع عنها.
وفي هذا السياق، حمّل بشارة منظمة التحرير المسؤولية عن توجه بعض التيارات الفلسطينية في الداخل إلى قبول الأسرلة بعد اتفاقية أوسلو، والشعور العام عندهم بتخلي منظمة التحرير عن قضاياهم.
تمثل المواطنة التي حصل عليها الفلسطينيون في الداخل مضطرين، مسألة بقاء لهم، ما لم تتجه نحو تأسرل يلغي الهوية الفلسطينية، التي يتم النضال للدفاع عنها
لذا فإن العمل السياسي كما يرى صاحب "من يهودية الدولة حتى شارون"، يجب أن يقوم على تمثيل القضايا الوطنية والمدنية للناس في نفس الوقت، وهو ما لا يمكن القيام به بدون تمثيلهم أمام المؤسسات الإسرائيلية.
اقرأ/ي أيضًا:
عزمي بشارة: إسرائيل لم تستطع اختراق الشعوب العربية وفلسطين أولوية