مع دخول الحرب السودانية شهرها التاسع عشر، لجأت الحكومة في بورتسودان إلى استخدام الجنيه السوداني في المعركة ضد قوات الدعم السريع، وذلك بتغيير الفئات الكبيرة من العملة المحلية.
وتُراهن الحكومة من وراء هذه الخطوة على تجفيف الكتلة النقدية في مناطق سيطرة الدعم السريع، بهدف إعادتها إلى النظام المصرفي الرسمي في البلد، في حين تعتبر قوات الدعم السريع أن للقرار أجندة سياسية، أحدها "تقسيم السودان وفصل أقاليمه".
وبحسب بيانٍ صادر عن البنك المركز السوداني، فإن التغييرات التي أُدخلت على الجنيه دافعها الرئيسي هو "حماية العملة الوطنية وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف والاستقرار الاقتصادي، ومعالجة الآثار السلبية للحرب، لا سيما عمليات النهب الواسعة التي قامت بها ميليشيا الدعم السريع المتمردة لمقار بنك السودان المركزي، وشركات مطابع العملة في العاصمة الخرطوم"، الأمر الذي نتج عنه "انتشارُ كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الفنية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه، ما أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح وكان له الأثر السالب على استقرار المستوى العام للأسعار". وفق البيان الذي اطلع عليه موقع "الترا صوت".
قرار تغيير بعض فئات العملة لم يرق لقوات الدعم السريع، التي أصدرت هي الأخرى بيانًا أكدت فيه أن "قرار تغيير العملة ينطوي على أجندة سياسية، ويعد خطوة في سياق مخطط تقسيم السودان وفصل أقاليمه"، وفق البيان.
قد تكون هذه السيناريوهات تمهيدًا لمخطط انفصالي يحذر منه طرفي الصراع، لكنهما يدفعان نحوه دفعًا بمثل هذه الخيارات
واعتبر بيان قوات الدعم السريع أن "القرار غير مسنود بأي مسوغ قانوني، وتبطله نظم الحماية المالية للأفراد في ظل الكوارث والحروب، واختلال النظام المصرفي وتعطله في غالب ولايات البلاد"، داعيةً السودانيين إلى "عدم الاستجابة للقرار والتعامل بالعملة الجديدة باعتبارها غير مبرئة للذمة".
يشار إلى أنه في ظل خروج العديد من البنوك عن العمل وانقطاع الإنترنت، باتت قوات الدعم السريع هي "المتحكم في تدفق الأموال" لامتلاكها أجهزة اتصال عبر الإنترنت الفضائي "ستارلينك".
وبناءً على النقاط التي ركز عليها بيان الدعم السريع ثمة مخاوف، من أن تستغل تلك القوات الوضعية لإيجاد مبرر للانخراط في توجه انفصالي، خاصةً أن ثمة توجها لدى الدعم السريع لطباعة أوراق نقدية خاصة في مناطق سيطرتها، وقد تستعين في سبيل ذلك بدول لا تخضع للنظام المصرفي الدولي، ما سيؤدي إلى إنشاء نظامين نقديين في آن واحد، وبالتالي التأسيس لانقسام في السياسة النقدية. كما تُفكر قوات الدعم السريع في اللجوء إلى الدولار في التعامل التجاري، وذلك بشكل خاص في الولايات الحدودية مع دول الجوار، مثل دولة جنوب السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا.
وهذه السيناريوهات جميعها قد تكون تمهيدًا لمخطط انفصالي يحذر منه طرفي الصراع، لكنهما يدفعان نحوه دفعًا بمثل هذه الخيارات، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار أن انفصال جنوب السودان عام 2011 بدأ بسيناريو مشابه، عندما جرى تغيير العملة بشكل سري للغاية.
لكن بالنظر إلى أن التغيير في العملة طال فقط الفئات الكبيرة، ولم تتم حتى اللحظة طباعة الفئات الجديدة، فليس من المستبعد أن يتم تأخير قرار صدورها أو توقيفه حتى بسبب التداعيات التي قد تنجر عن القرار، خاصةً أن الاقتصاد السوداني يعاني من معدلات تضخم مرتفعة اقتربت من حاجز 200%، فضلًا عن أن نحو 90% من الكتلة النقدية يتم تداولها خارج نظام القطاع المصرفي.
يشار في هذا الصدد إلى أن مطلب تغيير العملة ليس جديدًا، فمنذ 4 سنوات، وبالتحديد خلال فترة حكومة عبد الله حمدوك، طُرحت الفكرة بقوة من أجل السيطرة على السيولة والتحكم في السيولة النقدية المنفلتة من كل عقال، وزادت فوضوية مع نهب المصارف وأموال عدد كبير من المواطنين من منازلهم في عمليات سطو اتُهمت بها قوات الدعم السريع.