المقال التالي هو ترجمة لـمقال أماندا توب في موقع فوكس عن رأيها في الأسباب الحقيقية لفشل الربيع العربي
بحلول الوقت الذي أصبح فيه من الواضح أن الربيع العربي في مصر قد أخفق تمامًا، أن الدراما شبه الهوليودية للمحتجين الأخيار الذين ينتصرون على الدكتاتور الشرير قد تحولت إلى شيء أكثر إحباطًا بكثير، كانت الثورات الأخرى عبر الشرق الأوسط قد فسدت أيضًا.
اليوم، مصر تحت حكم دكتاتورية عسكرية جديدة؛ بينما انزلقت كلٌ من ليبيا واليمن وسوريا إلى حروبٍ أهلية.
في الأعوام التي تلت فشل كل شيء، أصبح من الشائع لوم سذاجة الثوار أو عدم كفاءة القادة الانتقاليين. نحن مازلنا نحاول تحويل الأمر إلى قصة عن الإنجازات أو الإخفاقات الشخصية لأبطال أو أشرار مفردين، لكن تلك السردية مازالت بنفس سخافتها عندما حاولنا تطبيقها لأول مرة في 2011.
قصة فشل الربيع العربي لم تكن أبدًا تتمحور حول أبطال أو أشرار مفردين، لقد كانت تتمحور حول شيء أكبر وأكثر تجريدًا: الفشل الكارثي للمؤسسات
الحقيقة هي أن القصة لم تكن أبدًا تتمحور حول أبطال أو أشرار مفردين. بدلًا من ذلك، لقد كانت تتمحور حول شيء أكبر بكثير وأكثر تجريدًا: الفشل الكارثي للمؤسسات. إنها ليست قصة درامية على نحوٍ خاص، وليس من السهل تلخيصها لغلاف مجلة. لكن عندما تنظر إلى ما نتج عن الربيع العربي، منذ بدايته في 2011 حتى الآن، سوف ترى إخفاقات مؤسسية في كل مكان.
القصة ليست مثيرة عاطفية مثل التي أخبرنا أنفسنا إياها في 2011. لكنها مهمة للغاية، إذا أردنا أن نفهم لماذا وصل الحال إلى ذلك الوضع البشع والدروس التي ينبغي على العالم تعلمها.
القصة التي نخبر أنفسنا إياها عن الربيع العربي
في الأعوام الخمسة منذ أن خيب الربيع العربي آمال العالم، نشأت قصة عن الثورات وإخفاقاتها.
في مصر، على سبيل المثال، تسير القصة عادةً على النحو التالي: أولًا، ركز الثوار الشجعان والمثاليين شديدي السذاجة فقط على إسقاط الدكتاتور الشرير حسني مبارك، لكن ليس على الحكم عندما يغادر. لقد فشلوا في التخطيط أو الانتظام سياسيًا، واضعين ثقتهم في الأمل والتغيير والفيسبوك على نحوٍ أحمق، بدلًا من القيام بالعمل الصعب وهو ممارسة السياسة الحقيقية.
في تلك القصة، تركت إخفاقات الليبراليين المفترضة مجالًا لجماعة الإخوان المسلمين كي تكتسح الحكم. فشلت الجماعة كذلك، حيث اتبعت سياسات ضيقة الأفق وقصيرة النظر استعدت العامة والنخبة على نحوٍ سواء. كان الجيش قادرًا على استغلال سذاجة الليبراليين وعدم كفاءة جماعة الإخوان المسلمين، حيث استولى على السلطة لنفسه ووضع مصر تحت حكمٍ عسكري دكتاتوري.
تبدو تلك السردية مختلفة تمامًا عن القصة التي أخبرنا أنفسنا إياها في 2011 عن الربيع العربي، والتي قيل فيها إن محتجين شجعان ومثقفين يواجهون الطغاة الأشرار. لكن ما تتشاركه هاتان السرديتان هو أنهما تعزيان كل شيء إلى القوى أو الإخفاقات الشخصية لأشخاص بعينهم: دكتاتور شرير في قصة 2011 الأصلية؛ محتجون سذج، إسلاميون قمعيون وقصيرو النظر، وجنرال شرير في نسخة 2016.
الانتقال الديمقراطي لا ينحصر بمن تستطيع الإطاحة به أو من تستطيع إحلاله محله
لكن كلا النسختين من القصة ليستا مكتملتين. الإخفاقات المفردة وحدها لم تسبب العواقب الكارثية لثورات الربيع العربي، تمامًا كما لم تكن بطولة محتجي الربيع العربي وحدها كافية لضمان النجاح.
الحقيقة هي أنه بينما كان الثوار بالفعل شديدي الشجاعة والحكام المستبدون بالفعل شديدي السوء، فإن قصة الربيع العربي الحقيقية لم تكن قصة عن كون أشخاص بعينهم شجعانًا أو أشرار. بدلًا من ذلك، كانت قصة أقل سينمائية -لكن أكثر أهمية بكثير- عن أخطار الدكتاتوريات الهشة وضعف مؤسسات الدولة.
اتضح أن الانتقال الديمقراطي لا يتعلق بمن تستطيع الإطاحة به أو من تستطيع إحلاله محله. وإنما يتعلق بهل أو كيف تستطيع تغيير الشبكة الضخمة من المؤسسات أسفل ذلك الشخص أم لا.
إذا لم تستطع إدارة تلك المؤسسات -وعادةً لا يمكن ذلك ببساطة بسبب التصميم المتعمد للدكتاتور- فإن ثورتك محكوم عليها بالفشل. مهما كان عدد المرات التي تسقط فيها الدكتاتور، مهما كان مدى نقاء محتجيك، لن يكون كافيًا. هذا هو الدرس الحقيقي للربيع العربي – وهو مهم تحديدًا لأنه ليس مثيرًا أو مشبع عاطفيًا مثل قصة الخير ضد الشر التي نفضل أن نرويها.
القصة التي لا نراها للربيع العربي في مصر.. انهيارٌ مؤسسي
في مصر، بدأ حسني مبارك الاستعداد للثورة قبل أن تقع بزمنٍ طويل. خلال مدة حكمه التي استمرت ثلاثين عامًا، ضمن مبارك منهجيًا أن لا ينمو أي حزب معارض أو منظمة مجتمع مدني إلى الدرجة التي يستطيع عندها تحديه. لكن بضمان ألا تصبح أي مؤسسة قوية أو مستقلة بما يكفي لتهديد حكمه، ضمن مبارك أيضًا أنهم سيكونون أضعف كثيرًا من أن يدعموا الانتقال إلى الديمقراطية بعد سقوطه.
ملأ مبارك وزارة الداخلية بموالين سياسيين بدلًا من مسؤولين أكفاء، ما سمح للفساد والوحشية بأن يتسببا في تآكل الأمن العام. حوّل مبارك القضاء إلى دمية موالية للنظام، ما أعطاه أداة لملاحقة الخصوم السياسيين لكنه ترك القضاة تابعين وحكم القانون ضعيف. قوّض مبارك أحزاب المعارضة الليبرالية وتسامح مع جماعة الإخوان المسلمين الإسلامية فقط بالدرجة التي تكفي كي يدّعي بمصداقية أمام العالم أنه "إما أنا أو الإسلاميين"، مستخدمًا حملات قمع متكررة وقوانين انتخابات شديدة الحرص لضمان ألا يحصلوا أبدًا على تجربة حكم حقيقية.
كانت المؤسسة الوحيدة التي زادت قوتها هي الجيش. توسع دور الجيش السياسي تحت حكم مبارك ليتجاوز كثيرًا ما سمح به سلفه، أنور السادات، مستخدمًا المحاباة لشراء ولاء الجيش بينما كانت تزداد قوته. لكن تلك التدابير لم تتمكن من حماية مبارك إلى الأبد. حتى قبل الثورة، كانت هناك علامات على أن نظامه يعاني من مشاكل. استفزت خطته الواضحة لنقل السلطة إلى نجله جمال الغضب الشعبي، وشمل ذلك مظاهرة في عام 2010 أحرق فيها المتظاهرون صورًا لجمال. تآكل التسامح الشعبي مع النظام أكثر فأكثر عندما رفع التضخم أسعار الطعام، وخاصةً الخبز، ما وضع ضغطًا حقيقيًا على المصريين الفقراء. ارتفعت البطالة بشدة على نحوٍ كارثي حتى إن صندوق النقد الدولي حذر من أنها باتت "قنبلةً موقوتة". كما نما الغضب الشعبي ضد وحشية الشرطة.
عندما انفجرت الحركة الاحتجاجية أخيرًا في كانون الثاني/يناير 2011، أثبت نظام مبارك هشاشته. نالت الثورة سريعًا دعمًا شعبيًا. فشلت وزارة الداخلية في استعادة النظام. وحينها، وهو الأمر الأكثر أهمية، خسر مبارك ولاء جيش مصر القوي. بدلا من قمع المحتجين، رفع الجيش دعمه عن النظام ونصّب نفسه محله، على نحوٍ بدا مؤقتًا.
لكن اتضح أن الجيش، وهو مؤسسة بذاته، قد أصبح تركيزه على الحفاظ على مصالحه الخاصة أكثر من مصالح الدولة، وبعد عامٍ واحد من وصول محمد مرسي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، نفّذ انقلابًا عسكريًا أزاحه من السلطة ونصّب الجنرال عبد الفتاح السيسي كرئيسٍ للبلاد.
قامت حكومة محمد مرسي، في السنة التي حكمتها بين النظامين العسكريين، ببعض الأشياء الصحيحة والكثير من الأشياء الخاطئة. لكن في جميع الأحيان، أيًا كان أداؤها، كان يعوقها ويقوضها ضعف أو العجز الكامل للمؤسسات والمجتمع المدني. انقلب القضاء علنًا ضد حكومة مرسي، وانسحبت قوات الأمن من الشوارع، وحتى مؤسسات الدولة التي وفرت الغاز والكهرباء فشلت، حسب النيويورك تايمز، "بشدة حتى أن طوابير الغاز والانقطاعات المتكررة للكهرباء غذت الغضب والإحباط الشعبي المتنامي".
كانت الكثير من إخفاقات مرسي نابعة منه، لكن حتى إذا كان قد أدى على نحوٍ أفضل في الحكم، فإن تجوّف الدولة المصرية كان ليظل يضعفه بشدة على الأقل أو ربما يفشله تمامًا. وبالتالي فعندما ترنح مرسي، انهار الانتقال الديمقراطي في البلاد. ملأت المؤسسة العسكرية السلطة التي خلقتها إخفاقات بقية الدولة.
المشكلات التي أسقطت مبارك لم يتم إصلاحها أبدًا
الظروف التي صممها مبارك عمدًا لإطالة مدة حكمه -مؤسسة عسكرية مفرطة القوة، معارضة ضعيفة بدون تجربة في الحكم، مؤسسات أمنية فاسدة، مجتمع مدني أجوف، وعدم وجود مؤسسات ديمقراطية فعالة- ظلت جميعها بعد سقوطه، وقوضت الحكومات المتعاقبة تمامًا كما قوضت حكومته في النهاية.
عندما ترى ذلك، يصبح من الواضح أن المشكلة الحقيقة لم تكن على الإطلاق الدرجة التي فهم أو لم يفهم بها المحتجون فرادى التنظيم السياسي القاعدي. لأن الانتقال الديمقراطي ليس فقط غياب دكتاتور، وإنما وجود حكم ديمقراطي.
والحكم الديمقراطي يتطلب شيئا أكثر أهمية بكثير، وإن كان أقل وضوحًا، من وجود شخص ديمقراطي جيد على رأس الحكومة. إنه يتطلب مؤسسات الديمقراطية: أحزاب سياسية قادرة على الفوز بالانتخابات، سياسيون قادرون على الحكم، بيروقراطية قادرة على تطبيق ذلك الحكم، ومنظمات مجتمع مدني قادرة على توفير الدعم والاستقرار لتلك المؤسسات.
كان لدى الكثير من المحتجين الليبراليين أعوامًا من الخبرة التنظيمية، لكنهم لم يبدوا قادرين على إنشاء حزب سياسي لحمل مُثُلِهم إلى ما وراء ميدان التحرير حيث الحكم الحقيقي. ربما كان ذلك راجعًا جزئيًا إلى الاقتتال الداخلي، أوعدم قدرة على الوصول إلى الطبقات العاملة، أو إخفاقات أخرى. لكن من ضمن الأسباب أيضًا، وربما أهمها جميعًا، هو أن مبارك قد ضمن منهجيًا، على مدار عقود من حكمه، عدم توافر ظروف إقامة حزبٍ سياسي ليبرالي ناجح.
كانت جماعة الإخوان المسلمين أفضل حالًا بقليل -كان لديها آلة حزبية حقيقية، ومرشحين سياسيين، وقاعدة دعم شعبي- لكن كما أظهرت إدارة مرسي الكارثية، تلك شروط ضرورية فقط لتشكيل حزبٍ قوي، لكنها ليست كافية للحكم.
ضمن مبارك، على مدار عقود حكمه الدكتاتوري، أن تكون المؤسسات الأساسية ضعيفة أو مفقودة في مصر. لكن عندما سقط نظامه، صُدِمنا جميعا -صُدِمنا!- لاكتشاف أن مرسي أيضًا لم يستطع، خلال الشهور الاثنى عشر التي قضاها في السلطة، أن يجهز تلك المؤسسات.
قصة دول ضعيفة تنهار من الداخل
لعبت آلية مشابهة دورًا في أغلب بلدان الربيع العربي الأخرى مع نتائجٍ أسوأ. ففي ليبيا، على سبيل المثال، ذهب القذافي إلى آفاقٍ أبعد لإضعاف المؤسسات بحيث لا يصبح أيٌ منها قويًا بما يكفي لتحديه. لقد كان، حسب مجموعة الأزمات الدولية، "نظامًا يتمحور حوله هو وعائلته؛ حرض الأحياء والجماعات ضد بعضها البعض؛ فشل في تطوير مؤسسات وطنية حقيقية؛ وترك الجيش الوطني ضعيفًا عمدًا لمنع ظهور أي منافسين محتملين".
لذا فعندما سقط نظام القذافي، لم يكن الكثير متبقيًا من الدولة الليبية. انجرفت البلاد إلى الاقتتال وهي اليوم غارقة في حربٍ أهلية تتضمن حكومتين متصارعتين وعددًا لا يحصى من التنظيمات المسلحة، من بينها داعش.
في سوريا، المؤسسة العسكرية قوية وظلت موالية لبشار الأسد بدرجةٍ كبيرة. لكن الأسد صمم الجيش ليس كقوة أمن خارجي لحماية الحدود على نحوٍ رئيسي، وإنما كأداة للحكم الطائفي، حاشيًا إياه بالعلويين الذين سيظلون موالين للنظام. كانت النتيجة هي أنه عندما أمر الأسد الجيش بإطلاق النار على محتجين غير مسلحين -أوامر قد ترفضها الكثير من الجيوش- أطاع بعض الجنود، بينما انشق آخرون للمساعدة في بدء ثورة مسلحة.
وبالتالي فإن احتجاجات الربيع العربي في سوريا قادت إلى أسوأ ما في النتيجتين المحتملتين: الحفاظ على دكتاتورية وحشية ما تزال تسيطر على مساحات كبيرة وتهاجم المدنيين، وأيضًا فراغ سلطة في المناطق التي فقد الأسد السيطرة عليها، وهي ما أثبتت كونها أرضًا خصبة لداعش ومتشددين آخرين. لقد كان الأمر، بالطبع، كارثيًا بالنسبة للمدنيين السوريين.
هل تونس استثناء يثبت القاعدة؟
كانت هناك دولة واحدة مر بها الربيع العربي لم يتم تجويف مؤسساتها قبل ثورتها: تونس. تبين فيما بعد أنها كانت الدولة الوحيدة التي خرجت من الربيع العربي بأي شيء يقترب من ديمقراطية حقيقية.
رغم أنه كانت هناك لحظات من التأزم الخطير، من بينها مقتل اثنين من الساسة الليبراليين في 2013، ظلت تونس حتى الآن على مسار انتقالها الديمقراطي. ظلت أول حكومة لتونس بعد الثورة مستقرة إلى حدٍ بعيد طوال فترتها، ورغم أنها خسرت الدعم الشعبي في النهاية، وهو ما أسفر عن هزيمتها في صندوق الاقتراع في انتخابات 2014 الحرة والنزيهة، بدلًا من ثورة أخرى أو انقلاب.
يتضمن شرح نجاح ثورة تونس بالضرورة بعض الحكمة بأثر رجعي. لكن تونس كان لديها ميزة بعينها تتفوق بها على جيرانها صنعت فارقًا كبيرًا: كانت مؤسسات المجتمع المدنية بها أقوى بما لا يقاس.
قصة تونس هي، نعم، قصة محتجين شجعان وقادة تونسيين نبلاء، لكنها أيضًا قصة مؤسسات ومجتمع مدني أقوياء سمحوا لهؤلاء الأفراد بالنجاح
عنى هذا أنه عندما واجهت البلاد أزمة سياسية عقب اغتيالَي 2013، وعندما فشلت المحاولات المبدئية لوضع مسودة دستور جديد، كان هناك مؤسات داخل البلاد قوية بما يكفي لمنع الانزلاق إلى العنف أو انهيار الدولة.
شكلت أكبر نقابة عمالية تونسية، مع أكبر منظمة تجارية، مع اتحاد المحامين، ومنظمة حقوق إنسان رائدة، عام 2013، "لجنة رباعية للحوار الوطني" عقدت بنجاح محادثات بين الفصائل السياسية المتصارعة. نزعت قدرة هذه المنظمات على قيادة النظام السياسي نحو التوافق فتيل التوترات السياسية، ودعمت وضع مسودة دستور جديد بنجاح، ومهدت الطريق لانتخابات 2014 التاريخية. في 2015، حصلت اللجنة الرباعية على جائزة نوبل للسلام اعترافًا بمجهوداتها.
قصة تونس هي، نعم، قصة محتجين شجعان وقادة تونسيين نبلاء، لكنها أيضًا قصة مؤسسات ومجتمع مدني أقوياء سمحوا لهؤلاء الأفراد بالنجاح.
هذه ليست قصة مثيرة عاطفيًا على نحوٍ فريد. كمحامٍ سابق، أعلم جيدًا جدًا أنه ما من أحدٍ على الإطلاق كتب أغنية ثورية تحكي برومانسية عن بطولة اتحاد محامين يشترك في سلسلةٍ من اللقاءات، وأعتقد أنه ما من أحدٍ سيفعل أبدًا. لكن بدون تدخل المحامين والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني للقيام بالعمل الممل للمجتمع المدني، من غير الواضح أن تونس كانت لتصبح قصة النجاح التي ننظر إليها اليوم.
الضعف المؤسسي ليس موضوعًا مثيرًا مثل الطغاة الأشرار والمحتجين الأبطال، لكنه أكثر أهمية بكثير من متظاهر يلوح بصورة مشوهة للدكتاتور التونسي السابق زين العابدين بن علي.
الدرس المستفاد من كل ذلك ليس هو أنه كان من الأفضل لمصر الإبقاء على مبارك، أو ليبيا على القذافي، أو سوريا على الأسد، وإنما هو أنه بحلول الوقت الذي وصلت فيه هذه البلدان إلى لحظة الاختيار بين الإبقاء على أو الإطاحة بقادتها، فإن اللعبة تكون قد تمت خسارتها بالفعل. وقتها تكون الحكومات بالفعل شديدة الهشاشة والمؤسسات شديدة الضعف بحيث ستكون أية نتيجة سيئة.
لماذا وكيف سمحنا لتلك الدكتاتوريات، على مدار العقود التي سبقت مجيء ثورات الربيع العربي، بتجويف دولها تمامًا؟!
الدرس هنا هو أنه رغم أن الدكتاتوريات المتصلبة تحب عادةً الترويج لنفسها كطريقةٍ مؤسفة لكن ضرورية لضمان الاستقرار، فإنها في الواقع دافعة لعدم الاستقرار. إنها فقط تشتري لأنظمتها استقرارًا مؤقتًا اليوم عبر رهن أمنها المستقبلي.
السؤال الأساسي الذي ينبغي أن نسأله عقب إخفاقات الربيع العربي هو ليس ما إذا كان ينبغي فعل المزيد عقب 2011 لدعم الحكومات الانتقالية، أو ما إذا كان ينبغي علينا ببساطة الحفاظ على الدكتاتوريات. السؤال الذي ينبغي أن نسأل أنفسنا إياه هو لماذا وكيف سمحنا لتلك الدكتاتوريات، على مدار العقود التي سبقت مجيء ثورات الربيع العربي، بتجويف دولها تمامًا حتى أن الربيع العربي أصبح ضامنًا لجلب الفوضى أيًا كان رد فعل العالم.
لقد كان نظام القذافي الوحشي وعديم الرحمة هو الذي مهد الطريق لانزلاق ليبيا في النهاية إلى الحرب الأهلية، وكانت أوجه قصور مبارك هي التي تركت مصر معرضة لانقلابٍ بواسطة جنرالٍ قاتل. وبشار الأسد مازال يثبت كل يوم أنه كان وسيظل الخطر الأكثر بشاعة على الشعب السوري، في كلٍ من ذبحه الجماعي للمدنيين السوريين وإخفاقات نظامه الكارثية التي فتحت الباب لوحشية وعنف داعش.
هذه ليست الرسالة المثيرة والجذابة التي يبحث عنها الجميع. لن يخرج المحتجون الشباب الشجعان إلى الشوارع ملوحين بلافتات تطالب بإصلاحٍ قضائي أو منظمات مجتمع مدني تستطيع يومًا ما أن تدعم عملية تغيير بطيئة وتدريجية. لن تصنع هوليود أي أفلام صيفية تحطم الأرقام القياسية عن مفاوضاتٍ سياسية نجحت لأن أركانًا من المجتمع تحظى بالاحترام أقنعت الأطراف المعنية بتبني نهجٍ يقوم على التوافق. ولن يفوز المرشحون السياسيون بالتصفيق بعباراتٍ قوية في المناظرات عن أهمية المؤسسات للسياسة الخارجية الأمريكية.
من الأسهل كثيرًا الدعوة إلى إسقاط دكتاتور بدلا من الضغط من أجل سياسات مملة غير جذابة تستبق مثل ذلك السقوط قبل حدوثه بأعوام وتبحث عن طرقٍ لضمان انتقالٍ هادئٍ وسلس. لكنها قصة تستحق الانتباه لها. دول الربيع العربي ليست هي البلدان الوحيدة التي يوجد بها حكومة سلطوية هشة قد تنهار على نحوٍ مفاجئ وكارثي. إنها مشكلة سوف نواجهها مجددًا.
المصدر: The unsexy truth about why the Arab Spring failed
اقرأ/ي أيضًا: