غالبًا ما تتم الإشارة إلى الكوارث الطبيعية بأنها عابرة للحدود أو أنها "بلا حدود" أصلًا. إنها تؤثر على مجتمعات متعددة وجغرافيات كثيرة، لكنها أيضًا أحداث تترك أثرًا عميقًا على الناس بمختلف خلفياتهم ومرجعياتهم وامتيازاتهم، وتترك هامشًا من التضامن الجمعي العابر للخلافات. ومنذ ازدهار مؤسسات العمل الإنساني في القرن الماضي، تم اعتبار هذه الحقيقة السبب الأساسي لتشكيل آليات وأطر دولية للتعامل مع الكوارث، لأنها تؤثر علينا جميعًا. وعلى هذا النحو، أصبح تعبير "بلا حدود" موجودًا في كثير من أسماء هذه المؤسسات، التي تقدم خدمات إنسانية في البلدان التي تواجه الكوارث.
صحيح أن الكارثة حدث طبيعي منفصل نسبيًا عن الإنسان، لكنه لا يحدث بدون سياق، وغالبًا ما يأخذ مكانًا في فضاء اجتماعي وسياسي وتاريخي
هذه السردية القائمة على المساواة أمام الكارثة أو الموت، مثلها مثل سرديات كثيرة شبيهة، تقول شيئًا وتخفي أشياء. صحيح أن الكارثة حدث طبيعي منفصل نسبيًا عن الإنسان، لكنه لا يحدث بدون سياق، وغالبًا ما يأخذ مكانًا في فضاء اجتماعي وسياسي وتاريخي. فالأوبئة على سبيل المثال، كما لاحظنا جميعًا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تنتشر بدون أن تحدد وجهة، لكنها تنتشر في عالم مشرذم، قائم على اللامساواة العميقة، مقسم بين فئات قادرة على حماية نفسها اجتماعيًا واقتصاديًا، وأخرى غير قادرة، وبين مجموعات عرقية وطبقية تتأثر بشكل غير متساوٍ بالعواقب. وعلى هذا النحو، فإن عدد الوفيات ونسبها من إجمالي الإصابات، ولاحقًا القدرة على الوصول إلى اللقاحات والأدوية، كشفت كلها عن هشاشة سردية "الجميع سواء أمام الكارثة".
الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين والإعصارات تحدث في سياقات مشابهة. وهي سياقات لا تخلو من الامتيازات واللامساواة بكل أشكالها. ومن الطبيعي أن الفئات التي تحوز على شبكات حماية مرتبطة بالعرق أو الطبقة أو الدولة، لا تتعرض للكارثة بنفس الطريقة التي تتعرض لها الفئات المهمشة.
حال الزلزال الأخير في ذلك، حال الكوارث الطبيعية الأخرى، لكن ما يميزه على نحو خاص، هو أنه يأتي في سياق كارثة أخرى مستمرة لأكثر من عقد. طوال سنوات تلت الثورة السورية، قضى النظام السوري على جزء كبير من السوريين، وهجر ملايين منهم، بما في ذلك ملايين نزحوا إلى مناطق سورية لا يسيطر عليها الأسد. ترك هذا البطش كثير منهم بلا أي أفق، محرومين من حقوق بسيطة بما في ذلك السكن الآمن وأبسط متطلبات الصحة والتغذية.
أما صفة هذه المرحلة الأساسية، فهي حياة السوريين العارية، العارية من أي حقوق أو حماية اجتماعية أو اقتصادية. حيوات معلقة، في مناطق كثيرة داخل وخارج حدود البلاد، تعيش في حالة مؤقتة، مصائرهم معلقة بما لا يعرفونه. داخل البلاد، لا يعرفون متى تكون الغارة القادمة، وفي الخارج قد تتغير مصائرهم بسبب دعاية انتخابية.
هذه حالة لا يمكن فهم الزلزال وما تركه من أثر عميق بدونها، وبالتالي فإن الحديث عن النظام السوري وجرائمه في هذا السياق، ليس استدعاء سياسيًا ثانويًا، ولا يمثل بطبيعة الحال استغلالًا سياسيًا للمأساة. إنه على النقيض من ذلك تمامًا، يضع هذه الكارثة في سياقها السياسي والاجتماعي. الزلزال هو كارثة طبيعية، لكنه وقع على حيوات جعل منها النظام السوري طوال أكثر من عقد معلقة، عارية، طيعة أمام الموت، وهدف سهل أمام الكارثة. الأنظمة والدول المستبدة لا تميت، ولكنها تسمح بالموت أيضًا، أو تترك الذوات غير المرغوب بها للموت، وهذا هو أحد التعريفات الأساسية للسياسات الحيوية، وسياسات الموت والحياة في عالمنا المعاصر.
الزلزال هو كارثة طبيعية، لكنه وقع على حيوات جعل منها النظام السوري طوال أكثر من عقد معلقة، عارية، طيعة أمام الموت، وهدف سهل أمام الكارثة
التضامن مع الضحايا واجب، ولأنه كذلك، يجب ألا ينكر السياقَ الذي جعل منهم ضحايا، ولا يجب أن يهمل في صورته الإنسانية أن الناس ليسوا سواء أمام الكارثة، وأن للكارثة حدودًا، تم ترسيمها طوال أكثر من عشر سنوات بالدم والقمع والبطش.