حمل قرار محكمة العدل الدولية، عدة نقاط إيجابية لصالح القضية الفلسطينية وقطاع غزة الذي يعيش العدوان الدموي، إذ اعتبر الشعب الفلسطيني، مجموعة محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وقبل الطلب الجنوب إفريقي لاتخاذ قرار بناءً على الاتفاقية، كما أنه دعا دولة الاحتلال الإسرائيلي، لاتخاذ التدابير التي تمنع وقوع إبادة جماعية ومنع التصريحات التحريضية، وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
وفي الوقت نفسه، أصبح السؤال الأساسي، حول إلزام وإجبار إسرائيل، على تطبيق القرار الصادر عن المحكمة، والذي يرتبط في مدى فاعلية النظام الدولي، والمنظمات الدولية.
وفي مقالة للمحرر الدبلوماسي لصحيفة "الغارديان" باتريك وينتور، قال إن "جنوب إفريقيا لم تضع معاملة إسرائيل للفلسطينيين في قفص الاتهام فحسب، بل أيضًا النظام القائم على القواعد بعد الحرب العالمية الثانية برمته، بما في ذلك سلطة محكمة العدل الدولية نفسها"، مضيفًا: "لم يسبق أن تم رفع قضية رفيعة المستوى كهذه وسط صراع دموي كهذا، ونادرًا ما كان هناك الكثير من الأشخاص الذين يراهنون على النتيجة إلى هذا الحد. سمعة القانون الدولي في حد ذاته، قدرته واستعداده لإلزام جميع الشعوب وحمايتها على قدم المساواة، أصبحت على المحك".
وأضاف: "على نحو غير عادي، لم تتهرب المحكمة مما اعتبرته مسؤولياتها. وهي لم تأمر بوقف كامل لإطلاق النار، ولكنها منحت أوامر الحماية، بما في ذلك إنهاء قتل الفلسطينيين في غزة، والتي ذهبت إلى أبعد مما توقعه العديد من خبراء القانون الدولي".
قال المحرر الدبلوماسي لصحيفة "الغارديان" باتريك وينتور، إن "جنوب إفريقيا لم تضع معاملة إسرائيل للفلسطينيين في قفص الاتهام فحسب، بل أيضًا النظام القائم على القواعد بعد الحرب العالمية الثانية برمته"
وأشار المحرر باتريك وينتور، إلى أن الحكم: "يعتبر مدمرًا لإسرائيل ومحرجًا للسياسيين مثل وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي قال إن القضية لا أساس لها من الصحة، ووزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، الذي حث جنوب إفريقيا على عدم الحديث عن كلمات مثل الإبادة الجماعية".
وأوضح أن إسرائيل "تعرف الضرر الدبلوماسي الناجم عن القرار، إذ ذكرت برقية سرية من وزارة الخارجية الإسرائيلية، حصل عليها موقع أكسيوس قبل شهر، أن القضية يمكن أن يكون لها آثار محتملة كبيرة لا تقع في العالم القانوني فحسب، بل لها تداعيات عملية ثنائية ومتعددة الأطراف واقتصادية وأمنية".
لفت المحرر الدبلوماسي في الصحيفة البريطانية، النظر إلى القضية "تمثل اختبارًا لحلفاء إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة"، قائلًا: "إن النتائج التي توصلت إليها المحكمة ملزمة، ولكن لا توجد آلية تنفيذ باستثناء ضغط الأقران، وليس هناك نظير أكثر أهمية من الولايات المتحدة".
وحول تعامل الولايات المتحدة مع المحكمة بالعموم، أشار إلى أنها قللت في بعض الأحيان منها، مثلما وصفتها المبعوثة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة جين كيركباتريك، بأنها "هيئة شبه قانونية وشبه قضائية وشبه سياسية تقبلها الدول أحيانًا ولا تقبلها أحيانًا أخرى".
"سلطات الاتحاد الأوروبي لم تتخذ أي إجراء حيال الجرائم المرتكبة في غزة، بل أعلنت صراحة أنها مستعدة لتجاهل نتائج محكمة العدل الدولية".. عضو البرلمان الأوروبي "كلير دالي" تنتقد ازدواجية المعايير في الاتحاد الأوروبي pic.twitter.com/imoCmzpMUf
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) January 27, 2024
ومع ذلك، أوضح أن الولايات المتحدة، كان تتعامل بجدية مع قرارات المحكمة في بعض الأحيان، مثلما حصل مع روسيا وميانمار، كما أشار إلى إنفاق الولايات المتحدة ملايين الدولارات في حملاتها الانتخابية لضمان حصول أحدث مرشحيها، البروفيسورة سارة كليفلاند، على مقعد في محكمة العدل الدولية. وفي تأييده لترشيحها، قال جو بايدن إن المحكمة "تظل واحدة من أهم المؤسسات الإنسانية لتعزيز السلام في جميع أنحاء العالم".
ولخص السياق الأمريكي، قائلًا: "هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ملزمة بالموافقة على النتائج، ولكن من واجبها باعتبارها دولة موقعة على الاتفاقية أن تدعمها. وسيتطلب ذلك حث حليفتها إسرائيل على البحث عن سبل للامتثال لأوامر المحكمة. كما أن الحافز لدى واشنطن للتفاوض على وقف إطلاق النار يتضاعف أيضًا"، مضيفًا: "إذا ما سعت دولة مثل الجزائر، كما يبدو مرجحًا، إلى فرض قرار محكمة العدل الدولية من خلال قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة سوف تواجه معضلة. وبوسعها أن تستخدم حق النقض وتشير إلى أن بلدانًا أخرى، وأبرزها روسيا، لم تمتثل للحكم الأخير الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بشأن أوكرانيا، ولكنها بذلك تقدم لموسكو، أستاذة الحرب اللغوية، هدية مغلفة"، وفق تعبيره.
ولفت المحرر الدبلوماسي، إلى محاضرة ألقاها مدير مركز أبحاث تشاتام هاوس، برونوين مادوكس، تناول فيها الخطاب عن النفاق الغربي، وينقل عنه قوله: "الحجة حول المعايير المزدوجة، تسير على النحو التالي: الغرب يهتم بالديمقراطية، ولكن ليس عندما يريد تعيين قادة يحبونه في بلدان أخرى. ويحترم السيادة ولا يفعل ذلك دائمًا، كما هو الحال في العراق. ويطالب بحق تقرير المصير في تايوان، وليس في كاتالونيا. ويدعم حقوق الإنسان، ولكن ليس في البلدان التي يحتاج منها إلى النفط. ويدافع عن حقوق الإنسان، إلا عندما يصبح الأمر صعبًا للغاية، كما هو الحال في أفغانستان". وبناءً على ذلك، علق محرر "الغارديان": أن "تجاوز قرار محكمة العدل الدولية من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة".