تصاعدت حدة الحراك الشعبي في الجزائر، عقب تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حول إمكانية استغلال الغاز الصخري في الجزائر، إذ أعاد الشكّ والرّيبة إلى سكان الصحراء ومدن الجنوب، في تلك الأراضي الشاسعة التي تنضب بالحياة، لكنه في نفس الوقت جدّد إحماء قضية سبق للجزائريين، أن ثاروا ضدها.
يعد تبنّي الحراك الشعبي في الجزائر في أسبوعه الـ49، لقضية رفض استغلال الغاز الصخري في الجنوب الجزائري، تطوّرًا لافتًا في لائحة مطالب الحراك منذ 22شباط/فبراير الماضي
فتحت هذه التصريحات التي أدلى بها الرئيس الجزائري في لقاء مع وسائل الإعلام المحلية، باب المخاوف المحدقة بسكان الجنوب، وأسهمت في توجيه الحراك الشعبي، نحو انعطاف مطلبيّ جديد، في حراك يتجدد في الشارع الجزائري كلّ أسبوع منذ عام تقريبًا من المسيرات والمظاهرات الشعبية.
اقرأ/ي أيضًا: فقراء في الجنوب الجزائري الغني بالنفط!
تطور في الحراك
يعد تبنّي الحراك الشعبي في الجزائر في أسبوعه الـ49، لقضية رفض استغلال الغاز الصخري في الجنوب الجزائري، تطوّرًا لافتًا في لائحة مطالب الحراك منذ 22شباط/فبراير الماضي، إذ لاحت شعارات خلال المسيرات يوم الجمعة 24 كانون الثاني/جانفي الجاري، رافضة لاستغلال هذه المادة الطبيعية الموجودة في الصحراء الجزائرية، وإدراج الناشطين في الحراك الشعبي لقضية بيئية ضمن مطالبه المركزية إضافة إلى باقي المطالب السياسية المتعلقة بالديمقراطية والحريات.
إمكانية العودة إلى فتح ملف استغلال الغاز الصخري من طرف الحكومة الجزائرية، أحدث رجّة في الشارع، إذ رفعت لافتات تتحدث عن "مخاطر استغلال الغاز الصخري" ولافتات كتب فيها "لا لاستغلال الغاز الصخري"، من مخاطره على البيئة كأهم أسباب الرفض، علاوة على ارتفاع مخاوف استنزاف المياه الجوفية للمنطقة التي تعاني أصلًا من مشاكل، رغم تطمينات الرئيس من أن "أي استغلال للغاز الصخري لم ينطو على أية أضرار للبيئة وسيأخذ بعين الاعتبار المصالح العليا للبلاد والسكان".
رجّة بعد فتور
في الشارع، بدا أن هناك تحفّز في مناطق الجنوب، للقيام بحركة مقاومة شعبية ضد استغلال الغاز الصخري، خاصة مع وجود مجموعات شبابية نشطة برزت منذ بدء الحراك الشعبي في شباط/فبراير الماضي، خاصة في مناطق (ورقلة وادرار وتمنراست وعين صالح)، والتي بات حضور الحراك الشعبي فيها لافتًا، بعد فترة من الفتور السياسي والمدني عرفتها مدن الجنوب لأسباب سياسية واجتماعية خاصة بالمنطقة.
خلال الفترة السابقة، تمكنت هذه المجموعات الشبابية النشطة من تجاوز المؤسسات العرفية والاجتماعية التي كانت تستند عليها السلطة لتسيير وإدارة الجماعات المحلية (البلديات) في هذه المناطق، وتبني هذه المجموعات النشطة مقاربتها الضدية اتجاه السلطة وسياساتها على أساس بروز تناقضات واضحة بين الظروف المعيشية للسكان في هذه المناطق، وبين الثروات النفطية والغاز والتي تتمتع بها هذه المناطق، دون أن تستفيد من تنمية في البنى التحتية والخدمات في مجالات الصحة والتعليم والنقل وغيرها مقارنة مع مدن الشمال.
وجود هذه المجموعات الشبابية في مدن الجنوب المستهدفة بقرار استغلال الغاز الصخري، يعمل على توسع الحراك الشعبي، بحسب الباحث في العلوم السياسية مصطفى كراجة، فمن جهة "سيفتح الباب أمام نقل الحركة الاحتجاجية على مستوى جغرافي من الشمال إلى الجنوب"، و"توسيع دائرة القضايا التي يتبناها الحراك إلى القضايا البيئية كعامل مطلبي جديد، يدرج ضمن المطالب السياسية والديمقراطية في علاقتها بإدارة الشأن العام والتدبير وتسيير مقدرات البلاد"، من جهة أخرى.
الانعطاف في الشارع الجزائري نحو قضية إنسانية بيئية بالدرجة الأولى واقتصادية بالدرجة الثانية، تطفو إلى سطح الأحداث في الساحة السياسية الجزائرية، من شأنه أن يصبّ الزيت على النار، بعدما تم إطفاؤها في 2015، يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي عمار بودهان، لـ"الترا صوت"، موضحًا أن مناطق الجنوب التي ظلت بعيدة عن اهتمام الإدارة المركزية في الشمال، كما قال، في حين تشهد الولايات الجنوبية عدة مشاكل سوسيو- اقتصادية، من شأنها أن تحرك الشارع في كل مرة تظهر شرارة الاحتجاج.
من الناحية الجغرافية، توجد مفارقة كبرى يعيشها سكان الجنوب الجزائري، تتعلق حسب الباحث بودهان بما أسماه "جغرافية فقيرة ومواطن يعاني الفقر والبطالة ونقص التزود بالمياه".
إحياء قضية
على الأرض، لم تهدأ مناطق الجنوب الجزائري خلال السنوات الأربع الأخيرة، إذ عرفت مرحلتين من الاحتجاجات، متشعّبة الأسباب، منها ما هو مرتبط بالمشاكل الاجتماعية كالبطالة ومطالب الشغل، من ناحية، ومنها ما هو مرتبط باستغلال الغاز الصخري في مدينة عين صالح من كبريات المدن الصحراوية، من ناحية أخرى، وهي مدن تنام على احتياطي ضخم من الغاز الصخري، إذ شهدت أكبر اعتصام مفتوح تعرفه الجزائر، بداية سنة 2015، استمر لثلاثة أشهر.
في هذه المرحلة الأولى، نظم ناشطون من الشباب في مدينة عين صالح، احتجاجات، رافضة لاستغلال الغاز الصخري، بعدما قرر مجلس الوزراء برئاسة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بدء الاستكشافات والتنقيب عن الغاز الصخري، مكّنت من استقطاب تضامن شعبي في عديد المدن الجزائرية.
تصاعد الضغط الجماهيري، ومراسلات الناشطين في مجال البيئة لبوتفليقة، شكَّل مع مرور الوقت، رهانًا حقيقيًا أمام الحكومة والرئيس، بعد أن تمّ فض اعتصام "عين صالح" بالقوة، واستمرار الوقفات الاحتجاجية الرافضة لـ"هلاك البيئة" في عدة مدن جزائرية من بينها ولاية "ورقلة" 800 كيلومتر جنوبي العاصمة الجزائرية، وهو ما دفع بالرئيس بوتفليقة أن يعلن إنهاء عمليات الحفر وغلق ملف الغاز الصخري.
في المرحلة الثانية، نظمت في مدن ورقلة وعين صالح وادرار في نيسان/أبريل 2018 اعتصامات غير مسبوقة على مستوى الحشد والتعبئة والتنظيم في مدينة عين صالح ضد محاولة الحكومة استغلال الغاز الصخري، حظيت حينها بدعم كبير من قبل القوى السياسية والمدنية في البلاد، ودفعت الحكومة إلى التراجع عن هذا الخيار مؤقتًا، والرئيس السابق بوتفليقة إلى دعوة الحكومة إلى إطلاق حوار مع السكان ونقاش مجتمعي حول استغلال الغاز الصخري.
الملفِت أن مخاوف الجزائريين، من مشروع استغلال الغاز الصخري، باتت مشروعة بسبب تأثيرات استخراج هذه المادة على البيئة عمومًا، والمياه الجوفية والفلاحة في الواحات الصحراوية خاصة، إضافة إلى مخاطر استخراج الغاز الصخري والمواد الكيماوية التي تتركز في باطن الأرض، وعدم القدرة على التخلص من فضلاتها الكيميائية والتي بدورها تؤثر على الجهاز التنفسي وتصيب البشر بعديد الأمراض الخطيرة.
بينما اعتبر الناشطون أن قضية الغاز الصخري ما هي إلا إنذار سيفجر بركان الصحراء النائم؛ شعارات حملها المتظاهرون مؤخرًا في المسيرات الشعبية، تندد بقرار الحكومة اللجوء إلى التنقيب عن الغاز الصخري.
أولويات الاقتصاد الجزائري
برأي المختصين لا يمكن التعميم في مخاطر استغلال الغاز الصخري، فهي مسألة تخضع لمقاييس تقنية واقتصادية وبيئية، تتطلب الفصل فيها من طرف مجموعات متخصصة في هذه المجالات الثلاثة مجتمعة.
تقنيًا، يرى الباحث في تخصص النفط حاتم غندير أن القضية تخضع لدراسات تقنية وبيئية واقتصادية، مضيفًا في تصريح لـ"الترا صوت" أن"الدراسات التقنية من شأنها أن تظهر مدى بعد الحقل الغازي عن المياه الجوفية".
وأوضح الباحث أن الأمر معمول به في عديد الدول رغم اهتمامها الصارخ بالبيئة إلا أنها تشتغل على استخراج الغاز الصخري في مناطق بعد أن تثبت التقنيون من عدم خطورتها على المياه الجوفية، بينما تم التحذير ومنع الاستغلال في حقول أخرى.
استغلال هذه المادة ليست من الأولويات حاليًا، حسب ما قال المتحدث، مفيدًا أن الجزائر "بحاجة لمضاعفة استغلال الطاقات المتجددة ضمن برنامج الانتقال الطاقوي المعلن عنه في الفترة ما بين 2011- 2030". كما أشار إلى أن "الجزائر تمتلك مخزونًا هائلًا من الطاقة الشمسية وبحاجة إلى استغلال واستثمار ضخم.. وهي طاقة المستقبل".
بينما ذهب البعض إلى القول أنه بدل استغلال هذه المادة التي تشكل مخاطر بيئية على البشر والبيئة، يجب بناء اقتصاد معرفة أو توجهات نحو تطوير قطاعات اقتصادية أخرى كالزراعة والصناعة والخدمات والسياحة وغيرها.
إنذار واحتجاجات فئوية
في قراءة أخرى، يبدو أن أفق التوازنات المالية للجزائر صعب مع تآكل احتياطي الصرف إلى 50 مليار دولار وتراجع عائدات النفط، ولعل هذه الظروف المرتبطة بتآكل احتياطي الصرف واحتمال تعرض البلاد لأزمة مالية، يكون وراء اندفاع السلطة السياسية الجديدة في الجزائر للبحث مبكرًا عن موارد مالية جديدة عبر استغلال الغاز الصخري.
اقرأ/ي أيضًا: ماراثونية "لا للغاز الصخري" الجزائرية
ويزداد الوضع صعوبة مع بروز مطالب مهنية وفئوية بزيادة الرواتب، نحو مطلب المعلمين في المدارس والتعليم الابتدائي بتعديل الأجور، ما دفع وزير التربية الجزائري محمد أوجاووت إلى إقرار زيادات في أجور المعلمين، إذ ستفتح هذه الخطوة، الباب أمام مزيد من المطالبات الفئوية، في قطاعات التربية والصحة والنقل والجامعات وغيرها من القطاعات.
في الشارع، بدا أن هناك تحفّز في مناطق الجنوب، للقيام بحركة مقاومة شعبية ضد استغلال الغاز الصخري، خاصة مع وجود مجموعات شبابية نشطة برزت منذ بدء الحراك الشعبي في شباط/فبراير الماضي
عمومًا، لا يمكن إغفال أن إثارة هذه القضايا في وسط شارع يعرف غليانًا شديدًا، يمكنها أن تكون عود ثقاب مشتعل، بإمكانه أن يدخل المنطقة في حالة فوران شعبي، ثم ثورة بركان نائم، لا يمكن إخماده، خصوصًا وأن الحكومة الحالية لا تملك من الأسلحة الكافية لسدّ ثغرات المطالب الاجتماعية والمهنية، الموروثة من حكم منطق "الرّيع من السيولة المالية من مداخيل الغاز والنفط وشراء السِّلم الاجتماعي"، التي وظفتها الحكومات المتعاقبة في فترة عقدين من زمن حكم بوتفليقة.
اقرأ/ي أيضًا: