في الحرب الأوكرانية التي اندلعت في 24 شباط/فبراير، ثمّة حرب ضارية أخرى ضمنها، تدور على أشدّها بين أشقاء متنازعين، من أبناء الشيشان. يتوزّع هؤلاء المقاتلون على طرفي النزاع، بين موالٍ لروسيا وبين مناهض لها ولمرتزقتها. فعلى الطرف الأول يقف الزعيم الشيشاني المقرب من بوتين رمضان قديروف ومقاتلوه، وعلى الطرف المقابل مسلحون شيشان يقاتلون إلى جانب أوكرانيا، ويواجهون قوّات بوتين وقديروف الغازية.
تخشى أوكرانيا أن تتحوّل إلى شيشان جديدة
تخشى أوكرانيا أن تتحوّل إلى شيشان جديدة. فالشيشان كانت دومًا في السردية الروسية جزءًا لا يتجزأ من كيانها وتاريخا ومادتها الجغرافية وسيادتها الإمبراطورية، وهو ما استمر خلال الحقبة السوفيتية. لكن تفكك الاتحاد في مطلع التسعينات، منح الشيشان فرصة للاستقلال، فصارت تلك البلاد لوهلة قصيرة منفصلة عن الجسد السوفيتي المترهّل. إلا أن روسيا سرعان ما حاولت فرض سيطرة فيدرالية على الشيشان، فاندلعت الحرب الشيشانية الأولى بين العامين 1994 و1996، وانتهت بإخفاق مهين لروسيا، اضطرها للانسحاب.
إلا أنّ فلاديمير بوتين، الذي وصل إلى السلطة رئيسًا للوزراء عام 1999، أصرّ على عدم استمرار الهزيمة، فلجأ إلى استخدام الطاقة القصوى لآلة الحرب الروسية، فسوّى العاصمة الشيشانية غروزني وأحالها إلى ركام في الحرب الشيشانية الثانية. كما اعتمد بوتين على استمالة زعماء شيشان عبر شراء ولائهم، وكان من بينهم أحمد قديروف، والذي وقع عليه اختيار الكرملين ليكون رئيسًا للشيشان.
في العام 2004، قُتل قديروف في عملية اغتيال، ونصّبت روسيا مكانه ابنه رمضان قديروف، والذي لم يدّخر أية وسيلة ليبرهن لبوتين أنه الشيشاني "المفيد"، القادر على فرض السيطرة وضمان التبعية المطلقة لموسكو.
حكم قديروف الشيشان بقبضة من حديد عبر أجهزة أمنية موالية له وتحصل على تمويل سخي وتدريب من موسكو، وتعرف باسم "قديروفتسي" والتي تعني "شبيبة قديروف". وقد قاتلت هذه القوات إلى جانب روسيا في أوكرانيا في العام 2014، وقد عادت هذه القوات مجددًا في الحرب التي اندلعت مؤخرًا في أوكرانيا، لكن بأعداد أكبر هذه المرة، وفي مناطق الاشتباك المباشرة، لتسهيل تقدّم القوات الروسية في اجتياحها العسكري.
لا يعرف بالتحديد عدد القوات الشيشانية التي تقاتل في أوكرانيا إلى جانب روسيا، إلا أن التقديرات تشير إلى وجود ما لا يقل عن 10,000 مقاتل من قوات قديروف في أوكرانيا، والذي تشير عدة تقارير إلى أنه قد كان من بين الزعماء الذين كانوا بصورة المخطط الروسي لغزو أوكرانيا.
لقد كان للانخراط الشيشاني في أوكرانيا إلى جانب الروس دور مؤثر بالفعل في المرحلة الأولى من بدء العمليات العسكرية، وقد وصلت قوات الحرس الوطني الشيشاني إلى مشارف كييف في 27 شباط/فبراير. كما تشير مصادر أخرى إلى أن القوات الشيشانية قد اشتبكت مع القوات الأوكرانية في الضواحي الغربية للعاصمة كييف وفي محيط مطار جوستوميل، إلى جانب قوات مظلية روسية تم إنزالها في المنطقة. كما يتواجد في أوكرانيا حاليًا كبار المستشارين وقادة قوات النخبة الشيشان، والذين ادعت أوكرانيا تصفية فريق منهم كانت قد أوكلت إليه مهمّة اغتيال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
ويرى محللون بأن قوات قديروف تؤدي دورًا محوريًا في البروباغاندا الروسية، وبث الرعب في معنويات الأوكرانيين وذلك بالاعتماد على سمعة هذه القوات وشراستها القتالية، ولاسيما في عمليات فرض السيطرة على المدن بعد التمكن العسكري منها. إذ يعرف عن قوات الحرس الوطني الشيشانية الموالية لروسيا فظائع وانتهاكات مرعبة ضد المدنيين، سواء في الشيشان، أو في دونباس عام 2014، إضافة إلى سوريا.
كما قد يدل هذا الاعتماد الكبير للروس على قوات قديروف على استعداد موسكو لخوض حرب عصابات داخل الأراضي الأوكرانية، والتي ستكون فيها القوات الشيشانية الموالية لها رأس حربة فيها، نظرًا للخبرة التي تتمتع بها في هذا المجال.
شيشان ضدّ الشيشان
إلا أن قوات قديروف ليست هي الطرف الشيشاني الوحيد على الأرض في أوكرانيا. فهنالك أيضًا وحدات شيشانية مدرّبة معادية لروسيا وقديروف، من بينهم مقاتلون قدامى حاربوا ضدّ روسيا في حربي الشيشان الأولى والثانية. ويبدو أنها تقاتل بضراوة ضد قوات قديروف، وذلك بحسب مقاطع فيديو متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، تأكدت بعض وكالات الأنباء المستقلة من تأكيد صحّتها.
من بين هؤلاء وحدتان أساسيتان هما الأكثر تنظيمًا، تقاتلان إلى جانب أوكرانيا، تشكلتا عام 2014 إبان ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم. تعرف الأولى باسم "كتيبة الشيخ منصور"، وهي تنشط بشكل أساسي جنوب شرق أوكرانيا، وبالتحديد في مدينة ماريوبول، حيث ساهموا بشكل فاعل في القتال ضد القوات الانفصالية المدعومة من روسيا عام 2014 و2015.
أمّا الوحدة الأخرى فتعرف باسم "كتيبة جوهر دوداييف"، وهو اسم الرئيس الشيشاني الأول في تسعينات القرن الماضي، وقد أعلنت إعادة ترتيب قواتها لمواجهة الروس والقوات الشيشانية الموالية للكرملين في أوكرانيا. فقد ظهر قائد المجموعة، آدم عثمايف، في مقطع فيديو نشر مؤخرًا، وهو يوجه رسالة يقول فيها: "أودّ أن أؤكّد للأوكرانيين أن الشيشانيين الحقيقيين هم من يدافعون اليوم عن أوكرانيا".
وانتقد عثمايف القوات الشيشانية التابعة لقديروف، وقال إنهم "عار يلطخ سمعة الأمة الشيشانية، ولا نعتبرهم سوى مجموعات من الخونة". يذكر أن زوجة آدم عثمايف، والتي كانت أيضًا منخرطة بشكل نشط في حركات المقاومة الشيشانية، قد قتلت بهجوم بالقنابل من قبل انفصاليين موالين لروسيا، وذلك في العام 2017، بعد محاولة اغتيال استهدفته قرب كييف.
لا تتوفر معلومات دقيقة عن حجم المتطوعين الشيشان المناهضين لروسيا في أوكرانيا، إلا أنّ معظمهم لجأوا إليها هربًا من الملاحقة والاضطهاد في الشيشان بعد دخول القوات الروسية إلى غروزني وإعلانهم السيطرة عليها بعد حرب مدمّرة راح ضحيتها زهاء 200،000 شيشاني بحسب بعض التقديرات. وبالنسبة لهؤلاء الشيشان في أوكرانيا، فإن الحرب الروسية تذكرهم بالمصير الذي لقيته بلادهم التي حرمت من الاستقلال وظلت واحدة من جمهوريات روسيا الاتحادية في القوقاز.
لا تتوفر معلومات دقيقة عن حجم المتطوعين الشيشان المناهضين لروسيا في أوكرانيا
كما تقاتل جماعات من تتار القرم ضد القوات الروسية والشيشانية الموالية لها. فمنذ بداية الحرب، ظهر سعيد إسماعيلوف، وهو مفتي أوكرانيا من أصول تترية من شبه جزيرة القرم، معلنًا خلع عمامته وانضمامه للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية، لصدّ العدوان الروسي. وقد نشر إسماعيلوف مقطعًا مصورًا يدعو فيه المسلمين إلى دعم أوكرانيا، ومحذرًا من الاستجابة للدعوات الروسية لتجنيد متطوعين ليكونوا "وقودًا للحرب في أوكرانيا" على حد تعبيره. وخصّ إسماعيلوف في رسالته السوريين، قائلًا لهم "إياكم أن تكونوا شركاء في الجريمة، بل كونوا الأشخاص الذين يقفون إلى جانب الحرية والعدالة".
Support Ukraine: an appeal to Muslims around the world
Posted by Саид Исмагилов on Monday, March 7, 2022
وبالإضافة إلى إسماعيلوف، وجه حيدر رستموف، المفتي العام لمسلمي القرم رسالة إلى مسلمي أوكرانيا للدفاع عن بلادهم، كما دعا المسلمين الروس للوقوف ضدّ العملية العسكرية الروسية التي تشنها بلادهم على أوكرانيا.