تبدو علاقة المتن/المركز والهامش/الأطراف ملتبسة وشديدة التداخل، فبينما يدّعي المتن بأنه المركز، ومالك السلطة، وأن وجوده بالضرورة هو الذي يُوجِد الهامش؛ فإذا لم يكن موجودًا استحال وجود الهامش. في المقابل يحاجج الهامش -رغم تسليمه الظاهري بسطوة المتن وتجبّره وفساده في نفس الوقت- بأنّه لا يني بطرح نفسه كبديل أكثر فهمًا ووعيًا واستيعابًا، كما أنه يردّ على المحاججة السابقة التي تخصّ وجوده، بقوله، إنه في حال انعدام المتن بالضرورة، يكون وجوده هو كمتن، ولكنه متن مختلف، بلا غطرسة ولا يمارس طقوس الإقصاء والنفي التي يعانيها.
تصنع اللغة ومن قبلها الواقع الاجتماعي، حالة التجاذب بين المتن والهامش، لتتشكل الثنائية الحاكمة للتصورات والمفاهيم
هذا على الأقل ما يروِّج الهامش لنفسه. ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل يتباهى بكونه الأكثر طهارة وطهرانية من المتن بالتباساته ومراوغته، وعدم وضوحه الذي يصفه بأنّه شرٌّ مطلق، وفي نفس الوقت، يقدّم الهامش نفسه بأنه المتروك والمخذول الذي يرضى بالقليل.
اقرأ/ي أيضًا: القصّة القصيرة.. سلطة الهامش
تلك الإشكالية تصنعها اللغة ومن قبلها الواقع الاجتماعي، في حالة التضاد والتجاذب والانحراف، ومن ثم الثنائية الحاكمة للتصورات والمفاهيم، فيبدو الوعي -وهو المنوط به صياغة المفاهيم والتصورات التي تعتنقها وتتبنّاها الجماعات- قاصرًا عن إدراك التنوعات الهائلة والشاسعة التي تنقُض ببساطة مفهوم الثنائية. على سبيل المثال، ليس الشرق شرقًا واحدًا في مقابلة الغرب، الذي بالضرورة ليس واحدًا، وكذا الشمال والجنوب، وأيضًا المركز والطرف، والمتن والهامش، كما نحاول تبيّن ذلك الآن.
إن المتن، لا يتشكّل إلا باحتوائه وقدرته الواسعة على العديد من الهوامش، فالبوْن شاسع بين المفهومين، إذ إن السيطرة في أبسط تجلياتها هي إخضاع الهامش ومحوه تمامًا داخل إطار المتن، بينما على الجانب الآخر فإن الاحتواء في واحد من جوانبه، يعبّر عن علاقة تكاملية بين الهامش والمتن، يكون الهامش فيها فاعلًا بنفس القدر الذي يمارسه المتن.
يبقى منعرجٌ أخير في تحديد المتن والهامش، من وجهة النظر، أي "مَن الذي يُصيّر المتن متنًا والهامش هامشًا؟". بالتأكيد هو الوعي الذي يقف خلف الطرح الذي يقدّمه، أي السلطة التي تبرّر تسلّطها بالمنطق والإخضاع وغير ذلك من السبل، حتى تُعمي الوعي الناقد عن تفحص تلك العلاقة جيدًا، ومن ثم الخروج ولو بملاحظات أولية تعيد الاعتبار للتعدد والتجاور، وتتجاوز أفق الثنائية الضيق، خاصة بعد الثورة الهائلة للاتصالات والتي تعمل بجد لإلغاء فكرة المسافة.
لا يمكن النظر إلى المتن إلا باحتوائه العديد من الهوامش، ولا إلى الهوامش إلا بوجود المتن، وهكذا العلاقة تكاملية بينهما
فامتلاك الوسائل والحقيقة التي يدّعيها المركز، باتت مفتتة بسبب ثورة المعلومات تلك، حتى أن المركز نفسه قد صار هامشًا أو طرفًا لمركز، أو مراكز أبعد أكثر تطورًا وقدرة على السيطرة وفرض السلطة والنفوذ، ذلك أن ثورة المعلومات ذاتها هي التي نقلت ووسّعت مراكز السلطة فقط دون إلغائها، لذا ستظل المشكلة قائمة بين المركز وأطرافه، لأن المفاهيم السلطوية والاستعلائية والقائمة على الاستغلال يتم ترسيخها بشكل مختلف به من النعومة نفس القدر من الخشونة والعنف.
اقرأ/ي أيضًا: