شكلت الطائرات المُسيّرة، السلاح الأبرز في الحرب الروسية على أوكرانيا، وبالأخص خلال أيام الغزو الأولى، حيث كانت السلاح الأوكراني، الذي شكل بداية المواجهة مع الجيش الروسي، ومع مرور الأيام، تحولت المُسيّرات إلى سلاح الهجمات المتبادلة الأهم، بعد استخدامه بكثافة من قبل روسيا في ضرب العاصمة الأوكرانية كييف، وهجمات بارزة داخل العمق الروسي، وصلت إلى موسكو.
قال نائب رئيس الوزراء الأوكراني ميخايلو فيدوروف: "زادت قناعتنا بأن حروب المستقبل سيخوضها أكبر عدد ممكن من المُسيَّرات، وأقل عدد ممكن من البشر"
المُسيّرات في الأيام الأولى
ومنذ اليوم الأول لاندلاع الحرب، شاركت المُسيّرات الأوكرانية في مواجهة دبابات الجيش الروسي المتقدمة نحو المدن الأوكرانية، واستهدفت أنظمة المدفعية الروسية، والعربات المدرعة على جبهات القتال، ولم يقتصر استهداف المُسيّرات للآليات العسكرية، بل شمل كذلك طرق وقوافل إمداد القوات الروسية.
ومع مرور الأيام، تحولت المُسيّرات من سلاح أوكراني للصمود، يساهم في ضرب التجمعات العسكرية الروسية، إلى سلاح للهجوم، يضرب مصافي النفط الروسية والسفن الحربية، ويحاول استهداف الكرملين في موسكو.
بالمقابل، استخدم الجيش الروسي الطائرات المُسيّرة الإيرانية الصنع لاستهداف البنية التحتية بالمدن الأوكرانية، حيث تمكنت من ضرب شبكات الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى الاستمرار في استهداف المدن الأوكرانية.
في شمال كييف تم استهداف الدبابات و المدرعات الروسية المتحصنه داخل الغابات هناك بواسطة طائرات البيرقدار#الحرب_الروسية_الاوكرانية pic.twitter.com/hCvYYJ1kpU
— أوكرانيا 24 (@24ukranie) March 27, 2022
ورغم أن أعدادها قليلة، مقارنة بآلاف الصواريخ، وملايين القذائف التي تقصف المدن، فإن المُسيَّرات التي تطير في أسراب صغيرة أصبحت تشكل خطرًا أكبر في مسار الحرب. بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ تكلفة تصنيع المُسيَّرات منخفضة بما لا يقارن بغيرها من الأسلحة، مما يفسر استخدامها المكثف.
وشكلت المُسيَّرات التي يطلقها الروس عامل ضغط ٍ على أوكرانيا، حيث تستنزف المُسيّرات صواريخ الدفاع الجوي بشكلٍ كبير. وفي هذا الإطار، قال نائب رئيس الوزراء الأوكراني ميخايلو فيدوروف: "زادت قناعتنا بأن حروب المستقبل سيخوضها أكبر عدد ممكن من المُسيَّرات، وأقل عدد ممكن من البشر".
ومع الاستخدام المكثف للمُسيّرات في الحرب الروسية على أوكرانيا، تظهر التحولات في الحرب الحديثة تجاه استخدام المُسيّرات بشكلٍ أكبر فيها، وفي هذه المادة نقدم عرضًا للمُسيّرات المستخدمة في الغزو الروسي لأوكرانيا.
بيرقدار TB-2
لم تكن علاقة أوكرانيا بالمُسيَّرات وليدة الحرب، بل تعود إلى ما قبل ذلك، فقد كانت الشركة التركية المصنعة للبيرقدار تبني مصنعًا في أوكرانيا قبل بداية الحرب، كما أن الشركات الأوكرانية تزود تركيا بالمحركات لمجموعة متنوعة من مشاريع صناعة المُسيَّرات المتقدمة، من ضمنها محركات بيرقدار "TB-2"، بالإضافة إلى ذلك فقد باعت أنقرة عددًا من مُسيّراتها إلى كييف على مدار عامين، وهو ما جعل تقديرات عدة تبالغ في مخزون أوكرانيا من المُسيّرات التركية.
وعلى الرغم من سعرها التقديري الذي يبلع حوالي 2.8 مليون دولار، فهي تُعدّ من المُسيّرات الأقل كلفة في العالم، وبالتأكيد من الطائرات الحربية. وساهمت بيرقدار"TB-2" في عرقلة تقدم القوات الروسية، على جبهات القتال، بالإضافة إلى استهداف الدبابات الروسية بشكلٍ كبير.
وفي 14 نيسان/ أبريل من العام الماضي، تمكن الجيش الأوكراني من إغراق السفينة الحربية الروسية الأكثر تسليحًا "موسكفا"، التي كانت تقود أسطول "البحر الأسود" الحربي، ونجح الجيش الأوكراني في ضرب السفينة بصواريخ "نيبتون"، على الرغم من الدفاعات المنيعة للسفينة، فيما تحدثت تقديرات عدة عن المعلومات الدقيقة التي ساهمت في نجاح الضربة، جاءت من خلال استخدام مُسيّرات بيرقدار.
مُسيَّرات "UJ-22 Airborne"
تقوم شركة "أوكرجيت" الأوكرانية، بتصنيع مُسيَّرات "UJ-22"، التي بمقدورها أن تحلق إلى مسافة 800 كلم، وتحمل ما بين 15– 20 كيلوغرامًا من المتفجرات.
وبحسب جهات عسكرية روسية، شاركت هذه المُسيَّرات في الهجوم على موسكو وضواحيها، حيث أن "هذا النوع من المُسيَّرات لا يمكن التأثير عليه بوسائل الحرب الإلكترونية، بحيث يمكن إسقاطها بواسطة منظومات الدفاع الجوي الكلاسيكية". فيما قالت وزارة الدفاع الروسية إن "إجراءات التشويش أجبرت بعض المُسيَّرات على الانحراف عن الأهداف المقصودة، والبعض الآخر سقط خارج حدود العاصمة".
وبداية الشهر الجاري، ضربت مُسيَّرتين مبنى الكرملين، مقر إقامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي وقتٍ لاحق، رجّحت مصادر أمريكية لصحيفة "نيويورك تايمز" أن تكون أوكرانيا "على الأرجح" من يقف وراء الهجوم. وكانت موسكو قد نشرت في وقت سابق، منظومات للدفاع الجوي في موسكو خشية استهدافها بالمُسيّرات.
وفي الفترة الأخيرة، شهد العمق الروسي عددًا من الهجمات باستخدام الطائرات المُسيَّرة خاصةً في شبه جزيرة القرم، والمناطق الحدودية بين البلدين. لكن، الحادث الأبرز، كان تعرَّض أسطول "البحر الأسود" في ميناء مدينة سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم، لهجوم شنته 16 طائرة مُسيَّرة قيل إنها انطلقت من أوكرانيا، دون معرفة مدى الضرر الذي تسبب فيه الهجوم، بيد أن مقطع الفيديو الذي سجلته المُسيَّرات المُهاجِمة، أظهر أن السفن لم تستطع تجنُّب الضربة.
من جهة أخرى، ومع تزايد الحديث عن الهجوم الأوكراني المضاد، قال محللون عسكريون أوكرانيون لوكالة "أسوشيتد برس"، إن الهجوم المحتمل، ربما يشمل استخدام مُسيَّرات من طراز "UJ-22" بمديات تبلغ حوالي 1000 كلم، ويتم إنتاجها في أوكرانيا.
مُسيَّرات شاهد-136
تعود بدايات استخدام روسيت لمُسيَّرات "شاهد-136" الإيرانية إلى مطلع تموز/يوليو من العام الماضي، فقد أظهرت هذه المُسيَّرات قدرة كبيرة على تدمير شبكات الكهرباء، ومحطات المياه في المدن الأوكرانية، بالإضافة للهجمات الانتحارية على مواقع الرادارات والمدفعية والأهداف العسكرية الأوكرانية الأخرى.
وتتسم مُسيّرات "شاهد-136" بحجمها الصغير وحركتها البطيئة نسبيًا، وتكلفتها المنخفضة، حيث يصل سعرها إلى أقل من 20 ألف دولار، ويمكنها الطيران على ارتفاعات منخفضة بحيث لا يتم كشفها من قبل الرادارات، وهي تحمل أوزانًا بسيطة أقل من 200 كيلوغرام، إلا أنها سجلت نجاحات في الوصول للهدف، بالإضافة لقوتها التدميرية الكبيرة.
وأمام هذه النجاحات التي حققتها المُسيَّرات الإيرانية في الحرب، أعلن البيت الأبيض أن معلوماته الاستخبارية تشير إلى أن إيران زودت روسيا بمئات الطائرات المُسيَّرة لمساعدة قواتها في المعارك التي تخوضها أمام القوات الأوكرانية. لكن، الحكومة الإيرانية نفت مرارًا تزويدها للجيش الروسي بطائرات مُسيّرة، قبل أن تشير إلى أنها أرسلت المُسيّرات لموسكو قبل بداية الحرب، فيما قال الكرملين إنه ليست لديه معلومات بشأن الحديث عن شراء روسيا طائرات مُسيّرة من إيران.
وفي 13 أيلول/سبتمبر من العام الماضي أعلنت أوكرانيا أنها تمكنت للمرة الأولى من إسقاط مُسيّرة "شاهد-136" إيرانية الصنع تستخدمها القوات الروسية، وذكرت وزارة الدفاع الأوكرانية أنها أسقطت الطائرة في منطقة خاركيف شمال شرقي البلاد، ونشرت الوزارة صورًا لأجزاء محطمة من المُسيّرة.
وفي شباط/فبراير الماضي، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، عن مصادر أمريكية قولهم إن موسكو وطهران تتقدمان في خططهما لبناء مصنع جديد في روسيا يمكن أن يصنع ما لا يقل عن 6000 طائرة مُسيّرة إيرانية التصميم من أجل استخدامها في الحرب على أوكرانيا. ووفقًا للرواية الأوكرانية، فقد أظهرت المُسيّرات الإيرانية قوة تدميرية كبيرة، خاصة مع تراجع زخم الهجمات الروسية على الأرض.
مستقبل الطائرات المُسيّرة
مع استمرار الحرب في أوكرانيا، تشير التقديرات إلى تنامي دور الطائرات المُسيَّرة، خلال الفترة المقبلة من المواجهة الروسية الأوكرانية، خاصةً مع تمكنها من نقل المعارك إلى مناطق العمل، سواء في موسكو أو كييف. بالإضافة إلى دورها الهام، في جمع المعلومات والاستطلاع والتجسس، وتدمير البطاريات الدفاعية، وصولًا إلى تنفيذ عمليات الاغتيال.
مع استمرار الحرب في أوكرانيا، تشير التقديرات إلى تنامي دور الطائرات المُسيَّرة، خلال الفترة المقبلة من المواجهة الروسية الأوكرانية
ومع الوقت، تتحول المُسيّرات إلى عنصر أساسي في حرب أوكرانيا، وفي التصور العسكري للحروب المقبلة في العالم، بعد استخدامها الواسع من قبل الولايات المتحدة في عمليات الاغتيال سابقًا.