الترا صوت – فريق التحرير
أنا قلبي كان شخشيخة أصبح جرس
جلجلت بيه صحيو الخدم والحرس
أنا المهرج.. قمتو ليه.. خفتو ليه؟
لا فإيدي سيف ولا تحت مني فَرَس!
صلاح جاهين
_______________________________________
طالما كانت النكتة السياسية متداولًا يخاف منه السلاطين، لأنهم لا يستطيعون مصادرتها ولا يستطيعون منعها من الدخول إلى بلدانهم والانتشار على ألسنة رعاياهم، فهي الأكثر انتشارًا والأسرع انتقالًا بين الناس في زمن القهر والظلم. وفي عصر مصر الجديد، يمكن القول إن الثورة بدأت نكتة ضد السلطة والاستبداد، حتى قال مبارك عمن أطلقها "خليهم يتسلوا". ومن قبل مبارك، اهتمت أجهزة المخابرات برصد الأنفاس وعدها على الناس وبقراءة النكات المتبادلة، لمعرفة ما يفكر به المواطنون.
تزداد فعالية النكتة السياسية كلما انخفض سقف حرية التعبير، حتى تصبح النكتة نفسها تهمة قد يتعرض صاحبها للاعتقال أو القتل في مصر
غني عن القول أن النكتة تغيرت، على صعيد بنيتها وطريقتها، بعد عصر وسائل التواصل الاجتماعي، التي يتم تصويرالنكات فيها برسوم من الأفلام أو من ابتكار وتركيب رواد ونشطاء في تويتر وفيسبوك وإنستغرام وغيرها.
النكتة السياسية في مصر ما قبل السوشال ميديا
تزداد فعالية النكتة السياسية كلما انخفض سقف حرية التعبير، حتى تصبح النكتة نفسها تهمة قد يتعرض صاحبها للاعتقال أو القتل. عبد الله النديم كان واحدًا ممن فطنوا لأهمية النكتة في السخرية من المستعمر، حيث أصدر مجلة "التنكيت والتبكيت" عام 1881، وقد تحولت النكتة من مادة ساخرة إلى مقياس لمزاج العلاقة بين الحاكم والمحكوم. وفي هذا المضمار، كانت مصر من الدول التي جندت أجهزة مخابراتها لمراقبة النكتة وضبطها، خاصة إبان عهد جمال عبد الناصر، وتحديدًا بعد هزيمة عام 1967، حيث حملت النكات في تفاصيلها نقدًا لاذعًا لناصر ونظام حكمه.
وقد رأى الدارسون أنه يمكن معرفة تاريخ بلد وتحليله من خلال النكات، وقد حدث ذلك في روسيا مع ستالين، فكان من أهم تلك الدراسات، دراسة تحت عنوان "المنجل و المطرقة/ تاريخ الشيوعية كما ترويه النكت". أما في عالمنا العربي فكان المصريون من أوائل من جعلوا النكتة السياسية صداعًا في رأس أنظمتهم، فيذكرعادل حمودة في كتابه "النكتة السياسية في مصر: كيف سخر المصريون من حكامهم؟"، أبرز النكات التي تداولها المصريون منذ عهد عبد الناصر وحتى عهد مبارك الطويل.
كان من بين هذه النكات أن عبد الناصر ذات مرة سأل عن فلان، ثم نسي الأمر، إلا أنه بعد عدة أشهر سأل عن فلان مرة أخرى، فقالوا له: "تمام يا فندم قبضنا عليه واعترف وأعدمناه". وهناك نكتة شهيرة أيضًا ظهرت في عصر عبد الناصر إبان أزمة شح الأرز، تروي أن رجلًا سافر من القاهرة إلى الإسكندرية لأنه عرف أن الأرز متوفر هناك. وأثناء رحلته بالقطار سأله الكمسري أين تسافر و لماذا؟ فأجابه: أسافر من أجل الأرز إلى الإسكندرية، وحين وصل القطار إلى مدينة طنطا التي تبعد حوالي مئة كيلو عن الإسكندرية، طلب الكمسري من الرجل النزول لأن الطابور على الأرز يبدأ من هناك!
يروي عادل حمودة في كتابه أيضًا عن عهد السادات، حين أغرق الأخير الشعب بالوعود بالرخاء بعد اتفاقية كامب ديفيد، وتقول النكتة إنه كان هناك زحام كبير عند أحد المجمعات الاستهلاكية الخاصة بالأغذية، و كان السادات يتمشى مع شريكه في اتفاقية التسوية مع إسرائيل، مناحيم بيغن، فسأله الأخير ما هذا الزحام؟ فرد عليه السادات بأن هذا عزاء وأن الناس يعزون أهل الفقيد. فاقترب بيغن من أحدهم و سأله: عزيت؟ (عـ"الزيت") فرد الرجل: لا عـ"السكر"!
ظهرت إحدى النكات الأخرى أيضًا إبان اعتقال السادات لألف شخص من مختلف التيارات السياسية، حيث تحكي أن السادات سمع شخصًا يقول "يعيش السادات موحد الأديان"، فتأثر للهتاف وسأل أحدهم لماذا؟ فأجاب الرجل: لأنه كفّر الجميع.
النكتة خصم الرئيس: السيسي عدو الضحك ومصدره
بعد الثورة ارتفع سقف الحريات قليلًا وانكسر حاجز الخوف لدى المصريين الذين أدركوا أنهم ولو لبعض الوقت، يستطيعون قول ما يشاؤون دون أن يحسبوا حسابًا لحواجز الترهيب القديمة، فكان أبرز أشكال السخرية السياسية في مصر برنامج "البرنامج" لباسم يوسف، الذي استخدم فيه لهجة ساخرة من الأوضاع السياسية في البلاد، ولم يمر أحد من تحت يديه في زمن الرئيس محمد مرسي وما بعده، حتى السيسي نفسه. وعلى أية حال، لم تستمر إذاعة البرنامج طويلًا، ولقى مصيرًا كان متوقعًا ما بعد الانقلاب وهو الحظر والإيقاف. كان البرنامج ذا شعبية واسعة خاصة بين الشباب في مصر، وازدهر كثيرًا إبان وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم. بعد توقف البرنامج مع عشرات الحالات الشبيهة، بسبب القمع الممنهج من السلطات، خفت الصوت الكوميدي في مصر كثيرًا، و بدا الوضع تحت ضبط النظام منذ وصول السيسي إلى الحكم، الذي سن قوانين مراقبة للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، في نوع من الرقابة الصارمة على المتداول العام.
أبرز المحطات في المعركة ضد النكتة السياسية
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منذ عامين تقريبًا، سخرية لاذعة من انتفاض أجهزة الدولة إزاء لعبة عبارة عن كرات قيل إن اسمها "يسيء للرئيس"، حيث قبضت أجهزة الدولة على 41 من تجار اللعبة، الذين يتاجرون فيها منذ أكثر من عشر سنوات بتهم رآها ناشطون مضحكة.
لا يبدو أن المصريين سيتوقفون عن إطلاق النكات فهي كل ما بقي لهم، بعد قمع وكبت أصواتهم واعتقالهم، وحجب المواقع و منع الحفلات، والرقابة على الإنترنت
أما المحطة الثانية، فكانت مع فرقة "أطفال الشوارع"، وهي مجموعة من الشباب كانوا يتجمعون في الشارع ويصورون مقاطع فيديو مصورة بطريقة "السيلفي"، يغنون أغاني فيها نقد لاذع موجه مباشرةً للنظام، الأمر الذي جعلهم مستهدفين. وبالفعل تم اعتقالهم ثم إخلاء سبيلهم منذ عامين، دون أن تكون لهم عودة يُسمع فيها صوتهم من جديد.
أما المحطة الثالثة، فهي حديث السيسي عن المصابين بالسمنة، ولأن المصريين اعتادوا أن السيسي كلما خص موضوعًا بالحديث فهو يعني مقدمًا سن قانون يخصه، فقد تحدث السيسي عن المصابين بالسمنة في أحد لقائاته مقاطعًا وزيرة الصحة، وقال نصًا: "كل واحد يشوف بطنه قد إيه"، وهي جملة أزعجت المصريين وفجرت السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن أحدهم ذهب لتصوير مقطع فيديو تمثيليًا، ليتخيل ما الذي يمكن فعله في أحد الكمائن على الطريق، إذا تم سن قانون لزائدي الوزن، تحت عنوان "مسجل دهون". أما ناشط آخر، فقد اعتبر أن زائدي الوزن أو"التخان" باللهجة المصرية، يمكن أن يكونوا على موعد مع الخدمة العسكرية الإجبارية.
الأمر الذي جعل السيسي نفسه يخرج للمصريين في وسائل الإعلام ليقول لهم أن يتمهلوا في السخرية، كما قال إنه لم يقصد معايرة الناس بالسمنة.
على أية حال، لا يبدو أن المصريين سيتوقفون عن إطلاق النكات فهي كل ما بقي لهم، بعد قمع وكبت أصواتهم واعتقالهم، وحجب المواقع و منع الحفلات، والرقابة على الإنترنت. النكتة هي كل ما يمكن أن يفعلوه إزاء كل هذه الأنماط من القمع، خاصة إذا كانت تسخر من وضع قائم لا يرون فيه خروجًا قريبًا.
اقرأ/ي أيضًا: