قبل أقل من عام تقريبًا حذر النائب الديمقراطي آدم شيف مجلس الشيوخ من أن عدم التصويت بالموافقة على عزل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب بسبب إساءة استخدام السلطة سيدفعه للاستمرار بذلك، وبالفعل صوت الجمهوريون الذين كانوا يشكلون غالبية المجلس حينها على براءة ترامب من التهم المنسوبة إليه، لكن هذه البراءة فُهمت من قبل الملياردير الجمهوري بأنها بطاقة لتنفيذ "تمرد"، كما وصفه الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الابن، على نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية.
عاش مبنى الكابيتول هيل في العاصمة واشنطن حالة من الفوضى لمدة 14 ساعة، بعدما اقتحم مناصرو ترامب المبنى
ديمقراطيون: ماحدث "محاولة انقلاب فاشلة"
عاش مبنى الكابيتول هيل في العاصمة واشنطن حالة من الفوضى لمدة 14 ساعة، بعدما اقتحم مناصرو ترامب المبنى لإيقاف عملية فرز أصوات المجاميع الانتخابية للرئاسة الأمريكية، والتي أفضت لفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، مشهد تخلله رفع لأعلام اليمين المتطرف إلى جانب أعلام الولايات الكونفيدرالية الأمريكية التي ترتبط بتاريخ العبودية، مما دفع بحاكم ولاية نيويورك الديمقراطي أندرو كومو لوصف الأخبار القادمة من العاصمة بأنها "محاولة فاشلة للانقلاب"، قبل أن يضيف متهمًا ترامب بأنه "داس على الدستور وسيادة القانون في كل منعطف".
الأخبار الواردة عبر مراسلي مختلف وسائل الإعلام على المستوى العالمي بدأت بالتتابع اعتبارًا من مساء يوم الأربعاء، مشيرةً إلى اقتحام مناصري ترامب مبنى الكابيتول لتعطيل عملية فرز الأصوات، اقتحام كان تنفيذًا لدعوة من ترامب بدأت فعليًا منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي عندما طالبهم بتنظيم "احتجاج كبير" أمام مبنى الكابيتول، ومن ثم كرر دعوته مجددًا الأربعاء أمام حشد من أنصاره بحثهم على "السير إلى مبنى الكابيتول" من أجل "القتال".
اقرأ/ي أيضًا: "غزوة" الكونغرس الأمريكي في صور وتغريدات
وبعد ساعات من عملية الاقتحام العنيفة التي أسفرت عن مقتل أربعة محتجين، منهم امرأة برصاص شرطة الكابيتول، أكد المسؤول في مبنى الكابيتول بول إير فينغ تأمين المبنى بشكل كامل، مما يمهد لاستئناف جلسة فرز الأصوات التي أعلنت عنها لاحقًا زعيمة الكابيتول هيل نانسي بيلوسي، والتي انتهت بإعلان نائب الرئيس مايك بنس فوز بايدن بـ306 من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 232 لصالح ترامب، الأمر الذي دفع ترامب فيما يبدو للإعلان عن قبوله للنتائج عبر الحساب الرسمي لمساعده دان سكافينو على منصة تويتر للتواصل الاجتماعي.
عمالقة التواصل الاجتماعي في مواجهة ترامب
كما كان متوقعًا اعتمد ترامب بشكل أساسي على منصات التواصل الاجتماعي في دعوته أنصاره بالتوجه سيرًا إلى "الكابيتول هيل" أو حتى في عديد التغريدات التي أطلقها بعدما دعاهم للعودة إلى منازلهم، بدون أن يتجاهل التأكيد على أن الديمقراطيين "سرقوا الانتخابات"، لكن هذا الاعتماد سرعان ما تبدد بعدما قامت منصة تويتر للتواصل الاجتماعي بحذف ثلاثة تغريدات إلى جانب حظر الوصول إلى ما يفوق خمسة تغريدات، قبل أن تقرر تعليق حسابه لمدة 12 ساعة "بسبب الانتهاكات المتكررة والخطيرة لسياسة النزاهة المدنية".
وانضمت منصة فيسبوك للتواصل الاجتماعي إلى قرينتها تويتر بإعلانها تعليق حساب ترامب لمدة 24 ساعة بسبب ما وصفته بـ"انتهاك لقواعد" المنصة، بينما قالت منصة يوتيوب التابعة لشركة غوغل إنها حذفت مقطعًا مصورًا لترامب "ينتهك سياستها المناهضة للمحتوى" بزعم وجود "تلاعب واسع النطاق أو أخطاء قد غيرت نتيجة الانتخابات الأمريكية لعام 2020".
تعليق منصات التواصل الاجتماعي وصول ترامب إلى حساباته دفعه باللجوء إلى حساب مساعده سكافينو لنشر سلسلة من التغريدات قال فيها: "على الرغم من أنني أختلف تمامًا مع نتيجة الانتخابات، والحقائق تؤكد ذلك، إلا أنه سيكون هناك انتقال منظم للسلطة في 20 (كانون الثاني) يناير الجاري"، مضيفًا بأنه "لطالما قلت إننا سنواصل معركتنا من أجل ضمان احتساب الأصوات القانونية فقط"، قبل أن يصف مصادقة الكونغرس على نتائج الانتخابات بأنها "نهاية أعظم ولاية في تاريخ الرئاسة".
إقالات للمسؤولين عن أمن الكابيتول
أثار مشهد اقتحام المحتجين لمبنى الكابيتول عاصفة من الانتقادات التي وجهها مسؤولون أمريكيون للمسؤولين عن أمن المبنى، بالأخص أن المقاطع التي جرى تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي أظهرت أحد الضباط يلتقط صورة سيلفي مع أحد الأشخاص الذين اقتحموا المبنى، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، مضيفة بأن أحد المقاطع المصورة أظهر كذلك سماح ضباط الشرطة لمناصري ترامب بالاقتراب من المبنى بعدما أزالوا السياج الأمني الذي يفصلهم عنه.
الانتقادات التي وجهت لحرس المبنى كانت في إطار عدم اعتقالهم مثيري الشغب منذ بداية الاقتحام، وهو ما برره أحد مسؤولي إنفاذ القانون المطلعين على الحادث بأنه لم يكن يوجد العدد الكافي من الحرس للقيام بذلك، لكن واشنطن بوست تقول إن هذا التعليق يتناقض مع الطريقة التي تعامل فيها حرس المبنى مع حادثة عام 2013، بعدما أطلق الرصاص على الأمريكية من أصول أفريقية ميريام كاري لزعمها اصطدام المرأة بالحاجز الأمني للكابيتول.
في حين قارنت النائبة الديمقراطية بوني واتسون كولمانما بين الطريقة التي تعامل بها حرس المبنى مع محتجي حركة "حياة السود مهمة" التي نظمت أمام مبنى الكابيتول في الصيف الماضي، وبين الطريقة التي تعاملوا بها مع مناصري ترامب أثناء اقتحامهم للمبنى، مشيرةً إلى أنه خلال احتجاجات الصيف التي خرجت ردًا على عنصرية قوات الشرطة اتجاه الأمريكيين من أصول أفريقية، لم يكن بإمكان المحتجين التحرك بسبب أعداد الشرطة، قبل أن تضيف متسائلة "أين كان (الحرس) اليوم؟".
ومن المرجح أن تشهد الأيام القادمة إصدار قرارت إقالة متتالية للمسؤولين عن حرس المبنى، وفقًا لما أكده النائب الديمقراطي تيم ريان في حديثه للصحفيين، حيث "من الواضح أنه سيكون هناك عدد من الأشخاص بلا عمل" في القريب العاجل، بينما قال مسؤولين في وكالات إنفاذ القانون إن شرطة الكابيتول والوكالات الفيدرالية الأخرى قللت من التهديدات المحتملة لمناصري ترامب على الرغم من حالة القلق التي كانت تنتاب شرطة العاصمة.
مايك بنس الرجل الذي خالف مزاعم ترامب
خلال الأيام الماضية كثف ترامب من جهوده لعرقلة مصادقة الكابيتول على نتائج الانتخابات الأخيرة، بإصراره على "سرقة الانتخابات" من الديمقراطيين حتى بعد أحداث يوم الأربعاء، وكان استبقها بمحاولة الضغط على سكرتير ولاية جورجيا الجمهوري براد رافينسبرغر لإيجاد أصوات تجعله يفوز بالمجاميع الانتخابية للولاية، ووفقًا لمقطع صوتي حصلت عليه واشنطن بوست يتضمن مكالمة هاتفية بين الاثنين، أظهرت تهديد ترامب للمسؤول الجمهوري بعواقب "جنائية غامضة".
المكالمة التي نشرتها الصحيفة الأمريكية كانت جزءًا من الضغوط التي مارسها ترامب لتحويل نتائج الانتخابات لصالحه، إلا أن الضغط الأكبر كان يتحمله نائبه بنس الذي حمله ترامب مسؤولية هزيمته في الانتخابات في تغريدته بالقول "لم يكن لدى مايك بنس الشجاعة لفعل ما كان يجب القيام به لحماية بلدنا ودستورنا، إعطاء الولايات الفرصة للتصديق على مجموعة من الحقائق المصححة، وليس المزورة أو غير الدقيقة التي طلب منهم التصديق عليها مسبقًا"، قبل أن يقوم تويتر بحذفها من المنصة.
يُعرف عن بنس وفقًا للصحافة الأمريكية بأنه من أكثر الداعمين لمواقف ترامب، ما برز بشكل واضح خلال التحقيق الذي قاده الديمقراطيون في الكابيتول تمهيدًا لعزل ترامب من منصبه، وتعد عدم موافقته مزاعم ترامب بـ"سرقة الانتخابات" واحدة من النوادر التي يخالف بها قرارات الرئيس، كما يُنظر إليه على أنه من أكثر المسؤولين الجمهوريين المحافظين،إلا أنه على الرغم من ذلك يؤمن بضرورة عدم تجاوز وثيقة الدستور الأمريكي التي وقع عليها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة.
ولعل ذلك يؤكد ما تداولته وسائل الإعلام الأربعاء عن مغادرته مبنى الكابيتول بعد اقتحامه من قبل مناصري ترامب، قبل أن تعود نافية ذلك بالإشارة إلى أنها معلومات مضللة للحفاظ على سلامته الشخصية، وأنه كان على اتصال مع المسؤولين من داخل المبنى، والتي استبقها في بيان صادر عنه يقول مضمونه إن"حكمي المدروس هو أن قسمي بدعم الدستور والدفاع عنه يمنعني من المطالبة بسلطة أحادية– لتحديد أي الأصوات الانتخابية يجب احتسابها وأيها لا ينبغي احتسابها".
وبحسب ما نقلت شبكة سي إن إن الأمريكية على لسان مسؤولين في الإدارة الأمريكية الحالية، بمن فيهم وزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر، فإن بنس لعب دورًا أساسيًا من خلال التنسيق مع وزارة الدفاع لتسهيل قرار حشد أعضاء الحرس الوطني لاحتواء العنف من قبل مناصري ترامب، في الوقت الذي كان الرئيس مترددًا من إصدار مثل هذا القرار، وقال ميلر إنهم قاموا "بتنشيط الحرس الوطني في العاصمة بشكل كامل لمساعدة تطبيق القانون الفيدرالي والمحلي"، بعد مكالمتين منفصلتين أجراهما مع بنس وبيلوسي.
هل تلجأ الحكومة الأمريكية للتعديل 25؟
يمكن القول إن الفترة التي قضاها رجل الأعمال الذي تحول من عالم الاقتصاد والمال إلى السياسة ستكون الأسوأ في تاريخ الحزب الجمهوري، ويأتي ملخصها فيما يمكن وصفه بـ"الأربعاء الأسود" للمسؤولين الجمهوريين، ليس فقط من ناحية محاولة تجاوز ترامب نتائج الانتخابات الأمريكية بالانقلاب عليها، إنما كذلك من جانب خسارتهم للأغلبية في مجلس الشيوخ بعد فوز المرشحين الديمقراطيين جون أوسوف ورافاييل وارنوك بالانتخابات الفرعية لعضوية المجلس عن ولاية جورجيا، ما يمنحهما سيطرة على مجلسي الشيوخ والكابيتول هيل معًا، إضافة لمنصب الرئاسة.
وتلوح أمام الجمهوريين فرصة لاستعادة قاعدتهم الشعبية – المتأرجحة – التي يمكن أن تتحول للديمقراطيين بعد أحداث العنف الأخيرة، إذا ما لجأوا للتعديل 25 من الدستور الأمريكي، بحسب ما نقلت شبكة سي إن إن على لسان مسؤولين ووزراء جمهوريين في الحكومة الأمريكية الحالية، وهو البند الذي يسمح لنائب الرئيس والنسبة الأكبر من أعضاء الحكومة بتفعيله إذا ما وجدوا أن الرئيس "غير قادر على تحمل أعباء منصبه"، مشيرةً إلى أن المسؤولين ناقشوا الفكرة بعدما وجدوا أن ترامب أصبح "خارجًا عن السيطرة".
وأضافت الشبكة بأن نقاش اللجوء للتعديل 25 لا يزال جاريًا، إلا أنه من غير الواضح أن يكون هناك العدد الكافي من الوزراء لإقالة ترامب، فيما كان واضحًا عدم حصول ترامب على تأييد أبرز الجمهوريين في مجلس الشيوخ، الذين طالما كانوا يدافعون عن تصريحاته في وسائل الإعلام الأمريكية، بمن فيهم السيناتور ميت رومني الذي وصف ترامب بـ"الأناني"، فيما طالب السيناتور توم كوتون – أحد أبرز داعمي ترامب – بأن "يتوقف (ترامب) عن تضليل الشعب الأمريكي".
في حين قالت واشنطن بوست في مقالها الافتتاحي إن ترامب "لم يعد صالحا للبقاء في مكتب الرئيس" لما تبقى له من فترة ولايته في البيت الأبيض، مشددةً على "كل ثانية يحتفظ فيها بسلطات الرئيس الواسعة سيظل خطرًا على الرأي العام والأمن القومي"، مطالبة أن يقوم نائبه بنس بصورة سريعة بـ"إعلان أن الرئيس ترامب لم يعد قادرًا على أداء واجبات مكتبه والسلطات الممنوحة له"، كما نقلت على لسان الرئيس الديمقراطي بايدن وصفه ما حدث بأنه "ليس احتجاجًا بل تمردًا".
قارنت بوني واتسون كولمانما بين الطريقة التي تعامل بها حرس المبنى مع محتجي حركة حياة السود مهمة وبين الطريقة التي تعاملوا بها مع مناصري ترامب
وهاجمت الصحيفة في افتتاحيتها الجمهوريين الذين أيدوا مزاعم ترامب المرتبطة بـ"سرقة الانتخابات"، وهو ما أدى لتأجيج حالة من الغضب لدى الجمهوريين الذين خدعوا بأحاديث ترامب بالقضية ذات الصلة، ومن بينهم زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي رد على مزاعم ترامب بالقول "لا شيء أمامنا يؤكد عدم قانونية الاقتراع في أي مكان وعلى قاعدة واسعة، وبشكل يحرف ميزان الانتخابات، ولو قلبت نتائج الانتخابات بناء على هذه المزاعم فستدخل ديمقراطيتنا دوامة الموت".
اقرأ/ي أيضًا:
أيام أخيرة معدودة لترامب في البيت الأبيض.. وعلى السوشال ميديا
تويتر وفيسبوك سينقلان الحسابات الرئاسية إلى إدارة بايدن في يوم التنصيب