مع الحرب الروسية على أوكرانيا، عاد الحديث عن "النازية الجديدة" (Neo-Nazism) والنازيين الجدد الذين يزعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محاربتهم في أوكرانيا، فيما تعتبر موسكو وجودهم مبررًا للحرب. وعلى هذا النحو، تظهر روسيا في مظهر من يحمي العالم من النازية الجديدة، فتسترجع تراثًا روسيًا/ سوفيتيًا من الحرب العالمية الثانية، التي خاضها الاتحاد السوفيتي في حينه بقيادة ستالين الذي يمتدحه بوتين عادةً على عكس سابقه لينين.
في حين تستمر النازية الجديدة باستلهام أفكار العداء لليهود من عهد هتلر، فإنها قامت بتطوير أفكار الكراهية لتشمل الإسلام والسود والمثليين
كانت تلك اللحظات فرصةً لتنفيذ برنامج اجتثاث النازية (Denazification) وهي حملة استمرت بشكلٍ منظم في السنوات الخمس الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، التي تمثل الجزء القانوني منها في محاكمات نورنبيرغ التي نفذت على مرحلتين، وشمل البرنامج تصفية النازية في مؤسسات الدولة الألمانية والإعلام والاقتصاد والمجال السياسي.
أما إعادة تسليط الضوء على النازية الجديدة، مؤخرًا، فجاء مع هجوم على مبنى الكونغرس الأمريكي في نيسان/ أبريل 2021، والانخراط في المسيرات الرافضة للإغلاقات والحجر الصحي إثر تفشي كوفيد-19، فيما يمكن ملاحظة الإشارة لهذه الظاهرة في العديد من الأفلام والمسلسلات الأمريكية، خاصةً تلك التي تعرض حياة السجون، وتظهر فيها عادةً مجموعة نازية، حليقة الرؤوس وموشومة الأجساد.
للاطلاع أكثر على النازية الجديدة في سياق الحرب بين روسيا وأوكرانيا، اقرأ/ي: كتيبة آزوف.. ميليشيا نازيّة متطرّفة داخل الحرس الوطني الأوكراني
والنازية الجديدة تقوم على اعتناق مبادئ وأفكار الحزب النازي الألماني وهتلر بالأساس، لكنها الآن كظاهرة تقوم على فكرة التفوق الأبيض، مما يتجاوز فكرة العرق الآري والنقاء الألماني. وفي حين تستمر في استلهام أفكار العداء لليهود والسامية، التي كانت أساسيةً في عهد هتلر، فإنها قامت بتطوير أفكار الكراهية والعداء لتشمل المثليين والسود والإسلام وإنكار الهولوكوست. أما المختلف أن هذه الظاهرة لم تعد مرتبطة في دولة مركزية، إذ تتنامى مع صعود اليمين في العديد من دول العالم، وتنتشر بشكلٍ منظم في حوالي 33 دولةً. فيما تحمل هذه الجماعات شعارات قريبة من تلك الشعارات النازية الألمانية، فبدلًا من شعار "الدم والتراب" الذي ساد في عهد هتلر، يستخدم الآن "الدم والشرف"، كما يضاف إلى الصليب المعقوف شعار الشمس السوداء والصليب السلتي.
المجموعات النازية الجديدة تسعى إلى تحقيق التفوق الأبيض ونقاء دولهم من أي عرق آخر. وتساهم هذه الأفكار في تحفيز ظاهرة "الذئاب المنفردة"، مثل هجوم كرايستشيرش الذي نفذ في مارس/ آذار 2019 ضد مسجد في نيوزيلندا وأودى في حياة 51 شخصًا، فيما كان المنفذ ناشطًا في منتديات النازيين الجدد على الإنترنت، الذين احتفوا بالمنفذ. فيما تتضاعف الهجمات العنيفة ضد المهاجرين في ألمانيا، من بينها قتل السياسي الألماني والتر لوبك بسبب سياسته المؤيدة لاستقبال المهاجرين، وهجمات على كُنس يهودية، ومقاهي أرجيلة باعتبار أن مرتاديها من المهاجرين.
للاطلاع على مواد سابقة من سلسلة باختصار في ألترا صوت:
باختصار شديد.. ماذا تعني "ما بعد الحداثة"؟
باختصار.. ما معنى الصواب السياسي؟
باختصار.. ما هو الاستعمار الاستيطاني؟
باختصار.. ما هي "دراسات ما بعد الاستعمار"؟
وفي أستراليا على سبيل المثال، ينصح قادة الأحزاب النازية الأعضاء بشراء الأسلحة وجمع الأموال من أجل شراء منازل في أماكن ريفية، من أجل إقامة دولة خاصة بهم ونمط حياة بديل استعدادًا للحرب العرقية، التي يعتقدون أنها قريبة، وهذه المنازل تعتبر ملاذات مفتوحة للنازيين من كل العالم، على اعتبار أنهم يرون الصراع يقوم "من أجل عالم أبيض". ويتم تجنيد أفراد جدد للأحزاب النازية باستمرار في كافة أنحاء أستراليا عبر الانترنت، والمقابلات تشمل أسئلة حول رأي المتقدم في اليهود والمثلية ورأيه في أستراليا حاليًا، أمّا التدريبات التي يتلقاها المنتسبون الجدد، ففيها يتم حثهم على قتل أي شخص غير أبيض.
لا يوجد اختلاف جذري بين النازيين الجدد الذين ظهروا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبين النازية، لكنهم وسعوا خطابهم وجعلوه ملائمًا لأماكن انتشارهم. لكن يظهر الاختلاف في الموقف من إسرائيل، فمثلًا حزب ديمقراطيو السويد القومي اليميني الذي يمتلك جذورًا نازية وفاشية، دفع صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية للدفاع عنه عقب تصريحات السفير الإسرائيلي في السويد ضده، باعتباره من أشد المؤيدين لإسرائيل، رغم إدراك الصحيفة جذوره النازية، كما تشكلت علاقة ودية بين العديد من أحزاب اليمين والنازية الجديدة وإسرائيل في دول مثل ألمانيا وهولندا وأسبانيا وإيطاليا وبولندا والمجر والنمسا.
الموجة الجديدة من النازية الجديدة، وصلت إلى أماكن لم تكن موجودة فيها سابقًا. في سياق الحرب في أوكرانيا، فقد ظهر في روسيا، عام 1990 أول الأحزاب النازية فيها بقيادة ألكسندر باركوشوف، في مفارقة تاريخية، نظرًا للهجوم النازي على الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الذي خلف 25 مليون قتيل، ومساهمة السوفييت في القضاء على الرايخ الثالث. واستمرت هذه الظاهرة في التزايد حتى عام 2009 الذي شددت فيه الدولة الروسية إجراءاتها ضد المجموعات النازية فيها. المفارقة الأخرى كانت، أن الألمان النازيين كانوا يعتقدون أن السلافيين هم من أدنى العروق، وكانت الهزيمة على يدهم صدمة كبيرة للجنود الألمان.
لا يوجد اختلاف جذري بين النازيين الجدد الذين ظهروا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبين النازية، لكنهم وسعوا خطابهم وجعلوه ملائمًا لأماكن انتشارهم
أما أوكرانيا فقد ظهرت فيها الأحزاب النازية في وقتٍ قريب من روسيا، لكنها تمددت بشكلٍ أكبر، ففي عام 2016 حصل حزب سفوبودا على 10% من الأصوات في انتخابات بلدية كييف والمركز الثاني من الأصوات في بلدية لفيف. ويُصنف الحزب المتطرف القومي باعتباره معاديًا للسامية ومن أحزاب النازية الجديدة. بالإضافة إلى صعود كتيبة آزوف التابعة للحرس الوطني الأوكراني، وهي كتيبة تحمل أفكارًا نازية بشكلٍ واضح. لكن يشار أيضًا إلى أن حاكم جمهورية دونتيسك بافيل جوباريف، التي اعترفت روسيا في استقلالها واعتبرت الدفاع عنها مبررًا للحرب ضد أوكرانيا، وسعيًا لاجتثاث النازية، كان نفسه عضوًا في حزب الوحدة الوطنية الروسية، الذي أسسه باركوشوف، والذي شكره جوباريف عدة مرات على الإمداد بالسلاح ومنحهم التدريب.