بدأت أوروبا مبكرًا عملية التجهز لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث أطلقت خطة واسعة للإصلاحات الاقتصادية في القمة الأوروبية التي استضافتها العاصمة المجرية بودابست هذا الأسبوع.
وتهدف حزمة الإصلاحات الجديدة إلى تطوير وتفعيل القدرة التنافسية لاقتصاد الاتحاد الأوروبي، لا في مواجهة الصين فحسب بل وفي مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، التي توعد رئيسها المنتخب الجديد دونالد ترامب بفرض رسوم على واردات جميع الدول بما فيها دول أوروبا الحليفة لواشنطن.
الاستراتيجية الأوروبية الجديدة
جرى تكليف رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، من طرف قادة الاتحاد الأوروبي في بودابست، بوضع "استراتيجية جديدة وجدول زمني لتعزيز اقتصاد التكتل". وبحسب البيان الختامي للقمة، فإن رئيسة المفوضية "بحاجةٍ إلى معرفة كيفية تحسين الأسواق المالية وقطاع الطاقة والاتصالات في التكتل لدفع عجلة الاستثمار والنمو".
وبعد اختتام فعاليات القمة، قالت فون دير لاين في مؤتمر صحفي إن "الحاجة الملحة لتحقيق إعادة تفعيل القدرة التنافسية الاقتصادية للتكتل مقارنة بالولايات المتحدة والصين قد زادت"، في إشارة إلى فوز ترامب في الانتخابات الأميركية وتهديداته بفرض رسوم جمركية عالية على واردات جميع الدول.
دقت أوروبا ناقوس الخطر الاقتصادي بعد عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، وتوعّده بفرض رسوم جمركية كبيرة على واردات جميع الدول
وذلك ما أشار إليه رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراغي، الذي دُعي إلى القمة، بقوله "بعد كل هذه السنوات، تم تأجيل العديد من القرارات المهمة انتظارًا للإجماع"، مضيفًا أن "ضرورة اعتماد إصلاحات اقتصادية في الاتحاد الأوروبي صارت أكثر إلحاحًا مع انتخاب دونالد ترامب الذي وعد بفرض ضرائب على واردات المنتجات الأوروبية لخفض العجز التجاري مع الاتحاد الأوروبي".
ووفقًا لقناة "دويتشه فيله"، فإن دراغي، الذي كان رئيسًا سابقًا للبنك المركزي الأوروبي، نشر في أيلول/سبتمبر الماضي "تقريرًا لإنعاش النمو المتعثر في أوروبا مقارنًة بالولايات المتحدة. وحضر إلى بودابست لعرض تقريره على قادة ورؤساء حكومات الدول الأوروبية".
ويرى دراغي في التقرير المؤلف من 400 صفحة، والذي طلبته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين السنة الماضية، أنه "يتعين على أوروبا العودة إلى تحقيق النمو عبر ضخ استثمارات ضخمة في الابتكار الرقمي والتحول الأخضر والصناعات الدفاعية".
وقال المستشار الألماني أولاف شولتس، تعليقًا على التقرير، إن "ماريو دراغي وجه دعوةً واضحة لنهضة أوروبية". مضيفًا، حسب "دويتشه فيله"، أن "أوروبا بحاجةٍ إلى تحديثٍ جوهري لكي تبقى قادرةً على المنافسة".
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين قد وعدت في ختام القمة الأوروبية باقتراح "اتفاقٍ صناعي يراعي البيئة لدعم إزالة الكربون من الصناعة".
وترى قناة "دويتشه فيله" الألمانية أن "كفاح الاتحاد الأوروبي الطويل من أجل تحقيق النمو الاقتصادي قد تفاقم بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، وتداعيات الارتفاع المفاجئ في أسعار الطاقة المرتبط بالغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022".
الحرب التجارية القادمة لأوروبا مع الولايات المتحدة
قدّم تقرير الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي صورةً قاتمة عن أوروبا، نظرًا للتأخر الكبير عن أميركا من جهة، والاعتماد المتزايد على الصين للحصول على بعض المواد الخام والتقنيات الاستراتيجية من جهة ثانية.
وتشير المعطيات الإحصائية إلى ارتفاع "نصيب الفرد من الدخل في الولايات المتحدة نحو مرتين مقارنةً بنصيب الفرد من الدخل في أوروبا منذ العام 2000".
ولردم هذه الفجوة وإعادة التوازن إلى العلاقات الاقتصادية الأوروبية مع واشنطن وبكين، يرى تقرير دراغي أن أوروبا "تحتاج إلى استثمارات ضرورية بما يتراوح ما بين 750 و800 مليار يورو سنويًا، أي أكثر ممّا احتاجته خطة مارشال الأميركية التي دعمت إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية". وتُعلق "دويتشه فيله" على ذلك بأنه "يمثل تحديًا كبيرًا لدول الاتحاد الأوروبي التي تسعى إلى خفض ديونها وعجز موازنتها".
وتؤكد القناة الألمانية أن فوز ترامب "زاد التحدي وجعل إصلاح الاقتصاد الأوروبي أكثر إلحاحًا، بالنظر إلى أن ترامب دعا إلى رفع الرسوم الجمركية الأميركية على جميع الواردات بنسبة تصل إلى 10% و20%".
ثمة مخاوف لدى بعض القادة الأوروبيين من أن تنزلق الأمور مع ترامب نحو حرب تجارية
هذه الإرادة الأميركية المدفوعة، بزعم ترامب، بأن الاتحاد الأوروبي والصين والشركاء التجاريين الآخرين يعاملون الولايات المتحدة بشكل غير عادل تجب معالجته لصالح أميركا، مقابل شعور زعماء أوروبا أن ترامب يتنكّر للحلفاء؛ زاد المخاوف، من داخل البيت الأوروبي، من اندلاع حرب تجارية بين أوروبا وأميركا.
وقال المستشار النمساوي كارل نيهامر إن "أهم شيء، والأولوية القصوى بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو تجنب اندلاع حرب تجارية مع الولايات المتحدة؛ لأن مثل ذلك لن يفيد أحدًا، بل سيضر بجميع الاقتصادات".
كما شدّد رئيس الوزراء البلجيكي دي كرو، على أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يواجهان "منافسًا مشتركًا، ألا وهو الصين، وإذا أرادت واشنطن التصدي للممارسات التجارية لبكين، فعلينا العمل سويًا".
وعلى الرغم من إبداء المستشار الألماني حرص بلاده على التعاون مع إدارة ترامب، إلّا أنه قال "علينا أن نفعل ما هو ضروري معًا كاتحاد أوروبي، كأوروبيين، من أجل أمننا. سينجح ذلك بشكل خاص عندما يقدم الجميع مساهمتهم"، مشيرًا إلى أن ألمانيا "تنفق هذا العام - ولأول مرة منذ عقود - أكثر من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع"، مؤكدًا أن "هناك آخرون يريدون ويعتزمون السير على النهج نفسه".
ولعلّه بسبب التباينات بين القادة الأوروبيين على تقييم ما تمثله عودة ترامب، لم يلتقط المجتمعون في بودابست صورة تذكارية مشتركة بعد انتهاء فعاليات قمتهم، كما غادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان متحمسًا للمواجهة، دون أن يدلي بتصريح.