09-نوفمبر-2024
جماهير مكابي يتل أبيب

(AP) جماهير النادي الإسرائيلي يرددون شعارات عنصرية في محطة أمستردام المركزية

أعادت المواجهات التي اندلعت في العاصمة الهولندية أمستردام بين المهاجرين العرب ومشجعي نادي "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي تسليط الضوء على ازدواجية معايير الحكومات الغربية، التي سارعت إلى استغلال الحادثة سياسيًا، في حين تجاهلت الأسباب التي أدت إلى اندلاع تلك المواجهات، والتي بدأت بتصرفات استفزازية من مشجعي النادي الإسرائيلي تجاه المهاجرين العرب.

فقد سارع الإعلام الغربي، مدعومًا بتصريحات المسؤولين السياسيين، إلى ربط المواجهات بـ"معاداة السامية"، مع التركيز على أنها اندلعت بعد نهاية المباراة، متجاهلًا التصرفات الاستفزازية التي قام بها مشجعو "مكابي تل أبيب" قبل ساعات من بدء مباراتهم مع نادي أياكس أمستردام، كما أظهرت المقاطع المصورة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي.

أوروبا تدعم العنصرية الإسرائيلية

أظهرت المقاطع المصوّرة أن المشجعين الإسرائيليين قاموا بتصرفات استفزازية قبل بدء المباراة، حيث عمدوا إلى تمزيق الأعلام الفلسطينية المعلقة على نوافذ المنازل، بالإضافة إلى ترديد شعارات عنصرية وبذيئة تؤيد حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، فضلًا عن شعارات تدعو إلى قتل العرب والفلسطينيين.

أعادت المواجهات التي اندلعت في أمستردام بين المهاجرين العرب ومشجعين إسرائيليين تسليط الضوء على ازدواجية معايير الحكومات الغربية

في تجاهل واضح للأسباب التي أدت إلى اندلاع المواجهات في أمستردام الخميس الماضي، أكد السياسيون الغربيون إدانتهم لما تعرض له مشجعو النادي الإسرائيلي، بمن فيهم رئيس الوزراء الهولندي، ديك سخوف، الذي عبّر عن "فزعه من الهجمات المعادية للسامية ضد مواطنين إسرائيليين"، كما نددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بما وصفته بـ"الهجمات الدنيئة التي استهدفت مواطنين إسرائيليين في أمستردام".

أما الرئيس الأميركي جو بايدن، فقد استحضر في تصريحاته جزءًا من تاريخ الحرب العالمية الثانية، معتبرًا أن الحادثة "تذكّر بفترات حالكة في التاريخ حين تعرض اليهود للاضطهاد". وكذلك الأمر مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي لم يختلف كثيرًا في التعبير عن نظيره الأميركي، واصفًا ما جرى بأنه "يعيد التذكير بأشد المراحل قتامة في التاريخ".

تجاهل واضح للحقائق

اللافت أن هذه التصريحات تجاهلت بشكل تام تصريحات المتحدث باسم شرطة أمستردام، بيتر هولا، الذي أشار بوضوح إلى الأسباب التي أدت إلى اندلاع المواجهات، حيث قال: "أزال مشجعو مكابي تل أبيب علمًا من واجهة مبنى في روكين، ودمروا سيارة أجرة، وأُشعل علم فلسطيني في دام"، وهي إحدى مناطق العاصمة.

تجاهل آخر يمكن الإشارة إليه يتعلق بالمقاطع المصوّرة التي تم تداولها على نطاق واسع، حيث أظهرت صافرات الاستهجان التي أطلقها مشجعو الفريق الإسرائيلي عندما طُلب من الجمهور الوقوف دقيقة صمت للتضامن مع ضحايا الفيضان الذي ضرب مدينة فالنسيا الإسبانية، بالإضافة إلى المقاطع التي ظهروا فيها يرددون شعارات عنصرية أثناء توجههم إلى محطة أمستردام المركزية.

"تصرفات تمييزية وغير مقبولة"

من جانبه، أعرب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عن "بالغ قلقه إزاء سلسلة الأحداث العنيفة التي شهدتها أمستردام، والتي بدأت بالتحريض على العنف والعنصرية المعادية للفلسطينيين والإسلاموفوبيا التي أظهرها مشجعو فريق مكابي تل أبيب"، لافتًا إلى أنه قدم للاتحاد الدولي لكرة القدم "أدلة موسعة على هذه العنصرية الممنهجة، ومع ذلك لا تزال الإجراءات الملموسة غائبة".

وأكد الاتحاد الفلسطيني في بيانه الصادر، أمس الجمعة، أن "غياب المساءلة عن العنف الممنهج والتطبيع المتواصل للعنصرية قد أدى إلى المزيد من الحوادث المؤسفة، مثلما حدث في أمستردام"، مشددًا على أنه "لا مكان للعنف والكراهية بجميع أشكالها في الرياضة".

وأضاف في البيان: "نشعر بقلق عميق من المحاولات لاستغلال مثل هذه الأحداث لإسكات الأصوات المؤيدة لفلسطين، وحظر عرض الرموز الفلسطينية"، مؤكدًا أن "هذه التصرفات تمييزية وغير مقبولة"، داعيًا في نهاية البيان "الاتحاد الأوروبي لكرة القدم والفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) إلى معالجة تطبيع الخطاب الإبادي والعنصري والمعادي للإسلام بين مشجعي كرة القدم الإسرائيليين، وإلى تنفيذ تدابير ملموسة لمواجهة هذا العداء".

محاولات لإسكات الأصوات الداعمة لفلسطين

في قراءته للتصريحات الإسرائيلية، رأى الباحث في مركز "مدى الكرمل"، مهند مصطفى، في حديثه لـ"التلفزيون العربي"، أنها تدخل "في التأطير الإسرائيلي لأي مناداة لتحرير فلسطين"، مستندًا إلى ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية عقب رفع جماهير نادي باريس سان جيرمان الفرنسي لافتة كتب عليها "الحرية لفلسطين". مضيفًا أن "العقلية الإسرائيلية وصلت إلى مرحلة أنه إذا رُفعت في أوروبا لافتة كُتب عليها 'الحرية لفلسطين'، فإن هذا معناه أنك معادٍ لإسرائيل".

وأوضح مصطفى أن "ملاعب كرة القدم داخل إسرائيل تُظهر عنصرية ضد العرب، وأن اللاعبين العرب الذين يلعبون في الأندية الإسرائيلية يتعرضون كل أسبوع خلال مباريات كرة القدم لهتافات عنصرية"، مضيفًا أن "الجمهور الإسرائيلي هو أكثر جمهور رياضي عنصرية بهتافاته ومعاداته لكل ما هو عربي".

وللتدليل على كلامه، أشار مصطفى إلى أن نادي "بيتار القدس" الإسرائيلي "يرفض بشكل عنصري وواضح أن يكون في صفوفه أي لاعب عربي أو مسلم"، ومضى في القول إنه "لا أحد يعلم أن كرة القدم الإسرائيلية هي أكثر الألعاب الرياضية عنصرية على مستوى العالم"، لافتًا إلى أن "إسرائيل تحاول استغلال مثل هذه الأحداث من أجل إدخالها في إطار خطاب معاداة السامية".

ووصف مصطفى محاولات ربط المواجهات بين المهاجرين العرب ومشجعي النادي الإسرائيلي في أمستردام بـ"معاداة السامية" بأنها "دعاية رخيصة"، مرجعًا ذلك إلى محاولة "إسكات الصوت الاحتجاجي المتضامن مع الفلسطينيين في جميع أنحاء أوروبا".

من جانبه، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، حسني عبيدي، أن الموقف الأوروبي الذي يدعم الجانب الإسرائيلي يأتي في سياق محاولات "إيقاف وتيرة المظاهرات في العديد من الدول الأوروبية"، لافتًا إلى وجود "قوانين بدأت تظهر في العديد من العواصم (الأوروبية)، أحيانًا سياسية، وأحيانًا إدارية، من قبل أجهزة الشرطة حول ضرورة أن يكون هناك إذن لمسار المظاهرة".

واعتبر عبيدي أن "ما حدث في أمستردام أمر خطير جدًا، لأنه سيكون في النهاية الذريعة الأساسية التي ستؤدي بالدول الأوروبية إلى تضييق إضافي على الحريات"، لافتًا إلى أن هذا التضييق، بعد أن وصل إلى الجامعات، سيصل إلى الشارع أيضًا.

وأشار عبيدي إلى أن تصريحات الحكومات الأوروبية عقدت من عمل الشرطة التي لم تكن قد فتحت تحقيقًا بالحادثة، لافتًا إلى أن "المسار السياسي استبق المسارين القضائي والأمني"، مما يجعله يرى أن الهدف من ذلك وجود "نية للاستغلال السياسي والأمني لما حدث في أمستردام، وتعميمه على باقي المدن الأخرى".

كما لفت عبيدي إلى نقطة مهمة لم يجرِ تناولها في الإعلام الغربي، وهي أن "الاتحاد الأوروبي لكرة القدم هو الشريك في أي تحقيق، وقد تم تغييبه نهائيًا، مما يعني أن ما حدث يبدو وكأنه أمر مبيت لتحقيق أهداف سياسية".