تشهد مناطق سيطرة النظام السوري السوري، أزمةً اقتصادية هي الأسوأ منذ اندلاع الثورة السورية، ورغم تمكن الدعم العسكري والسياسي من روسيا وإيران من تثبيت النظام السوري والحفاظ عليه بعد الحرب ضد الشعب السوري، إلّا أن ذلك لم يمنع حدوث أزمة اقتصادية هي الأسوأ، والتي دفعت حكومة النظام السوري إلى الإعلان عن أسبوع عطلة نتيجة الشح في المحروقات. ولم يفوت النظام السوري أيّ فرصة للضغط على الشعب السوري، من خلال رفضه تجديد آلية المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، في محاولةً للضغط على العالم من أجل تقليل حدة الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرته.
تشهد مناطق سيطرة النظام السوري السوري، أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ اندلاع الثورة السورية
وتترافق مع هذه الأزمة الاقتصادية مظاهرات شعبية وتحركات محدودة حتى الآن، تحديدًا في منطقة السويداء، والتي قمعتها قوات النظام السوري بالقوة. فيما أدت ندرة التوريدات النفطية إلى مناطق النظام السوري، إلى انعدام مادة الوقود وتعطل الكثير من الخدمات العامة، مثل وسائل النقل داخل المدن وبين المحافظات السورية، بالإضافة لتوقف عمل العديد من الأفران والأعمال الأخرى.
وفي محاولة منه للتنصل من مسؤوليته عن هذه الأزمة، يحاول النظام السوري ابتزاز المجتمع الدولي عن طريق رفض تجديد آلية المساعدات الإنسانية للمناطق السورية عبر الحدود، والتي تشرف عليها الأمم المتحدة، مستندًا إلى الموقف الروسي الذي هدد بتعطيل الآلية لصالح خطة تزيد من نفوذ النظام السوري للتحكم في تلك المساعدات، وتقضي بالإبقاء فقط على ما يسمى بآلية "المساعدات العابرة للخطوط"، أيّ المساعدات التي تدخل من مناطق سيطرة النظام.
وفي هذا الإطار، بعث وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، أول أمس الأربعاء، رسالتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيسة مجلس الأمن لشهر كانون الأول/ديسمبر الحالي، الهندية روشيرا كامبوج، رفض فيهما مساعي تمديد قرار مجلس الأمن "2642" الخاص بإدخال المساعدات عبر الحدود، وبحسب المقداد فإن القرار يندرج في إطار "الانتهاكات والإجراءات غير الشرعية التي تحدّ من فعالية أي جهود تهدف إلى تحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية، وتخلّف آثارًا كارثيةً على الحياة اليومية للمواطن السوري، وتحول دون حصوله على الخدمات الأساسية والوقود والغاز المنزلي والطاقة الكهربائية".
وآخر قرار للمساعدات الإنسانية لسوريا، هو القرار "2642" الذي صدر في تموز/ يوليو الماضي، والذي جاء بعد ابتزاز ومساومات وشروط روسيا، والتي رفضت تمديد تفويض إيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سوريا عبر الحدود لمدة عام، وأصرت على التمديد لمدة ستة أشهر فقط، على أن يتطلب التمديد لمدة ستة أشهر إضافية قرارًا جديدًا من مجلس الأمن.
وفي حين تدعم كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الأعضاء في مجلس الأمن، زيادة عدد المعابر، تسعى روسيا إلى غلق معبر باب الهوى، الشريان الأساسي الذي تدخل عبره المساعدات الإنسانية للمناطق المحررة في الشمال السوري، بشكلٍ تام أو أن يُقدّم جزء محدود من تلك المساعدات عبره، والدفع بالعمل بآلية "المساعدات العابرة للخطوط" بشكلٍ رئيسي، فقد استخدمت روسيا في السنوات الماضية حق النقض "الفيتو"، ودعمتها الصين في أكثر من مناسبة، لمنع التجديد لتقديم المساعدات العابرة للحدود عبر معابر إضافية لمعبر باب الهوى، وتزعم موسكو أن المساعدات تصل للفصائل السورية المسلحة، في الشمال السوري، بالإضافة إلى أن العملية برمتها، "تنتهك سيادة سوريا" وفق تصور روسيا عنها.
وتتضح الرغبة من قبل موسكو في كل مرة يحين فيها موعد تجديد آلية دخول المساعدات الدولية عبر الحدود، إلى استبدالها بآلية "المساعدات عابرة الخطوط"، أي تسليم المساعدات للنظام السوري، على أن يتولى "توزيعها على المحتاجين في مناطق سيطرته، وحتى في المناطق الخارجة عن سيطرته". لكن المجتمع الدولي والشمال السوري، يرفضان هذه الآلية، لأنها تستبطن رغبة النظام في السيطرة على كل المساعدات الدولية، بغية احتكارها، وتوزيع بعضها على أنصاره وبيع الباقي، في محاولة لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تهدد مناطق سيطرته، مع حرمان المناطق الخارجة عن سيطرته منها.
ومع محاولات النظام السوري وروسيا تعطيل آلية دخول المساعدات، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن قبل يومين، من أن "الوضع الإنساني المتردي بالفعل في سوريا يزداد سوءًا، في حال عدم التمديد لآلية إدخال المساعدات"، وأضاف أن "ملايين السوريين قد لا يستطيعون النجاة في الشتاء، إذا لم تُجدد شحنات المساعدات من تركيا إلى شمال غربي سوريا الشهر المقبل"، مؤكدًا أن "المساعدات عبر الحدود إلى الشمال الغربي لا تزال جزءًا لا غنى عنه من العمليات الإنسانية للوصول إلى جميع المحتاجين".
وأشار غوتيريس إلى أن "وقف عمليات التسليم عبر الحدود في منتصف أشهر الشتاء قد يخاطر بترك ملايين السوريين من دون المساعدة اللازمة لتحمل الظروف الجوية القاسية"، متوقعًا أن يرتفع عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في سوريا العام المقبل إلى 15,3 مليون شخص، من إجمالي عدد السكان البالغ 21,1 مليون نسمة، مقارنة بـ 14,6 مليون شخص في العام 2022، واعتبر أن هذا العدد هو "أعلى مستوى للأشخاص المحتاجين منذ بداية الصراع".
وضعت "لجنة الإنقاذ الدولية" سوريا ضمن المراكز العشرة الأولى لأكثر البلدان "إثارة للقلق في العام المقبل"
وفي هذا الإطار، وضعت "لجنة الإنقاذ الدولية" سوريا ضمن المراكز العشرة الأولى لأكثر البلدان "إثارة للقلق في العام المقبل"، جاء ذلك في قائمة المراقبة السنوية التي تصدرها المنظمة الدولية، وتضم 20 أزمة إنسانية من المتوقع أن تتفاقم أكثر من غيرها خلال العام المقبل، وحذرت المنظمة من أن "توقف آلية المساعدة عبر الحدود في مناطق شمال غربي سوريا، يمكن أن يؤدي إلى تدمير الاستجابة الإنسانية، وتدهور أحوال الملايين ممن يعتمدون عليها"، وتوقع التقرير تواصل تدهور الأوضاع في سوريا العام المقبل، مع استمرار الأزمة الاقتصادية، وهو ما قد يجبر المزيد من الناس على الهروب من مناطقهم.