لم يجد مشاهير السياسة حول العالم بدًّا من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كأدوات لوصول أسرع، وتشكيل قاعدة جماهيرية أوسع مما كانت عليه الحال في عصر الإعلام التقليدي. بدأت هذه الظاهرة مع تأسيس فيسبوك ومن ثم ازدادت باستخدام تويتر، لتصل ذروتها عبر إنستغرام؛ ليطلّ السياسيون من مختلف الأحزاب والانتماءات عبر حسابات شخصية تحمل أهدافًا سياسية وولاءات حزبية بشكل أو بآخر. لجأ السياسيون، خاصة الغربيين منهم، بعد 2010، إلى إنستغرام في محاولة لإظهار الأجندة السياسية الخاصة بهم وللتركيز على بعض من جوانب شخصيتهم والترويج لها عبر فيديوهات أو صور تعكس البعد السياسي فيها، بأسلوب لا يخفى عنه طابع الحذر والانتقائية.
لم يجد مشاهير السياسة حول العالم بدًّا من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كأدوات لوصول أسرع، وتشكيل قاعدة جماهيرية أوسع مما كانت عليه الحال في عصر الإعلام التقليدي
يسجل عام 2008 الرئيسَ الأمريكي السابق باراك أوباما، كأول سياسي يتم الترويج لبرنامجه الانتخابي عبر موقعي التواصل الاجتماعي؛ فيسبوك و"ماي سبيس"، الأمر الذي منح زخمًا أكبر للحملة الانتخابية التي لم تكن شركة فيسبوك في غفلة عنها، وفي نفس الوقت عن دورها في تغيير مسار الحملات الانتخابية اللاحقة. إلا أنه، وبحكم طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تستلزم حضورًاا دائمًا للمحافظة على مستوى وصولٍ جماهيري واسع، لم يقتصر استخدامها على الحملات الانتخابية، بل تعداه ليطال الجانب الاجتماعي للسياسيين، مع وصول تطبيقات مشاركة الفيديوهات والصور، مثل إنستغرام وسناب شات وغيرها.
اقرأ/ي أيضًا: فخ وسائل التواصل الاجتماعي مع زيجمونت بومان
إنستغرام والنقلة النوعية
شهد عام 2010 انطلاقة برنامج إنستغرام، الأضخم على مستوى مشاركة الصور والفيديوهات وإتاحتها أمام المتابعين، ليكسب انتشارًا عالميًا وينتقل من 1 مليون مستخدم في بدايته، إلى ما لا يقل عن 1 مليار مستخدم نشط حتى بداية 2020. ونظرًا للإقبال الشديد على هذه المنصة، لجأ معظم الشخصيات العامة من سياسيين ورجالات حكومة وأحزاب إليها كأداة للتواصل السياسي يغلب فيها العنصر البصري. كانت منصة إنستغرام نقلة نوعية في مجال الاتصال مع الجمهور من خلال عرض منشورات قد تكون ذاتها على منصات أخرى، لكنها ضمن قالب بصري أكثر حداثة يجعل من فكرتها محببة أكثر وبعيدة عن الرسمية. وبحكم خصائص إنستغرام الاجتماعية، التي تفترض مشاركةَ العامةِ الحياةَ الشخصية أو الاهتمامات، فإن السياسيين التفتوا إلى أهمية توظيف مقتطفات حياتهم اليومية كمحتوى سواء في مرحلة الانتخابات أو ما قبلها، كخطوات تمهيدية يتفاعل معها المتابعون بنسب تتراوح حسب أعدادهم. يمكن أن نبرر انتقال السياسيين ورجال الأحزاب إلى إنستغرام بسبب استحواذ هذه المنصة على أعلى نسبة مستخدمين من جيل الشباب، وبالتالي فإن الأحزاب الجديدة (حزب "المواطنون الأحرار" في إسبانيا مثلًا) تهدف إلى استقطاب هذه الفئة والتركيز على اهتماماتها في البرامج الانتخابية في نموذج عمل أقرب للشعبوية.
السياسيون بين الحياة الاجتماعية والسياسية
بعد هذه النقلة، تغير الطابع العام للاتصال السياسي مع الجمهور المؤيد لسياسيّ أو حزب ما، لينتقل رجال السياسة النشطون عبر انستغرام من مرحلة تقديم مجرد برنامج انتخابي يعرض فيه منجزات الحزب واهتماماته وخططه، إلى مشاركة يومياتهم، والأهم من هذا قَولبتها، علنًا أو ضمنًا، في قالب سياسي. يطلّ جاستن ترودو، ولديه 3.8 مليون متابع، على إنستغرام بيومياته في جميع أنماطها، العائلية والاجتماعية خارج المنزل وحتى السياسية المكتبية، في حالة تعطي انطباعًا برغبته في التقرب من جمهوره، جمهور الحزب الليبرالي الكندي.
وبنفس الوتيرة، يَنشط أندرو شير، زعيم حزب المحافظين الكندي بصور مع أطفاله في أجواء عائلية، الأمر الذي يعطي انطباعًا بالأبوة المثالية عن شخصيات سياسية. بالنسبة للمتابعين، فإنهم يتوقون إلى معرفة معلومات وتفاصيل حول حياة السياسيين، شأنهم شأن باقي المشاهير و"المؤثرين" حول العالم، ولذلك، فإن أكبر نسبة تفاعل (إعجاب وتعليق ومشاركة) مع السياسيين عبر انستغرام تكون من نصيب الصور الشخصية واليومية، ضمن منازلهم، مع أطفالهم، أو مع زوجاتهم. في مراجعة بسيطة لحساب الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، 29.9 مليون متابع، وخلال شهر شباط/فبراير الفائت، حازت صورته مع زوجته ميشيل في عيد ميلادها على أكثر من مئة وثلاثة وخمسين تعليقًا، مقارنة مع صورة له في خطاب مناسبة تحرير نيلسون مانديلا برصيد ما يقارب سبعة آلاف تعليق فقط.
يرى عزمي بشارة في "الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟" أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بصفتها منصات متحررة من قيود أجهزة الرقابة الحكومية، من شأنه أن يخلق تفاعلًا متبادلًا بين السياسيين والجمهور بدون وسيط، سواء أكان هذا الوسيط حزبًا أو مؤسسات إعلامية تقليدية أو صحف حزبية ضمن فضاء تواصلي يخلو من الهرمية. وبهذا يمكن للسياسيين أن يكونوا أقرب إلى جمهورهم، أو حتى جمهور خصومهم. إلا أن بشارة لم يغفل الدور السياسي الكبير لهذه المنصات، والعبء الواقع على الجمهور جراء التواصل من خارج المؤسسات الإعلامية الرسمية، كون هذا التواصل يحول مزاج العامة (الشعب) إلى رأي من دون أية معلومة، خاصة في عملية بحث السياسيين عن دعم سواء بزيادة عدد متابعين أو تفاعلات.
وللوصول إلى جمهور أوسع، وإيجاد تأثير ودور مجتمعي، غير ذلك السياسي، يعتمد السياسيون مواقع التواصل الاجتماعي لتكون منصة يشاركون من خلالها جمهورهم تفاصيل حياتهم البسيطة منها والغنية. ترودو، على سبيل المثال يركز على الظهور بحلة الرجل الرياضي، ليرى فيه الجمهور قوة التحمل والسلامة البدنية وقدرته على التعامل مع جميع الظروف التي يمر بها. هذا الاستخدام الاستراتيجي، إن صح التعبير، لصور السياسيين، والتي تنشر غالبًا دون تعديل، يظهر أهمية الجمهور بالنسبة لهم خارج أوقات الانتخابات، الأمر الذي يضمن قاعدة جماهيرية أكبر وأعرض في حال حصلت الانتخابات. يمكن لمتابعي حسابات كبار السياسيين حول العالم ملاحظة أن إظهار حياتهم الخاصة، والتي لم تكن يومًا لتعرض على قنوات الإعلام الرسمية، بات استخدامًا استراتيجيًا لشد المتابعين وإلغاء الحدود في سبيل إيصال الأجندة الخاصة سواء بالسياسي نفسه أو بالحزب الذي يمثله.
يستخدم سياسيّو الأحزاب الجديدة نسبيًا، مثل جاغميت سينغ زعيم الحزب الديمقراطي الجديد في كندا، منصة إنستغرام من أجل الترويج للحملات الانتخابية الخاصة بهم بنسبة أكبر من الأحزاب القديمة، نظرًا لشهرتهم بين الناخبين الشباب واهتمامهم بشؤونهم. دأب سينغ منذ عام 2013 على الظهور مع الشباب الكندي في جميع نشاطاتهم اليومية، بالإضافة إلى مشاركة فيديوهات وصور أعمال نضاله السياسي في سبيل تحقيق انتصار لحزيه الذي انضم مع الليبراليين على حساب المحافظين.
اقرأ/ي أيضًا: بعد التشكيك به... "فيسبوك" يرفض اتهامه بدعم ترامب
النصوص المرفقة
يمكن النظر إلى النصوص المرفقة (كابشنز) على أنها جزء رئيس في شرح ماهية ومناسبة المنشور عبر إنستغرام. ويميل السياسيون لاستخدام لغة خطاب جماعية تناسب جميع فئات الجمهور، بعيدًا عن الخطاب الشخصي. تغلب على خطاب السياسيين في منشورات إنستغرام صفة الوطنية الإيجابية، بصيغة تجمع الرسمية في المعنى والمفردة، ودائمًا يتم استخدام العديد من الرموز والهاشتاغات. ميزة هذه الهاشتاغات أنها تساعد على إيصال المنشور إلى أكبر عدد ممكن من مستخدمي إنستغرام، وليس فقط المتابعين. أما بالنسبة للتعليقات، فإن أي سياسي لا يمكنه حظر التعليقات على حسابه، في خطوة تكلّف حسابه خسارة عدد كبير من المتابعين، بالإضافة إلى تعريض الحساب لجملة من التبليغات التي تضر به مستقبلًا. يمكن أن يعتمد السياسيون على ميزة التعليقات وتوظيفها أداةً لتشويه سمعة الخصوم، الأمر الذي يكسب المتابعين راحة في تعليقاتهم.
يستخدم سياسيّو الأحزاب الجديدة نسبيًا، مثل جاغميت سينغ زعيم الحزب الديمقراطي الجديد في كندا، منصة إنستغرام من أجل الترويج للحملات الانتخابية الخاصة بهم بنسبة أكبر من الأحزاب القديمة
ركوب الأمواج
ينتهز السياسيون فرصة حصول قضية رأي عام، دولية أو محلية، من أجل السباق إلى المشاركة في فعاليات خاصة بها ونشر نشاطاتهم الخاصة بها عبر انستغرام من أجل حصد مكاسب سياسية قبل كل شيء. شكلت انتفاضة السود في الولايات المتحدة، التي أعقبت مقتل المواطن جورج فلويد، فرصة سانحة أمام السياسيين للمشاركة في المظاهرات انتصارًا لحركة " حياة السود مهمة/ Black Lives Matter" ونشر هذه المشاركات عبر إنستغرام، عبر فيديوهات وصور مدعومة بنصوص تحتوي هاشتاغات للحملات التي ظهرت بعد هذه القضية. كان لترودو وقفة أعلن من خلالها تضامنه مع حراك السود من خلال مشاركته بمظاهرة تدعم حراك "حياة السود مهمة" وهو يجثو على ركبته. وإن كان الحديث عن الانتخابات المقبلة في كندا مبكرًا، إلا أن أي خطوة يقدم عليها ترودو، أو لا يقدم، تكون محسوبة عليه وتفقده أو تكسبه شعبية هو بحاجة إليها.
المراجع
- بشارة، عزمي. (2019). في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟ المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات. الدوحة، قطر.
- Bimber, B. (2014). Digital media in the Obama campaigns of 2008 and 2012: Adaptation to the personalized political communication environment. Journal of Information Technology & Politics, 11, 130-150
- Larsson, A. O. (2018). The News User on Social Media. Journalism Studies, 19(15), 2225-2242. https://www.doi.org/10.1080/1461670X.2017.1332957