من زاوية العين
يسيل سوادها
ليملأ العتمة
الزائر
يتقدم
يكاد لا يرى سوى شاشته
في لحظة نادرة تلفتُهُ لوحة
بورتريه لبيكون
فيدنو مادًا يده
لكن يذعره ظهوره
مضاعفًا
على الشاشة انعكاسُهُ في حفظِ الزجاج
والأضواءُ الكثيرة تنتظم خلفه قفصًا
وهو تمامًا في وسط الصورة
عليه إذًا أن يدنو أكثر وأكثر
لتدفنَهُ الألوانُ وخيالات الزوار
في عمق اللوحة
الغرباء الملائكة
1
كلما رُمْتُ احتراقًا
رميتُ نفسي في بئرها
وأهلتُ غبار الأيام فوقي
وتركت لرياحها أن تنفخ
فيّ شررًا
من روح
كلما رمت انتصارًا
على نفسي
جاهدتُ نسياني
حتى ينكسر
من ألم النسيان
كلما رمت انفراجًا
فتحتُ ثغرةً
في الصدر
2
ما القلب إلا غرفة فارغة
الغرباء الملائكة ما عادوا
يزورون مضافتنا
والقصص لا تروي حكايات
الناجين من الرصاص
في ذلك الفراغ كان للأغنية أن ترنّ طويلًا
لو جاء المغنّي
أو عُصِرَ العنب
ما القلب إلا غرفة فارغة
تنتظر النهر
وتأتلف العتمة رفيقًا
طرابلس 20
1
يا حرَّ المساءات المقيم في رطوبة الشاطئ
يا زرقةَ الذهب وتينَ الخضرة الملوّن بالشمس
يا ثلْمَ الذاكرة المكويّ بالزمن
وحصاها المبعثر على الدرب ليتعثر به النبض
على حين غرّة
نداءاتُ الأذان تطلق في السماء قبل الرجوع
كأسراب الحمام
والمدينة تنام
2
الموت يخطر في الشوارع وفي البال
وكلما نَمَت هي
انزاح ليسكن في قلبها فكأنها
تحنو عليه وتضمّه بأذرعٍ ألفٍ قويّة
كيتيم
والآن كنمالٍ هاربةٍ لكن على غير نظام
تهرب أيام الأسبوع
وهي تصبر على الجوع
3
الشوارعُ عينها تدليلٌ وجدال
تتعارض وتتشابك مثل الدماء النازفة
والمدينة تنتظر
من يكسو بكلمات غير خَلَقٍ حانية
عريها
انتظارها يطول كطول صمت الحجارة وقعت
بعد القصف على طاولة السفرة
أو كطول البحر والهجرة
4
لن يسمعني الطفل الهارب في شقوق الأزقة
الجدران أيضا صمّاء لكنها ثرثارة
كما كلّ الجدّات القانعات من الدنيا بالشمس
كلماتها المفتّتة تشِمُ جسدي
حريقًا
لا أعلم متى يندلع فيّ كرّة بعد كرّة
متى تُراهُ انهارَ سدُّ الذكريات فانهَمَرَتْ
وبُدّلْتُ جلودًا كثيرة بجلدي المُصمت؟
الأرض المجدورة
الأرض المجدورة تأوي
عششَة طيورٍ نادرة وأخيلة
فيها يتآخى
ركامُ الضوء ورفاتك
الأرض المجدورة كضجر لا يُردّ
*
هذه الأرض متجر أنجم وسيع
فسحاتُ السواد المتبقية
مهاوٍ للحلم
في صمت السواد العميق ترتع معادلات اللحون
لا أذن تسمع
*
لا يعرقل الغيمُ، مثلث العناصر،
قراءةَ النجوم التي تكتب بكل أحرف العالم ـ
مثلما تهجع في الدماغ كل مسارات الفِكَر ـ
حكاية انشطار النفس العَلِزة والزمن
هذا حين لا يعاكس، دون الصخب، بحرًا شاسعًا
*
الأرض المجدورة، مجددًا،
تجمع تلابيب العناصر،
لا تدرأ نزعًا أو حنينًا أو حزنًا أو حرقةً
حين يسقيها المزن لا يغسلك
لكنه يعمّق حضنها المخدّد الموحل
هول
لأن هول الماضي تحقق
لم يعد مخيفًا
المستقبل لا يزال مهولًا.