الترا صوت - فريق التحرير
بينما كان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، يشن حملة تصريحات واسعة من مصر وبلدان عربية أخرى هذه الأيام، ضد التدخل الإيراني في الشرق الأوسط، بدا أنه نسي ارتباط بلاده، وتحديدًا السياسات الخارجية التي يديرها الآن، بأسوأ عمليات التدخل في المنطقة، فيما لا يقل بطشًا أو انتهاكًا لسيادة الدول عما تقوم به طهران.
كما كان القائمون على الحرب ضد الإرهاب أكثر المستفيدين من الإرهاب نفسه، فإن مروجي الحرب ضد نفوذ إيران، أكثر المستفيدين من نفوذها
وعد بومبيو بـ"حملة لوقف النفوذ الإيراني والسياسيات الخبيثة ضد هذه المنطقة والعالم"، في نفس اللحظة التي كان فيها يزور دولًا عربية، مبشرًا بحلف عربي إسرائيلي مناهض لطهران. على الجهة الأخرى، كان هناك ملايين اليمنيين، معظمهم من الأطفال، يتعرضون للموت البطيء جوعًا، بسبب الحصار السعودي المدعوم من قبل الولايات المتحدة، بينما يستخدم التحالف السعودي قنابل أمريكية الصنع ضد أهداف مدنية، كما حدث مع حافلة تقل أطفالًا في رحلة مدرسية داخل مدينة صعدة.
اقرأ/ي أيضًا: تصفية معلنة لحسابات طهران وواشنطن على مائدة العراق.. بومبيو "يتحرش" بالحشد
هذا بالإضافة إلى صفقات الأسلحة الضخمة، التي يعتبرها الرئيس الأمريكي أهم ما يمكن أن يحدد مصير أي علاقة ديبلوماسية، فـ"نحن بحاجة إلى هذا المال" على حد تعبيره. ورغم الضغوط التي كان يُفترض أن إدارته تتعرض لها، إلا أن ترامب يبدو ماضيًا في طريق التعامل مع عديد القضايا في المنطقة كصفقة كبيرة وواضحة؛ أي المال مقابل صك الغفران من أي انتهاك حقوقي أو إنساني أو جريمة حرب.
لعل الموقف الأمريكي من اغتيال أحد الأصوات المناهضة للتدخل الإيراني في المنطقة، أي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول بطريقة تشير كل الأدلة أنها مدبرة من خلال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يبين طبيعة الموقف الحقيقي من هذا التهديد، والتعامل معه بنفس منطق الصفقة المذكور.
وحيث تُدار في هذه الأيام واحدة من الأزمات الكبيرة في واشنطن، على خلفية إصرار الرئيس المثير للجدل على بناء جدار يفصل بلاده عن المكسيك، فإن ترامب ما زال أحد الداعمين البارزين لنظام شبيه ومُلهم بالنسبة له من الفصل العنصري الاستعماري في إسرائيل. وتحت نفس مبرر التهديد الإيراني، فإن بومبيو جال في المنطقة، محاولًا صياغة توافق عربي مع إسرائيل، مستقطبًا الدول السنية المعتدلة، حسب تعبير الإعلام الإسرائيلي، وهو الاعتدال المنشود تجاه تل أبيب فقط، حتى لو كان في دول معروفة بتاريخ من تمويل ودعم الإرهاب.
اقرأ/ي أيضًا: ترامب خطر على الرئاسة والصحافة معًا
على أية حال، فإن الولايات المتحدة كما تكشف أرقام عديدة، تمثل أكثر من ثلث جميع الإنفاق العسكري العالمي. أما ثاني أكبر مصدر للإنفاق، أي الصين، فلا تنفق سوى خمس ما تنفقه واشنطن. بينما تبيع الأخيرة أكثر من 34% من إجمالي الأسلحة والمعدات العسكرية في سوق السلاح العالمي، إلى أكثر من 98 دولة. وحتى من أجل ترويج هذه الإجراءات، فإن أحدًا لا يدعي أن هذه الصفقات العسكرية تجعل العالم مكانًا آمنًا أكثر، ولكنه أصبح من المعروف أن الدعاية الأبرز من أجل الترويج، تعتمد على التهديدات، التي تشكل إيران اليوم أخطرها.
تحت مبرر التهديد الإيراني، فإن بومبيو جال في المنطقة، محاولًا صياغة توافق عربي مع إسرائيل، مستقطبًا الدول" السنية المعتدلة"، حسب تعبير الإعلام الإسرائيلي
يصعب بالتأكيد مجابهة هذا النوع من السرديات، مثله مثل سردية الحرب على الإرهاب، خاصة أن إيران مسؤولة عن جزء كبير من الدمار الذي لحق بالدول والشعوب في المنطقة، ما بعد انطلاق ثورات الربيع العربي. لكن "الحرب على إيران"، مثلها مثل "الحرب على الإرهاب" لم تكن معنية يومًا بمواجة النفوذ الإيراني على الحقيقة، وإنما باستغلال وجوده أكثر ما يمكن. إلى درجة كان فيها القائمون على الحرب ضد الإرهاب أكثر المستفيدين من الإرهاب نفسه، ويكون فيها الآن مروجو الحرب ضد نفوذ إيران، أكثر المستفيدين من نفوذها. أما الوقوع في بروبغاندا المفاضلة، بين تدخل وتدخل وانتهاك وآخر، فلا يبدو منطقيًا.