دعا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، أمس الأربعاء، دول العالم إلى التحرك لمكافحة الجوع "أشدّ أشكال الحرمان الإنساني إذلالًا"، وذلك قبل يوم من استضافة ريو دي جانيرو اجتماعًا لوزراء مالية مجموعة العشرين، التي تشهد انقسامًا بسبب العدوان على غزة، والغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، فضلًا عن المناقشات التي تشهد اختلافًا في وجهات النظر بشأن فرض ضرائب على أصحاب المليارات.
وقال دا سيلفا في أثناء إطلاق "التحالف العالمي ضد الجوع والفقر" في ريو دي جانيرو، والذي يُعد من أولويات الرئاسة البرازيلية لمجموعة العشرين: "إننا في القرن الحادي والعشرين، ما من شيء غير مقبول أكثر من استمرار الجوع والفقر".
ووفقًا لتقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ووكالات أممية أخرى، أمس الأربعاء، بغرض عرضه خلال اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين، فإن 733 مليون شخص عانوا من الجوع في عام 2023، وهو ما يعادل تسعة بالمئة من نسبة سكان العالم.
عانى 733 مليون شخص من الجوع في عام 2023 وفقًا لتقرير الأمم المتحدة
وشدد دا سيلفا عشية اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين المقرر عقده، اليوم الخميس وغدًا الجمعة، على حاجة المجموعة إلى "حلول دائمة"، وأضاف: "علينا أن نفكر فيها، ونعمل معًا".
وقال دا سيلفا، وهو عامل سابق مولود لعائلة فقيرة في شمال شرق البرازيل والدموع في عينيه في ختام كلمته: "لقد تأثرت لأنني أعلم أنّ الجوع ليس أمرًا طبيعيًا، لكنّه مرتبط بالقرارات السياسية".
ووفقًا لوكالة الأنباء الفرنسية، فإنّ التحالف الذي أطلقه الرئيس البرازيلي، ويجمع الدول والمؤسسات الدولية، يهدف إلى إيجاد وسائل مالية مشتركة لمكافحة الجوع أو تطبيق المبادرات الناجحة محليًا.
وحدد لولا طموحاته، الإثنين الماضي، في مقابلة مع عدد من وكالات الأنباء العالمية، قائلًا إن: "مكافحة أوجه انعدام المساواة والجوع والفقر لا يمكن أن تخوضها دولة بمفردها"، مؤكدًا أنّه: "يجب أن تقودها كل البلدان المستعدة لتحمل هذه المسؤولية التاريخية".
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في رسالة عبر الفيديو خلال عرض التقرير: "بإمكاننا حل هذه الأزمة. والتمويل هو الحل"، وأضاف: "لا مكان للجوع في القرن الحادي والعشرين"، داعيًا إلى "الإنصاف"، فيما كانت الأمم المتحدة قد اعتمدت عام 2015 الهدف المتمثل في عالم خالٍ من الجوع بحلول 2030.
كما أكد رئيس البنك الدولي، أجاي بانغا، الحاضر في ريو دي جانيرو، أنّ مؤسسته ستكون الشريك الرئيس للتحالف في ما يتعلّق بالمعرفة في مجال الفقر والجوع، وتحديد هدف مساعدة 500 مليون شخص بحلول 2030.
معارضة أميركية
وبعد اجتماع أول عُقد في ساو باولو في شباط/فبراير الماضي، من المقرر أن يحاول وزراء مالية دول مجموعة العشرين أيضًا إحراز تقدّم فيما يتعلّق بفكرة فرض ضرائب على "أثرى الأثرياء"، وهو هدف ثانٍ حددته برازيليا.
وتهدف المبادرة التي تدعمها فرنسا وإسبانيا وجنوب إفريقيا وكولومبيا والاتحاد الإفريقي إلى فرض ضرائب على الثروات الكبرى، بالاستناد إلى أبحاث الخبير الفرنسي في انعدام المساواة، غابريال زوكمان، الذي أعدّ تقريرًا في حزيران/يونيو بناءً على طلب البرازيل.
لكنّ إحراز التقدم غير مضمون حاليًا، وفقًا لما ذكرت وزارة المالية الألمانية، أول أمس الثلاثاء، مشيرةً إلى أنّه: "لا إجماع في الوقت الراهن".
وتُعارض الولايات المتحدة إجراء مفاوضات دولية بشأن هذا الموضوع، ووفقًا لمسؤول كبير في الخزانة الأميركية، فإنّ أيّ ضرائب من هذا النوع: "ستختلف بالتأكيد بشكل كبير" من بلد إلى آخر، بينما ترى فرنسا أنّه: "يمكن اتخاذ خطوة أولى بسرعة" عبر تبادل المعلومات بين الدول.
انقسام سياسي بين المجموعة
وفشل اجتماع للوزراء ومحافظي البنوك المركزية عُقد في ساو باولو في شباط/فبراير الماضي في إصدار بيان مشترك، بعد أن عجزت روسيا والدول الغربية الكبرى عن الاتفاق على كيفية وصف الحرب في أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي ظل الانقسامات بين الدول الغربيّة وروسيا التي تُعرقل جهود مجموعة العشرين منذ بداية الحرب في أوكرانيا، فإنّ اصدار بيان مشترك يبدو قضية شائكة، بعدما وصلوا إلى "طريق مسدود" في اجتماع ساو باولو، وفقًا لوزير الاقتصاد البرازيلي، فرناندو حداد.
وقالت المسؤولة في وزارة الاقتصاد البرازيلية، تاتيانا روزيتو، إنّ الحل الذي تفكر فيه البرازيل هو التوصل هذه المرة إلى ثلاثة نصوص.
وتابعت موضحة أنّه من ناحية ستكون هناك وثيقة مخصّصة لـ"التعاون الدولي في المسائل الضريبيّة"، تتضمّن مسألة فرض الضرائب على "أثرى الأثرياء"، ومن ناحية أخرى بيان ختامي أوسع، وأخيرًا "إعلان" منفصل تنشره الرئاسة البرازيلية يتطرق وحده إلى الأزمات الجيوسياسية.
أشارت الرئاسة البرازيلية إلى أنها ستترك القضايا الجيوسياسية للدبلوماسيين لمناقشتها في الاجتماعات المقبلة
وتضم مجموعة العشرين التي تأسّست عام 1999، كبرى القوى الاقتصاديّة في العالم، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.
وقالت الرئاسة البرازيليّة في بيان إنّ بعض أعضاء مجموعة العشرين "تبادلوا وجهات نظرهم" بشأن الوضع في أوكرانيا وغزة خلال المناقشات المتعلقة بمبادرة الجوع، مشيرةً إلى أنها ستترك القضايا الجيوسياسية للدبلوماسيين لمناقشتها في الاجتماعات المقبلة.
وأوضحت "يرى البعض أنّ هاتين القضيتين لهما تأثير في الاقتصاد العالمي، ويجب معالجتهما في مجموعة العشرين، بينما يعتقد البعض الآخر أنّ مجموعة العشرين ليست المكان المناسب لمناقشة هذه القضايا”.