تخطط أذربيجان لافتتاح سفارة لها في إسرائيل، نهاية الشهر الجاري، وذلك لأول مرة منذ نيل أذربيجان استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، ويترافق ذلك مع تقارير متزايدة عن العلاقات العسكرية والأمنية بين تل أبيب وباكو.
كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تحقيق جديد، عن تنامي العلاقات العسكرية بين إسرائيل وأذربيجان، بعد إشارات متعددة ربطت بين الدعم الإسرائيلي والحرب بين أذربيجان وأرمينيا
وقريبًا من السلاح، كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تحقيق جديد، عن تنامي العلاقات العسكرية بين إسرائيل وأذربيجان، بعد إشارات متعددة ربطت بين السلاح الإسرائيلي والحرب بين أذربيجان وأرمينيا، حيث قالت الصحيفة الإسرائيلية: "إن طائرات الشحن الأذرية لم تتوقف عن النزول في المطارات الإسرائيلية".
واستندت الصحفية الإسرائيلية إلى بيانات الطيران المتاحة، والتي أظهرت أن شركة سيلك واي الأذرية، قامت بـ 92 رحلة شحن على مدار السنوات السبع الماضية، إلى قاعدة عوفدا الجوية شمال إيلات، وهي القاعدة الوحيدة في إسرائيل الذي يمكن أن يٌنقَل عبرها المتفجرات.
وأشارت الصحيفة، إلى أن آخر رحلة للشركة كانت يوم 2 آذار/ مارس 2023، حيث هبطت طائرة شحن في قاعدة عوفدا، وبعد ساعتين أقلعت الطائرة من طراز "إليوشن 76"، وحلقت فوق وسط الأراضي المحتلة، واستمرت شمالًا فوق تركيا ثم إلى الشرق عائدةً إلى باكو عاصمة أذربيجان.
رحلات جوية لم تتوقف
عدد الرحلات التي كشفت عنها هآرتس تُظهِر أنه منذ عام 2016، هبطت طائرات "إليوشن 76" التابعة لشركة سيلك واي 92 مرةً على الأقل في قاعدة عوفدا العسكرية، وهي وجهة غير عادية لطائرات الشحن المدنية.
وشركة سيلك واي هي واحدة من شركات الطيران القليلة جدًا التي تهبط في القاعدة العسكرية الإسرائيلية، فعلى مر السنوات هبطت طائرات تابعة لعدد محدود من شركات الطيران في أوروبا الشرقية في هذه القاعدة، وحملت معها متفجرات من هناك.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فقد ظهر اسم شركة سيلك واي في تقرير استقصائي لوسائل إعلام تشيكية عام 2018، والذي ذكر أن الأسلحة المحظورة للبيع لأذربيجان نُقِلَت في صفقة مُتبادَلة عبر إسرائيل.
كما أن مصادر في شركة صناعة الطيران والفضاء الإسرائيلية، قالت إن "قانون الطيران الإسرائيلي يحظر النقل الروتيني للمتفجرات من مطار بن غوريون، لأنه يقع في قلب منطقة مكتظة بالسكان"، وأضافت أن "المطار الوحيد الذي يسمح باستيراد وتصدير المتفجرات منه هو قاعدة القوات الجوية الإسرائيلية في عوفدا".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2013، وقع رئيس سلطة الطيران المدني الإسرائيلية غيورا روم، على إعفاء يسمح لطائرات شركة سيلك واي بنقل شحنات متفجرات، "مصنفة كمواد خطرة ممنوع الطيران" من قاعدة عوفدا إلى مطار عسكري في ضواحي باكو.
هذا الاستثناء، الذي نُشر في ذلك الوقت على الموقع الإلكتروني لسلطة الطيران المدني، يتطلب شروط أمان صارمة، ويتضمن قائمة بالطائرات الأذربيجانية المسموح لها بنقل المتفجرات من قاعدة عوفدا إلى أذربيجان.
والأرقام التي نشرتها هآرتس، تشير إلى أن طائرات شركة سيلك واي هبطت في قاعدة عوفدا ما يقارب 100 مرة منذ إصدار التصريح. فيما تكشف البيانات عن تسارع وتيرة الرحلات الجوية إلى باكو، خاصة في منتصف عام 2016 وأواخر عام 2020 ونهاية عام 2021، وهي الفترات التي شهدت معارك في إقليم "ناغورنو كاراباخ". وقد خاضت أذربيجان وأرمينيا حربًا في الإقليم المتنازع عليه بينهما في فترات عدة من القرن الماضي، لا سيما منذ حصول كلا البلدين على استقلالهما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وهبطت بعض هذه الرحلات في القاعدة العسكرية الإسرائيلية بعلامة الاتصال الرسمية لوزارة الدفاع الأذربيجانية، وفي عام 2016، مُنحت شركة سيلك واي إعفاء آخر سمح لها الاستمرار بالهبوط في دولة الاحتلال، رغم أن طائراتها لم تفِ بمعايير ضوضاء الطيران الإسرائيلية.
قاعدة خلفية لإسرائيل
على مدار عقدين من الزمن، باعت إسرائيل لأذربيجان، أسلحة بمليارات الدولارات، ووفقًا لتقارير رسمية، من بينها أنظمة للأسلحة الأكثر تقدمًا، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والدفاع الجوي، وأنظمة الحرب الإلكترونية، والطائرات المُسيَّرة الانتحارية، وغيرها من الأسلحة. في المقابل كانت أذربيجان مصدرًا نفطيًا أساسيًا لإسرائيل، حيث تحصل تل أبيب على نصف حاجتها من النفط من باكو.
ولم تكن العلاقة عبارة عن شراء أسلحة فقط، بل تصل إلى مستويات أمنية، فقد سمحت باكو باستخدام أراضيها لتكون قاعدةً خلفية لجهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد"، للوصول إلى إيران.
ووفقًا لتقارير إعلامية، أسس الموساد فرعًا أماميًا لمراقبة ما يحدث في إيران، كما تم إعداد مطار يهدف إلى مساعدة إسرائيل في حال قررت مهاجمة المواقع النووية الإيرانية. وذكرت تلك التقارير، أنه قبل عامين، عندما أقدم عملاء الموساد على سرقة الأرشيف النووي الإيراني، قاموا بتهريبه إلى إسرائيل عبر أذربيجان.
اللحظة المحورية لانتعاشة العلاقات جاءت بسبب الحرب في إقليم "ناغورنو كاراباخ"، حيث اعتمدت أرمينيا وأذربيجان على ترسانة الأسلحة السوفييتية، لكن بحسب معهد ستوكهولم الدولي للسلام، تغير الوضع منذ عام 2016، فقد أصبحت إسرائيل المصدر الأساسي للأسلحة لأذربيجان، وشكلت 70% من ترسانة البلد العسكرية.
أسلحة وتكنولوجيا عسكرية
تكشف التقارير الرسمية والبيانات المقاطع المصورة من أذربيجان، أن إسرائيل قامت بتصدير مجموعة متنوعة من الأسلحة إلى باكو، مثل بنادق تافور الهجومية وأنظمة الرادارات والدفاع الجوي والصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ الباليستية والسفن ومجموعة واسعة من الطائرات المُسيّرة لأغراض الاستخبارات والهجوم.
وقدمت الشركات الإسرائيلية أيضًا تكنولوجيا تجسس متقدمة، مثل أنظمة مراقبة الاتصالات من شركة فيرينت، وبرامج التجسس بيغاسوس، الذي استخدم ضد الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان في أذربيجان. فيما لعبت الأسلحة الإسرائيلية دورًا بارزًا عند عودة القتال ضد أرمينيا في حرب الأيام الأربعة في نيسان/ أبريل 2016، وفي حرب ناغورنو كاراباخ الثانية عام 2020، وكذلك في معارك عام 2022.
ويقول معهد ستوكهولم الدولي للسلام، إن صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى أذربيجان بدأت في عام 2005، ببيع أنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة من قبل شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية التي يبلغ مداها 150 كلم.
وزودت شركة أنظمة إلبيت الإسرائيلية في عام 2018، أذربيجان بصواريخ مدفعية خفيفة "LAR-160" بمدى يصل إلى 45 كلم، وبحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، استخدمت أذربيجان تلك الصواريخ لإطلاق الذخائر العنقودية المحظورة على المناطق السكنية في إقليم ناغورنو كاراباخ.
وفي عام 2007، وقعت أذربيجان عقدًا لشراء أربع طائرات مُسيّرة لجمع المعلومات الاستخبارية من أنظمة الدفاع الجوي، كانت تلك الأولى من بين صفقات عديدة بمليارات الدولارات في الفترة الممتدة من 2008 إلى 2020.
اتفاقيات وزيارات رسمية
في تشرين الأول/أكتوبر 2022، زار وزير الأمن الإسرائيلي السابق بيني غانتس أذربيجان، والتقى مع الرئيس الأذري إلهام علييف، وخلال الزيارة قال غانتس إن "زيارته تتعلق بقضايا الأمن والسياسة وتعميق التعاون بين البلدين".
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، ما لم يُعلن عنه في ذلك الوقت هو أنه قبل شهر من زيارة غانتس، قام رئيس مديرية الصادرات الدفاعية الإسرائيلية "سيبات" يائير كولاس، بزيارة إلى أذربيجان والتقى بالوزير المسؤول عن الصناعات الدفاعية الأذربيجانية، وقالت الوزارة الأذربيجانية، في حينه، إن الطرفين ناقشا توسيع الأعمال التجارية مع الصناعات الدفاعية الإسرائيلية.
وبعد ذلك بوقت قصير، أعلنت أذربيجان رسميًا أنها ستفتتح قريبًا سفارة في إسرائيل لأول مرة، ووصفتها بـ "خطوة تاريخية"، مضيفةً أن "السماء هي حدود العلاقات بين البلدين والشعبين".
تكشف التقارير الرسمية والبيانات المقاطع المصورة من أذربيجان، أن إسرائيل قامت بتصدير مجموعة متنوعة من الأسلحة إلى باكو
في غضون ذلك، هبطت سبع طائرات شحن أذربيجانية مرةً أخرى في قاعدة عوفدا الجوية، وبعد ساعتين غادروا مع حمولات عائدين إلى باكو.