انتقلت المعارك في السودان تدريجيًا من شوارع المدن وأزقتها إلى المساحات المفتوحة والمرتفعات الجبلية بين الولايات وعلى الطرق الطويلة.
وبتنا نلاحظ شيئًا فشيئا تركّز المناوشات والأعمال القتالية حول السلاسل الجبلية المنتشرة بأعداد كبيرة في السودان، محيطةً بالعديد من المدن والقرى ومواقع عسكرية ذات قيمة إستراتيجية كبيرة لطرفي النزاع: القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
هذه المواصفات المذكورة آنفًا جعلت المناطق الجبلية ساحةً جديدة للقتال المستمر منذ 18 شهرًا في السودان ـ مخلّفًا أكثر من 13 ألف قتيل ووضعًا إنسانيًا صعبًا للغاية ـ كما جعلها هدفًا بذاتها، خاصةً بالنسبة لقوات الدعم السريع، التي تتخذها حصنًا من الهجمات البرية للجيش السوداني.
يتقاسم الجيش السوداني وقوات الدعم السريع السيطرة على ولايات السودان الثماني عشرة
لقد استمات كلّ طرفٍ في الدفاع عن الجبال التي تقع تحت سيطرته، وشنّ الهجمات على قمم الجبال التي تقع تحت سيطرة الطرف الآخر، مع ملاحظة أنّ قوات الدعم السريع كانت الأكثر استهدافًا للمواقع الجبلية.
جبل مويا الاستراتيجي:
هاجمت قوات الدعم السريع جبل مويا الاستراتيجي في ولاية سنار جنوبي شرقي السودان بقوة منذ نهاية حزيران/يونيو الماضي، وأدّى تكثيف الهجوم إلى قطع الطريق الرئيسي وعرقلة الإمداد عن أقاليم كردفان ودارفور وولاية النيل الأبيض، حيث توجد الفرقة 18 مشاة التابعة للجيش. كما أنه وبفضل السيطرة النارية على جبل مويا، حققت قوات الدعم السريع سيطرةً سريعة على مدن ولاية سنار (الدندر والدالي والمزموم وكروكوج) بما فيها عاصمة الولاية سنجة.
مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري ردّت قوات الجيش السوداني الصاع صاعين لقوات الدعم السريع، بشنها هجوما مباغتًا على مواقع تمركز وتحصّن قوات الدعم السريع في جبل مويا، وبعد يومين بالضبط من الهجمات المكثفة استعاد الجيش منطقة جبل مويا الواقعة على الحدود بين ولايتي الجزيرة وسنار. وللسيطرة على جبل مويا الاستراتيجي الذي تأثر الجيش بخسارته، تنقلت وحدات من الجيش خلال الهجوم بين مناطق جبلية أيضًا، هي جبل دود وجبل فنقوقة، وجبل الأعور وصولًا لجبل مويا.
جبل كردفان:
كان جبل كردفان والمناطق الجبلية المحيطة به مسرحًا لمعارك ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وفي الوقت الحالي يضمّ جبل كردفان الواقع بولاية شمال كردفان قاعدةً عسكرية للجيش وموقعًا للتدريب. وكان الجيش قد تمكن من السيطرة على الجبل الاستراتيجي في أيار/مايو الماضي، بعد معارك عنيفة مع قوات الدعم السريع. وفي المقابل جرّدت ميليشيا الدعم السريع الجيش السوداني من سيطرته على منطقة جبل أولياء الاستراتيجية، التي تعدّ البوابة الجنوبية للعاصمة الخرطوم. كما مكنت السيطرة على تلك المنطقة الجبلية من السيطرة على المنطقة العسكرية التي تعد القاعدة الأهم جنوب الخرطوم، وتتكون المنطقة العسكرية من معسكر للجيش وقاعدة "ود النجومي" الجوية الخاصة بالمروحيات. كما تضم جسرًا صغيرا فوق نهر النيل يربط الخرطوم بمدينة أم درمان.
جبل مُرّة:
تقع هذه المنطقة الجبلية في ولاية وسط دارفور غربي السودان، وتعدّ موقعًا استراتيجيا يمتاز بوعورة تضاريسه، والتي تُصعّب مهمة السيطرة عليه من طرف أي قوة مهاجمة، ويخضع جبل مرة حاليًا لسيطرة حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور.
خلال الحرب الأهلية الحالية، حاولت قوات الدعم السريع اختراق التحصينات ووعورة تضاريس تلك المنطقة، للسيطرة على مدينة الفاو التابعة لولاية القضارف، وذلك بعد سيطرتها على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة القريبة من الفاو، والتي تعرضت لهجمات متتالية من الدعم السريع، لكنها لم تتمكن لحد اللحظة من دخول "المدينة المحصنة بالجبال، والتي يتمركز فيها الجيش وحلفاؤه من الحركات المسلحة بكثافة، إذ تقع الفاو وسط سلسلة من الجبال المرتفعة التي تحيط بها من كل الاتجاهات".
غير بعيدٍ من مدينة الفاو، وبالتحديد في منطقة جبل عدولة الواقعة بين مدن الفاشر ونيالا والضعين، دخلت قوات الدعم السريع أيضًا في معارك قتال ضارية مع "القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح"، وهي قوة موالية للحكومة في بورتسودان والجيش السوداني. وقد حال الموقع الاستراتيجي للمدينة بين المرتفعات دون السيطرة عليها، وصدّ هجمات الدعم السريع المتكررة.