يمور العالم بالتحولات السياسية والتحديات الأخلاقية، وفي خضم ذلك يجد الإنسان نفسه غارقًا في بحر من الأحداث التي تجري في بلده.
تتساءل العقول الواعية عن دورها في هذا السياق: هل يجب عليها أن تتخذ موقفًا أخلاقيًا حاسمًا أمام التطورات السياسية الجارية؟
يعتبر اتخاذ المواطن لموقف أخلاقي تجاه الأحداث السياسية في بلده تحديًا لا يمكن تجاهله، فهل يمكن للأخلاق أن تكون القوة المحركة والموجِّهة لتوجيه التفكير والعمل في ظل هذا السياق الحساس؟
يتطلب الأمر التفكير العميق في هذا الجوانب وتقييم الأثر الأخلاقي على المجتمع والفرد.
اتخاذ موقف أخلاقي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على عمل الإنسان. ويمكن أن يكون له تأثير على مستوى الرضا الشخصي والراحة النفسية، حيث يشعر الفرد بالارتياح عندما يلتزم بالقيم والمبادئ التي يعتقد فيها.
على الصعيدين المهني والشخصي، يمكن أن يؤثر الالتزام بالأخلاقيات إيجابًا على سمعة الشخص وعلاقاته المهنية. في الأمد الطويل، يمكن أن يسهم التصرف الأخلاقي في بناء ثقة الآخرين.
اتخاذ موقف أخلاقي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على عمل الإنسان. ويمكن أن يكون له تأثير على مستوى الرضا الشخصي والراحة النفسية، حيث يشعر الفرد بالارتياح عندما يلتزم بالقيم والمبادئ التي يعتقد فيها
من الناحية الأخرى، قد يواجه الفرد تحديات في بعض الأحيان عندما يتناقض موقفه الأخلاقي مع الظروف المحيطة به. ومع ذلك، يظل التمسك بالمبادئ الأخلاقية قرارًا يعكس جوهر الشخصية والقيم النبيلة التي قد يتمتع بها الفرد.
يبدو ما سبق كلامًا عامًا وإنشائيًا بطبيعة الحال، لكنه موضوع يطرح نفسه باستمرار وإلحاح كلما استجدت حادثة أو واقعة؟
ويبرز بشكل واضح بالنسبة للفنان أو الرياضي الشهير أو الكاتب المعروف والشاعر العَلم.. إلخ، فهؤلاء مطالبون شعبيًا ومهنيًا بإبراز مواقفهم العلنية التي يتمنطقون بها، تجاه القضايا والاستحقاقات الكبرى.
فالجمهور بطبيعة الحال لا يمكن له أن يتجاهل غياب فنان ما عن كارثة كبرى كالتي تحدث حاليًا في غزة!
وسيندفع للتساؤل فورًا عن سبب احتجاب ذلك الفنان وعدم إعلان موقف صريح مما يجري، وربما سيفسر ذلك الغياب لاحقًا وفقًا لما يشاء له الهوى إن استمر انقطاع الفنان ولوحظ لاحقا ظهوره في مناسبات ترفيهية ما!
ينطبق الأمر على الرياضي وعارضة الأزياء والرسام والموسيقي وغيرهم.
كثيرًا ما تردد لدينا مقولات من مثل: ينبغي فصل السياسة عن الرياضة. أو أن يقول قائل: الفنان لا يطالب إلا بفنه.
وفي ذلك تبخيس شديد لقيمة الفن ولقيمة الإنسان أيضًا، فلا بمكن لنا القبول براحة مطلقة بأن يكون من يعظنا في الأفلام ومن على خشبات المسارح، ويقدم لنا الحكم والفلسفات على شكل عروض فنية، شخصًا متقاعسًا وجبانًا ولا يمتلك رؤية أخلاقية وإنسانية سامية. وفي حال تناقض تلك الرؤية مع ما يراه عامة الناس فليفسر وليوضح ولينشر رأيه ويجاهر به كي ينير للآخرين الدرب.
تخيل شاعرًا كبابلو نيرودا مجردًا من مواقفه السياسية، أو أوكتافيو باث أو نيكولاي فابتزاروف، أو الشاعر والمسرحي الإسباني العظيم فيدريكو غارسيا لوركا. وتخيل مجددًا ما يمكن أن يكون عليه الحال لو كان مكسيم غوركي كاتبًا مائع الهوية. واسترسل بالتفكير حتى تصل لأرماندو مارادونا وسبب شهرته التي ترافقت مع ما يشبه التقديس في بلاده. أو ما فعله موقف محمد علي كلاي برفضه الحرب على فيتنام وتخلى بذلك عن لقبه كبطل للعالم في الملاكمة. واستذكر شجاعة مارلون براندو عندما رفض قبول جائزة الأوسكار، وبعث بدلًا منه فتاة من السكان الأصليين إلى حفل التتويج.
الأمثلة كثيرة. لا أعرف تماما مدى أحقية تلك التخيلات ومدى صوابيتها، لكن الواقع والتاريخ يقولان ويكرران ويعيدان دوما بأن الإنسان في خلاصته سيتلاشى ويبقى منه الموقف والفكرة.
من مجموعته الشعرية "العيش على هذا الكوكب" إليكم هذه القصيدة لبابلو نيرودا:
"أبدو متعبًا لكوني من بني البشر
عندما أدخل محلات الخياطة ودور السينما
أكون مشلولًا.. متحجرًا
مثل إوزة تشق طريقها مبحرة في مياه الينابيع والرماد.
رائحة محلات الحلاقة تجعلني أنتحب.
أريد أن أؤجل نظري إلى الحجارة والقطن،
أريد أن أشيح نظري وألا أرى أبدا الحدائق والمؤسسات..
البضائع.. النظارات.. المصاعد.
إنني متعب: من قدمي وأظافري وشعري وظلي.
تصادف اليوم أن أكون متعبا لأنني أنتمي لبني البشر".
ياله من صراع داخلي محموم يستعر في نفس الشاعر المتألمة. أصبحت الرغبات الآنية والتقليدية مجرد تفاهة، وغدا الانتماء لبني البشر مرهقًا، وبات كل شيء مزعجًا في المحيط.
الموقف الأخلاقي لا ينبغي أن يُسعّر بتسعيرة، تزيد أن تنقص وفقًا لسعر الدولار أو اليورو، ولا أن يُوضع في خانات تنزيل الأسعار الموسمية. لكن هذا ما نشهده كثيرًا هذه الأيام وبكل أسف.