وُصف نهج الإدارة الديمقراطية بشأن الملف السوري بـ"المتساهل". وبالنظر إلى ما ميز التعاطي الأميركي مع هذا الملف قبل وصول بايدن إلى السلطة، يتوقع مراقبون أن ينتهج الرئيس المنتخب دونالد ترامب نهجًا أكثر صرامة مع النظام السوري، سيما على صعيد العقوبات.
وإن لم يؤد هذا النهج إلى حل جذري للقضية السورية وفق القرار الدولي 2254، إلا أنه يقلل من فرص إعادة إحياء النظام، خاصةً بعد موجة التطبيع العربية الأخيرة في عام 2023، وتلك الأوروبية التي تقودها حكومة اليمين المتطرف في إيطاليا "للتخلص من عبء اللاجئين السوريين" بإعادتهم إلى ما تعتبره دول في الاتحاد الأوروبي "مناطق آمنة في سوريا".
ويشار إلى أن العقوبات الأميركية على سوريا تتمثل أساسًا في قانون قيصر وقانون الكبتاغون 1و2، حيث إن نظام الأسد المدان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قمعه للثورة السورية، مدان أيضًا بالاتجار بالمخدرات.
وكان الملف السوري قد تراجع من صدارة الاهتمامات الأميركية مؤخرًا، بسبب حرب الإبادة الجماعية الجنونية على قطاع غزة، والعدوان على لبنان، والتصعيد الإسرائيلي الإيراني، والحرب الروسية الأوكرانية. لكن بالنظر إلى النفوذ الإيراني والروسي في سوريا، يبقى الملف السوري مهمًا لواشنطن بالنظر إلى تداعياته على إسرائيل من جهة، وعلى الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، لا سيما مع الضغوط الممارسة على واشنطن للانسحاب من العراق، من جهة أخرى.
من المنتظر أن يتبنى ترامب نهجًا أكثر حسمًا مع النظام السوري، خاصةً على صعيد العقوبات
فرضية شدّ الحصار
لم يُوفّر تطبيع الدول العربية للنظام السوري ما كان يصبو إليه من أموال ومكاسب، ويرى مراقبون أن النظام بات أضعف من أي وقتٍ مضى، وبالتالي فإن أي تشدّد في العقوبات سيترك أثرًا بليغًا على قدراته في الصمود، وسيدفعه إلى تقديم تنازلات أكبر.
وبحسب الكثير من المتابعين، فإن ولاية ترامب الأولى تميزت بمستوى غير مسبوق من الصرامة مع النظام السوري، حيث كان أكثر حزمًا من سلفه أوباما ومن إدارة بايدن التي جاءت بعده، إذ طغى الجمود تعاطيها مع الملف، خاصةً لناحية "العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة"، الأمر الذي جعل النظام يتعنّت ويعرقل الجهود الأممية للتوصل إلى حل سياسي.
وعليه، من غير المستبعد يكون هذا الملف حاضرًا ضمن أولويات إدارة ترامب، خاصةً في ظل العلاقات الجيدة التي تربطه، وفق متابعين، بالجانين التركي والروسي، وهما الطرفان الأكثر فعالية في المشهد السوري المعقد.
وبالعودة زمنيًا إلى فترة ترامب الرئاسية الأولى، نجد أنه اتخذ في العام 2017 قرارًا بضرب مطار الشعيرات في ريف حمص الشمالي، بعدد من صواريخ "توماهوك" ردًا على قصف مدينة خان شيخون في ريف إدلب، انطلاقًا من هذا المطار، بالغاز السام؛ ما أدى إلى مقتل نحو 100 مدني بينهم 32 طفلًا و23 امرأة.
وبعد ذلك، أصدرت إدارة ترامب قانون قيصر، واصفًا بشار الأسد حينها بـ"الحيوان". لكنّ ترامب لم يُشفع ذلك بتوجيه ضربات عسكرية مؤثرة في النظام تمنعه من ارتكاب مجازر وجرائم حرب جديدة.
وفي العام 2019، أصدر ترامب قرارًا بسحب القوات الأميركية من سوريا، واصفًا ما يحدث بأنه "حروب سخيفة لا نهاية لها"، واقتصر الوجود الأميركي منذ ذلك الوقت على عدد محدود من الجنود يتمركزون في ريفي الحسكة ودير الزور، وتحديدًا الشريط الذي توجد فيه آبار النفط. وبرر البنتاغون الإبقاء على تلك القوات بالحيلولة دون ظهور تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". وبالإضافة إلى تلك المنطقة، توجد قوات أميركية أيضًا في قاعدة التنف، ضمن المثلث الحدودي السوري والعراقي والأردني.
ويتوقّع مراقبون أن لا يشمل أي قرار انسحاب جديد يتخذه ترامب القوات الأميركية الموجودة في قاعدة التنف، نظرًا لأهمية الموقع الاستراتيجية.
وتعليقًا على سيناريو سحب ترامب القوات الأميركية من سوريا، قال المحلل السياسي السوري رضوان زيادة، في تصريح لصحيفة "العربي الجديد"، إنه "بغض النظر عما إذا كان القرار سيؤخذ وفق ترتيبات مع أنقرة وموسكو، إلا أن هذا الأمر ستكون له انعكاسات كبيرة على مجمل الملف السوري"، مبديًا خشيته من "تسليم ترامب لسوريا إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كما حدث خلال ولايته الأولى، من خلال سحب القوات الأميركية بشكل كامل"، ومعربًا في الوقت ذاته عن اعتقاده بأن ترامب "يريد تغيير قواعد اللعبة في سوريا تمامًا وفق مصالحه مع بوتين".
ليس النظام السوري وحده القلق من عودة ترامب، وإنما القوات الكردية أيضًا، إذ تخشى من تخلّي الإدارة الأميركية عنها، الأمر الذي سيدفع تركيا إلى استئناف عملياتها العسكرية الرامية للقضاء عليها في مناطق شمال شرقي سوريا، إذ من المتوقع حسب مراقبين أن "يتساهل ترامب مع تركيا في استهداف "قسد"، وذلك في ضوء رفض النظام السوري الجلوس إلى طاولة التفاوض مع أنقرة.
وتعليقًا على هذه النقطة، يقول المحلل السياسي التركي طه عودة، في حديث مع صحيفة "العربي الجديد"، "إن تركيا كانت تميل إلى فوز دونالد ترامب ولا سيما أن هناك علاقةً شخصية بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان"، منبهًا إلى أنه "خلال ولاية ترامب الأولى، شنت أنقرة عمليات عسكرية عدة في شمال سوريا ضد داعش وقوات قسد، وفي أواخر ولاية ترامب الماضية، جرى الحديث عن انسحاب أميركي من سوريا، لذا أعتقد أن الجانب التركي وعقب التوتر بعد عملية أنقرة التي قام بها حزب العمال الكردستاني أخيرًا، سيطرح تعاونًا أكبر مع الجانب الأميركي في شمال شرقي سوريا، خصوصًا أن الأوضاع الإقليمية والدولية مختلفة تمامًا عن تلك التي كانت إبّان ولاية ترامب السابقة" وفق تعبيره.