16-سبتمبر-2024
قمة أميركية بريطانية

تجنب بايدن وستارمر ملف تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى (رويترز)

كان لافتًا للانتباه تجنّب كل من الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر، في قمتهما المصغرة في واشنطن، إعطاء كييف الضوء الأخضر لاستخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى في ضرب أهدافٍ في العمق الروسي، وهو مطلبٌ قديمٌ متجدد للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي كشف عن جسارةٍ كبيرة بتوغل قوات بلاده في كورسك الروسية، لكنّ "جسارة" زيلينسكي تواجَه بحذرٍ أميركي بريطاني غير مفهوم بالنسبة للأوكرانيين.

وكانت روسيا أكّدت نهاية الأسبوع المنصرم أنها توصّلت بمعلومات عن قرارٍ غربي اتخذ في هذا الشأن وسيجري الإعلان عنه خلال قمة "بايدن وستارمر"، محذّرةً من العواقب الخطيرة لخطوة السماح لكييف باستخدام الصواريخ الغربية بعيدة المدى في ضرب الأراضي الروسية. لكنّ واشنطن ولندن تجنبتا الحديث عن الموضوع من أصله، في مؤشرٍ، حسب المتابعين، على إرادةٍ غربية لامتصاص غضب موسكو، مع البحث بالتأكيد عن سبلٍ أخرى لدعم كييف، لكن دون الانزلاق إلى مواجهةٍ مباشرة مع روسيا.

ولم تكن قمة بايدن وستارمر، كما كان متوقعًا لها، نقطة تحول في دعم الغرب لأوكرانيا، بل كرّرت واشنطن ولندن التصريحات العلنية للطرفين في المواقف السابقة.

تجنّب بايدن وستارمر في قمتهما ملف تزويد أوكرانيا بالأسلحة بعيدة المدى ومنحها الضوء الأخضر لاستخدامها لضرب الأراضي الروسية

وجدد بايدن في القمة تأكيده على تضامن الولايات المتحدة مع المملكة المتحدة في دعم أوكرانيا ضد روسيا، مشددًا على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن ينتصر في الحرب، وأن الشعب الأوكراني هو الذي سوف ينتصر. لكنّه أحجم عن الإجابة عن سؤال حول رغبة كييف في الحصول على صواريخ بعيدة المدى لضرب عمق الأراضي الروسية، مكتفيًا بالقول: "سنناقش ذلك".

بدوره، اكتفى ستارمر بالقول إنّ: "الأسابيع والأشهر المقبلة قد تكون حاسمةً ومهمة في الاستمرار في دعم أوكرانيا في حرب الحرية"، موضّحًا أنه أجرى مناقشةً واسعة النطاق عن الاستراتيجية المتّبعة في الحرب الأوكرانية مع الرئيس الأميركي، مشدّدًا على أن كييف تملك الحق في الدفاع عن نفسها، لكنه لم يتطرق إلى موضوع استخدام صواريخ "ستورم شادو" بريطانية الصنع بعيدة المدة في ضرب أهداف داخل روسيا، وخلص إلى أن إنهاء الحرب في أوكرانيا يعود لبوتين.

وكانت الأيام القليلة الماضية قد شهدت نقاشًا واسعا حول الحرب الأوكرانية المتواصلة وكيفية دعم الغرب لكييف، حيث ذهب معظم المحللين إلى أن واشنطن ولندن على وشك منح أوكرانيا الضوء الأخضر لاستخدام أسلحة بعيدة المدى واستهداف العمق الروسي بها، على أن يكون الإعلام في اجتماع بايدن وستارمر.

 وقالت تقارير إن وزيري الخارجية الأميركي والبريطاني، أنتوني بلينكن ودافيد لامي، اطّلعا خلال زيارة لهما إلى كييف الأربعاء الماضي على الأهداف التي يريد الجيش الأوكراني استهدافها في العمق الروسي. وفي وقت سابق، أشارت تقارير إلى أن رئيس ديوان الرئاسة الأوكرانية أندري يرماك أطلع المسؤولين في واشنطن نهاية شهر آب/أغسطس الماضي على خطة كييف المتكاملة لتغيير الأوضاع في الحرب الأوكرانية.

لكن النتائج المعلنة لقمة بايدن وستارمر جاءت مخيبة لكل التوقعات، كاشفةً أنّ مواقف الولايات المتحدة لم تتغير كثيرًا، وأنها أجّلت البت في استخدام أوكرانيا الصواريخ بعيدة المدى رابطةً ذلك بالتطورات الميدانية والسياسية التي قد تطرأ خلال الأيام القليلة المقبلة.

تهديدات بوتين تؤتي ثمارها

ردّ بايدن على سؤال حول التهديدات الروسية باللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية والحرب المباشرة مع حلف شمال الأطلسي إذا منح الغرب الضوء الأخضر لأوكرانيا باستعمال الأسلحة بعيدة المدى لضرب روسيا، بالقول إنه "لا يفكر ببوتين"، لكنّ نتائج القمة المشتركة مع ستارمر أبانت عن وجود آذان صاغية لتهديدات الرئيس الروسي.

وليس الموقف الأميركي بمستغربٍ بالنظر إلى تصريحاتٍ سابقة لرئيس مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، الذي استبق المباحثات الأميركية البريطانية بالتأكيد أن واشنطن لا تعتزم إعلان أي سياسة جديدة بشأن كييف واستخدامها صواريخ بعيدة المدى، قائلًا: "لا توجد تغييرات في رؤيتنا بشأن تزويد أوكرانيا بقدرات هجومية بعيدة المدى لاستخدامها داخل روسيا".

بل إن واشنطن عمدت في السابق إلى تعديل نظام قاذفات الصواريخ المتطورة "هيمارس" التي أعطتها لأوكرانيا، بحيث لا يمكن استخدامها لإطلاق صواريخ بعيدة المدى على روسيا.

ويعد موقف واشنطن مختلفًا عن الموقف البريطاني والفرنسي الذي يدعم تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى، وأن تكون كييف قادرة على استخدامها لضرب قواعد عسكرية داخل روسيا.

وعلى العموم، ليست القضية محل إجماعٍ أوروبي حتى، فما تزال ألمانيا ترفض طلب أوكرانيا تزويدها بصواريخ "توروس" التي يصل مداها إلى 500 كيلومتر. كما تُعارض دول أوروبية، مثل المجر وسلوفاكيا، تزويد أوكرانيا بالأسلحة لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تصعيد الحرب الأوكرانية.

لكن، على الرغم من أنّ واشنطن ولندن تجنبتا ملف الأسلحة بعيدة المدى، فإنّ وكالة تاس الروسية الحكومية للأنباء نقلت، أمس السبت، عن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، قوله إن موسكو تعلم أن الغرب اتخذ قرارًا بشأن ما إذا كان سيسمح لأوكرانيا بمهاجمة روسيا بصواريخ بعيدة المدى، وأبلغ كييف بذلك.

ولم يوضح ريابكوف طبيعة القرار الذي يشير إليه، لكنه أضاف أن عدم نجاح تحذيرات موسكو الشفهية للغرب من مغبة المزيد من التصعيد، سيجبر روسيا على التحول إلى إرسال الإشارات بطرق مختلفة، وفق تعبيره.