هي حقائق تؤكد المعلوم وتثبته بالحجة، إنها تسريبات البريد الالكتروني لسفير أبوظبي في واشنطن، يوسف العتيبة، التي أعلنت عنها في البداية صحيفة "ذا ديلي بيست" الأمريكية، التي قالت إنّ مجموعة قراصنة إلكترونيين تُعرف باسم "جلوبال ليكس" أرسلت للصحيفة بخصوص امتلاكها عددًا من الرسائل الإلكترونية المسربة من البريد الإلكتروني للعتيبة.
اقرأ/ي التسريبات كما وردت: 1، 2
من نفّذ الاختراق غير معلوم على وجه الدقة، إذ أوضحت مجموعة "جلوبال ليكس" أنهم استلموا بدورهم الرسائل المسربة من قراصنة إلكترونيين آخرين، وأن دورهم المساهمة في توزيع الوثائق المسربة على الصحف ووسائل الإعلام، لذا فإنّ صحيفة "ذا إنترسبت" الأمريكية كانت أوّل من نشر أولى الوثائق المُسرّبة.
اللافت للانتباه أنّ أبوظبي متمثلة في سفارتها لم يظهر لها رد فعلٍ مدافع، فببساطة أكّدت لمياء جباري المتحدثة باسم السفارة الإماراتية في واشنطن، أنّ البريد الإلكتروني الوارد في المُسرّبات يعود بالفعل ليوسف عتيبة، لكنها نفت علمها بالاختراق إلّا بعد أن تواصلت معها صحيفة ذا ديلي بيست، فيما ذكرت النسخة الأمريكية من موقع هافينغتون بوست أنها تواصلت مع ثمانية ممن وردت أسماؤهم في التسريبات، أكدوا جميعًا صحتها!
لم تكن التسريبات مفاجئة، فطبيعة "الشغب" الإماراتي بات مكشوفًا دون حياء طوال السنوات الأخيرة
وتكشف الوثائق عن تعزيز الإمارات لعلاقاتها مع مُؤسسات موالية لإسرائيل في الولايات المتحدة، وتضغط لمنع عقد مُؤتمر لحماس في الدوحة، وتُحضّر لاجتماع تقييمي مع الأمريكان حول أداء القيادة السعودية، وتُحرّض ضد جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس وتركيا، بل الكويت أيضًا، مخصصة نصيبًا كبيرًا من اهتمامها لتشويه قطر والتحريض لاستهدافها.
ولم تكن هذه التسريبات مفاجئة في مضمونها، إذ إنّ طبيعة الدور الذي تلعبه الإمارات بات كاشفًا عن وجهه دون حياء طوال السنوات الأخيرة، غير أن هذه التسريبات تُسلط ضوءًا كثيفًا ساطعًا على "الشغب" الإماراتي في المنطقة وما يجاورها.
التحريض ضد قطر.. والكويت!
كشفت التسريبات عن معطيات تبيّن قيادة الإمارات لحملة تحريض ممنهجة ضد قطر لدى الإدارة الأمريكية، ليؤكد المكشوف أن الإمارات، وعبر أبواقها الإعلامية، هي التي خططت ونفذت الحملة الإعلامية الأخيرة ضد قطر بعد اختراق موقع وكالة أنبائها الرسمية.
اقرأ/ي أيضًا: كيف كشفت مواقع التواصل تزييف العربية وسكاي نيوز.. القصة الكاملة
وورد في الرسائل المسربة جدول أعمال اجتماع ضد قطر من المفترض انعقاده هذا الشهر، بين مسؤولين من الحكومة الإماراتية على رأسهم ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وبين مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) اليمينية المتشددة وموالية لإسرائيل. ويشمل جدول الأعمال محادثات تتناول وضع سياسات إماراتية أميركية لتحييد الدور القطري، بتقليص الاعتماد على قاعدة العديد الأمريكية في قطر، وفرض عقوبات أمنية واقتصادية وسياسية عليها.
كما كان لقناة الجزيرة نصيب من حملة التحريض الإماراتية، إذ وصفت القناة في إحدى الرسائل بأنها "أداة لزعزعة الاستقرار في المنطقة".
ولعلّ مدى "الجنون المرضي" الإماراتي من قطر لخّصته جملة نقلها السفير يوسف العتيبة عن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت غيتس، ورد فيها نصّا: "أذقهم الجحيم غدًا"، يقصد القطريين. وهو ما يكشف عن عداء إماراتي أصيل تجاه قطر، حتى بات من غير المفاجئ إن كشفت أية تسريبات في أي وقت، اقتراحًا إماراتيًا للإدارة الأمريكية بتنفيذ عملية عسكرية ضد قطر!
وكان المثير للاهتمام في الرسائل المسربة، إقحام الكويت في دائرة التحريض الإماراتي المتعدّي، إذ جاء في رسالة واردة للسفير، بأن "ممولي الإرهاب يعملون بشكل علني في قطر والكويت"، وهي رسالة وجّهها ريتشارد مينتز، مدير شركة علاقات عامة تدعى هاربر غروب، ويعمل مستشارًا للإمارات.
تكشف التسريبات بوضوح التحريض الإماراتي ضد قطر والكويت، ما يعد خرقًا لميثاق مجلس التعاون الخليجي، قد يستلزم وقفة أمام لعب الإمارات
يكشف ذلك عن أنّه حتى الكويت باتت في مرمى نيران الإمارات وحلفائها في دوائر النفوذ الأمريكية، وذلك اتباعًا لمقولة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن: "من ليس معي فهو ضدّي"، إذ سبق ورفضت الكويت الانسياق خلف السياسات الإماراتية على غرار رفض سحب سفيرها من قطر خلال أزمة السفراء عام 2014، وذلك حينما سحبت كل من الإمارات والسعودية، ومن ورائهما البحرين، سفرائها من قطر، قبل إعادتهم مرة أُخرة نهاية نفس العام، كما أن الكويت لم تنزلق إلى مستنقع الحملة المفبركة ضد قطر.
اقرأ/ي أيضًا: العربية وسكاي نيوز.. فضيحة إعلامية غير مسبوقة
وتلقي هذه التسريبات الضوء عن مدى التهوّر الإماراتي في التحريض ضد جيرانها، وتحديدًا هذه المرة ضد الكويت، التي قد تكون بصدد تبيّن السلوك الإماراتي تجاهها، وهو ما قد يجعلها أكثر حذرًا معها في المستقبل، إذ قال عضو مجلس الأمّة الكويتي السابق ناصر الدويلة، إثر هذه التسريبات: "الآن فهمنا من يشحن الإدارة الأميركية".
ومع كشف التسريبات بوضوح وبالقرائن عن تحريض ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد والسفير الإماراتي في واشنطن يوسف عتيبة، ضد قطر وضد الكويت بدرجة أقل، ألا يُعتبر ذلك خرقًا لميثاق مجلس التعاون الخليجي بما يستوجب تدخل هذا المجلس لإنهاء هذه الحملة الممنهجة، وكفّ الشغب الإماراتي؟
أصدقاء إسرائيل.. حلفاء الإمارات
أكدت هذه التسريبات من جديد الارتباط العضوي بين السياسات الإماراتية والمصالح الصهيونية، إذ كشفت الرسائل عن علاقة وثيقة بين الإمارات ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) اليمينية الموالية لإسرائيل، وصاحبة النفوذ لدى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن دلائلها اجتماع بين وفد حكومي بقيادة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد مع مسؤولي هذه المؤسسة.
وقد تناول جدول الاجتماع تحجيم دور قطر والتحريض ضدها واتهامها بـ"رعاية الإرهاب"، وكذا كيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، ومواجهة "طموح" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفي هذا الصدد، تداولت الرسائل مقالًا يتهم الإمارات ومؤسسة موالية لإسرائيل بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا تموز/يوليو 2016. كما تبيّن التسريبات تعاون الإماراتيين مع مؤسسات موالية لإسرائيل بهدف منع الاستثمار في إيران.
وعليه تكشف هذه الخطوط المباشرة والمفتوحة بين الإماراتيين والمؤسسات المعروفة بولائها ودفاعها المتشدد عن الاحتلال الإسرائيلي، عن مدى التماهي بين السياسات الإماراتية والإسرائيلية، وهو تماه حفزه صعود ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، لعلّه من باب الطرافة العودة للبيان المفبرك لأمير قطر الذي استندت عليه الحملة الإماراتية الأخيرة ضد قطر، إذ تضمن وصف العلاقات القطرية مع إسرائيل بـ"الجيدة"، وهي فبركة قد لا يكون هدفها إلا التغطية عن افتضاح العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، والتي أكدتها بوضوح التسريبات الأخيرة، إذ يدفع الإماراتيون منذ سنوات لبناء تحالف عربي إسرائيلي في مواجهة إيران، ولعلّ العنصر المستجدّ مؤخرًا هو الدفع من أجل انضمام المملكة العربية السعودية لهذا التحالف عبر وساطتهم، وهو ما تعمل عليه الإمارات حاليًا على قدم وساق. إذن، في النهاية، وبعيدًا عن الفبركة والافتراءات، يبدو أنّ العلامة التي يجب منحها للعلاقات بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي، هي "ممتاز"!
اقرأ/ي أيضًا: كيف تستخدم أبوظبي تهمة إسرائيل لتمرير تعاونها معها؟
ويتوازى تشبيك العلاقات مع الإسرائيليين، مع الحديث عن "معسكر الاعتدال" الذي ورد في إحدى الرسائل المسرّبة، حيث قال السفير الإماراتي يوسف عتيبة، إن "الأردن والإمارات هما ما تبقى في معسكر الاعتدال في المنطقة".
بعيدًا عن الفبركة والافتراءات تستحق العلاقات الإماراتية الإسرائيلية علامة "ممتاز"!
وكان مصطلح معسكر الاعتدال يُقصد به سابقًا الدول على الجهة الأُخرى مما يُسمى بـ"معسكر الممانعة"، وذلك قبل اندلاع الثورات العربية، إلا أنه الآن بات يُشير إلى الدول المعادية للثورات العربية، وربما المنخرطة في مخططات الانقلاب عليها، وكذا الرافضة لأي دور للإسلام السياسي في المنطقة، وأيضًا المرتبطة بعلاقات وثيقة مع إسرائيل.
هو إذن تحريف لمفهوم "الاعتدال" تسعى أبوظبي لإقناع الأمريكان به، وذلك بمرر مواجهة "التطرف" و"الإرهاب"، والذي يشمل وفق الطرح الإماراتي جماعات الإخوان المسلمين وحركات المقاومة الفلسطينية المسلحة، بل يشمل عمومًا القوى الثورية في الدول التي عرفت ثورات، وتحديدًا في مصر وليبيا وتونس واليمن.
مزاحمةٌ للسعودية وتقييم لأدائها!
من بين أبرز الرسائل المسرّبة تلك المتعلقة بالتحضير لاجتماع مُرتقب الشهر الجاري بين مسؤولين من الحكومة الإماراتية وبين مديري مؤسسة "FDD" الموالية لإسرائيل، يتضمن وفق جدول أعماله تقييمًا مشتركًا للتغيرات التي حدثت في القيادة السعودية، ومن ذلك تقييم سياساتها الداخلية بما فيها رؤية 2030، إضافة لسياساتها الخارجية. كما يشمل التقييم وضع خطة لدعم ما سُميّ باستقرار السعودية وإنجاح التوجهات الجديدة هناك، في إشارة إلى محمد بن سلمان على وجه التحديد وما جاء به.
ويكشف هذا التسريب عن مدى اهتمام أبوظبي بالتغييرات الجارية في السعودية، التي يقودها حاليا وليّ وليّ العهد محمد بن سلمان في ظل سعيه لبسط نفوذه في مواجهة أبناء عمومته وعلى رأسهم ولي العهد محمد بن نايف، الذي يكنّ عداءً شخصيًا لمحمد بن زايد، وهو الذي وصف والده ولي العهد الراحل نايف بـ"القرد"، بينما تنظر أبوظبي لمحمد بن سلمان على أنه حصانها المفضل الذي يُمكن ترويضه لتصبح السعودية على نفس الخط.
تكشف التسريبات عن حرص أبوظبي على دعم محمد بن سلمان وتوجهاته في إدارة السعودية، خاصة مع العداء القديم بين بن زايد وبن نايف ووالده
وفي مقاله تعليقًا على حزمة القرارات الملكية الأخيرة، قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست إنّ محمد بن زايد نصح ابن سلمان بإقامة علاقات دافئة مع إسرائيل، كما وعده بفتح قناة تواصل مباشرة مع واشنطن.
ويبدو أن محمد بن زايد لعب دور كاشف الطريق لمحمد بن سلمان الذي سارع لزيارة ترامب بعد تنصيبه بهدف تأمين دعم إداراته له في معركته من أجل بسط نفوذه في المملكة، وربما لم يجد محمد بن سلمان لاحقًا أفضل من تعيين شقيقه كسفير في واشنطن بهدف ضمان خط مباشر مع الإدارة الأمريكية، وذلك بهدف إقصاء بن نايف الذي يتمتع بسيرة حسنة أمريكيًا.
اقرأ/ي أيضًا: ترامب في السعودية.. ركضًا وراء المليارات وهربًا من الفضائح
ويظهر من خلال جدول الاجتماع المرتقب، أن أبوظبي تعمل مع ترامب العائد بصفقات مالية مهولة من زيارته الأخيرة للرياض، على ضمان حسن سير التحولات السعودية، وتلاؤمها مع السياسات الإماراتية والأمريكية، حيث تسعى الإمارات للعب دور الوكيل الترامبوي في الشرق الأوسط، وجعل السعودية تلميذًا مجتهدًا تابعًا يجب دائمًا تقييم حسن سيره وسلوكه كما تشاء أبوظبي وإدارة ترامب ومعهما إسرائيل.
اقرأ/ي أيضًا: