تصدر وسم "مليونية القصاص العادل" في السودان أمس الخميس الترند العالمي في تويتر، بالتزامن مع الاحتجاجات الواسعة في البلاد التي تمددت رقعتها في مدن السودان المختلفة، فقد جاءت الدعوة لها كبادرة من تجمع المهنيين السودانيين، أحد أبرز الأجسام المنضوية تحت قوى الحرية والتغيير، مطالبة بالقصاص لشهداء طلاب حادثة الأبيض يوم الاثنين 29 تموز/يوليو الماضي، والتي سقط على إثرها خمسة طلاب ثانوي عزل، إضافًة إلى عشرات الجرحى، كما لاقت الحادثة استنكارًا وتعاطفًا محليًا وعالميًا.
صاحب جولة المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى التغيير جدال واسع بين السودانيين، وتبادل الناشطون عددًا من الاستفسارات والأسئلة لا زالت مطروحة حول تلك المحادثات وجدواها
مليونية القصاص والمطالبة بالعدالة
لم تمض أيام قليلة من حادثة الأبيض، إلا وشهدت مدينة امدرمان حادثًة أخرى عندما قتلت قوات الشرطة حسب شهود عيان أربعة محتجين في دار السلام "سوق ليبيا" في ضاحية أم درمان، بعد أن خرج أغلبية أبناء المدينة في "مليونية القصاص العادل" تنديدًا بالعنف والاستخدام المفرط للرصاص الحي في مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان غرب البلاد، وقتل أربعة من الأطفال بواسطة مليشيا الدعم السريع بقيادة نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، كما نادت المليونية بتسليم السلطة للمدنيين، إلا أن المجلس العسكري بدا مصرًا على مزيد من العنف، فقد واجهت قوات الشرطة هذه الاحتجاجات بالرصاص الحي في سوق ليبيا في مدينة أم درمان، مما أسفر عن قتل أربعة مواطنين على الأقل، إضافًة إلى عشرات الجرحى بحسب بيان صادر من لجنة الأطباء المركزية في السودان أمس الخميس الأول من آب/أغسطس.
اقرأ/ي أيضًا: تقرير لجنة التحقيق يفتح الباب أمام مزيد من الاحتمالات الثورية في السودان
في هذا السياق، وتعليقًا على قتل المتظاهرين بأم درمان في مليونية القصاص العادل، رأى تجمع المهنيين السودانيين أحد الأجسام القائدة للحراك، أن هذا المخطط القذر من النظام البائد لافتعال العنف على نطاق واسع بدفع مجموعة لإطلاق الرصاص الحي على المواطنين والقوات النظامية، هو محاولة لجر البلاد لدائرة العنف بغرض قطع الطريق أمام ثورة الشعب من الوصول إلى أهدافها وفق إعلان الحرية والتغيير، كما يذهب عديد من الناشطين السودانيين مع هذا الطرح.
سميت تلك المليونية بالقصاص العادل استنكارًا لنتائج لجنة التحقيق الخاصة بحادثة فض اعتصام القيادة العامة في الخرطوم في الثالث من حزيران/يونيو 2019، والتي قللت من عدد شهداء ومصابي ومفقودي تلك الحادثة، إضافًة إلى إنكارها وجود حالات اغتصاب للمعتصمات في ظل وجود شهود عيان أدلوا بتعرضهم لاغتصابات جماعية من قبل جنود مليشيا الدعم السريع، حيث أفادت إحدى ضحايا الاغتصاب بأن الجنجويد أجبروها على خلع ملابسها تمهيدًا لاغتصابها واحدًا تلو الآخر، حتي أصابها الإغماء ولم تستيقظ إلا وهي في المستشفى، لذلك تم تسمية مليونية القصاص لشهداء الأبيض بالعادلة حتى لا تأتي نتائجها كنتائج تقرير فض الاعتصام، ما يعتبر إهدارًا لدماء الشهداء،وإفلاتًا من العقوبة، وتقويضًا للعدالة وجريمة تستحق العقاب، إلا أنه وقبل المليونية في مساء الأربعاء 31 تمو/يوليو الماضي، أعلنت لجنة التحقيق بشأن حادثة الأبيض بأن إطلاق النار ضد المتظاهرين نفذ من قبل قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس المجلس الانتقالي حميدتي.
شجب أمريكي وعودة لطاولة المفاوضات
ظلت الحكومة الأمريكية تناشد أطراف الأزمة في السودان منذ بداية الثورة لضبط النفس، وعدم الانزلاق للعنف، وجر البلاد لأتون الحروب الأهلية، والوصول إلى اتفاق لنقل السلطة للمدنيين. أما بعد التطورات الأخيرة، فقد علقت السفارة الأمريكية بالخرطوم الثلاثاء الماضي عن أحداث الأبيض، مبينة في صفحتها في تويتر أن "الأحداث المأساوية التي شهدتها مدينة الأبيض الاثنين تجعل الحاجة لتشكيل حكومة مدنية في السودان أكثر إلحاحًا"، كما أدانت السفارة العنف المفرط تجاه المحتجين السلميين.
اقرأ/ي أيضًا: الانقلاب الفاشل في السودان.. مسرحية حميدتي لإتمام السيطرة؟
وفي هذا الجو المشحون بالغضب والغليان الشعبي، ودعوات متتالية من السودانيين بتقديم مرتكبي تلك الجرائم للعدالة، جلس أمس الخميس الأول من آب/أغسطس طرفا الأزمة في السودان قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي للتفاوض على الوثيقة الدستورية مرة أخرى، وهو ما لاقى استنكارًا من الشارع السوداني تجاه تلك المفاوضات نتيجة لما يقوم به المجلس العسكري من قتل وتقويض للعدالة.
لم تمض أيام قليلة من حادثة الأبيض، إلا وشهدت مدينة امدرمان حادثًة أخرى عندما قتلت قوات الشرطة حسب شهود عيان أربعة محتجين في دار السلام "سوق ليبيا" في ضاحية أم درمان
وصاحب جولة المفاوضات جدال واسع بين السودانيين، وتبادل الناشطون عددًا من الاستفسارات والأسئلة لا زالت مطروحة حول تلك المفاوضات، فقد رأت مجموعة من المحتجين بأن تجمع قوى الحرية والتغيير يمارس تناقضًا واضحًا بدعوته لمليونية القصاص العادل وجلوسه في مساء نفس اليوم مع المجلس العسكري على طاولة التفاوض، وهو المسؤول مسؤولية مباشرة نع قتل المحتجين، بينما يرى قادة الحرية والتغيير بأن البديل للتفاوض ما هو إلا جر البلاد للعنف والانزلاق الأمني الذي يهدد وحدة البلد واستقرارها وتقويض سيادتها.
اقرأ/ي أيضًا:
ليلة السكاكين الطويلة.. سلسلة انقلابات عسكرية تهدد الثورة السودانية