صنّف جيش الاحتلال الإسرائيلي الضفة الغربية منطقة قتالٍ ثانية بعد قطاع غزة مباشرةً، أي أنها باتت منطقة حربٍ بالنسبة إليه، وهذا ما يفسّر جزئيًا عمليته العسكرية الموسعة في مناطق الضفة المختلفة التي أطلق عليها تسمية "عملية المخيمات الصيفية"، وهي عملية تدخل أسبوعها الثاني، مع ملاحظة أنّها تتركّز بشكلٍ رئيسي في شمال الضفة ومخيمات اللاجئين فيها على نحوٍ خاص.
ويُجمع المحللون العسكريون على أنّ الأسباب الكامنة وراء هذا التصنيف الإسرائيلي الجديد للضفة الغربية، تتمثل أساسًا في ارتفاع مستوى قلق المؤسستين العسكرية والأمنية في إسرائيل من العمليات التي نُفذت في الضفة، وتلك المحتملة أن تقع فيها، لكن أيضًا تخشى دولة الاحتلال من أن تنتقل عمليات المقاومة من الضفة إلى الداخل الإسرائيلي. وكنوعٍ من الرد الاستباقي عمدت إلى تنفيذ العملية العسكرية الجارية في مدن الضفة ومخيماتها، التي تعاني من أوضاع معيشية صعبة، و"انهيارًا"، حسب التقييم الإسرائيلي، لسيطرة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية.
وفي قراءة تحليلية لتطور تصنيف الضفة الغربية في تقييمات المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية يرى إيال عليمه، وهو المحلل العسكري بالإذاعة الإسرائيلية الرسمية "كان 11"، أنّ الضفة الغربية كانت تعتبر منذ بداية الحرب على غزة "نقطة قتال" وليست "جبهةً حربية بالمفهوم التقليدي، وما حدث مؤخرًا هو بمثابة تكثيف وتصعيد في العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي".
حكومة اليمين المتطرف توظّف العمليات العسكرية في الضفة من أجل تحقيق المشروع الاستيطاني وضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية
ويرجع المحلل العسكري الإسرائيلي رفع جيش الاحتلال من نسَق عملياته إلى المخاوف الأمنية والعسكرية من أن تصبح الضفة "ساحة معركة" مثل غزة، وجاء هذا التحول بالضبط عقب "العملية التفجيرية" في تل أبيب، وظهور السيارات المفخخة بعد أن غابت منذ الانتفاضة الثانية، حيث مثلت تلك العملية منعرجًا في تعامل دولة الاحتلال العسكري مع الضفة الغربية ككل ومخيماتها بصفةٍ خاصة.
عاملٍ آخر سياسي في تصنيف الضفة الغربية كساحة قتال ثانية يتمثّل في طبيعة الائتلاف الحاكم في إسرائيل، حيث يمتلك المستوطنون واليمين الديني المتطرف عمومًا حصةً كبيرة فيه، وبالتالي يؤثرون في الخيارات الأمنية والقرارات "السيادية".
ومن المعروف ما تمثله الضفة من أهمية وحساسية بالنسبة لهؤلاء الذين يعلنون صراحةً ضرورة ضم الضفة الغربية لإسرائيل، والقضاء على السلطة الفلسطينية كعقبة أمام مشروع الضم.
وبالتالي يرى محلل "كان 11" أنّ "الوضع في الضفة في غاية الخطورة، ليس بسبب التصعيد العسكري وحسب، بل أيضًا بسبب الإجراءات غير المعهودة في السابق، والتي قد تقدم عليها حكومة اليمين، على غرار ساحة القتال في غزة".
وتتم الإشارة في هذا السياق إلى تصريحات وزير الخارجية يسرائيل كاتس، التي دعا فيها إلى إجبار سكان فلسطينيين على النزوح من بعض المناطق، وحصار الجيش للمستشفيات بالضفة، واستعمال المسيّرات بشكل يومي لأغراض هجومية واستخباراتية.
بناءً على هذه التصريحات يرى أكثر من محلل عسكري إسرائيلي أن الضفة الغربية قد تعرف عمليات عسكرية غير معهودة، خاصةً أن جيش الاحتلال حسب محلل "قناة كان 11" قد "نزع الكفوف، ويتجه نحو استعمال أكثر للقوة العسكرية، وهي الأساليب التي لا تختلف كثيرًا عما يفعله بغزة".
ويذهب المحلل السياسي الإسرائيلي عكيفا ألدار إلى القول إنّ "حكومة اليمين المتطرف توظّف العمليات العسكرية في الضفة من أجل تحقيق المشروع الاستيطاني وضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، وهو الهدف المعلن للعديد من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي".
وبحسب المحلل، لا يمكن بحالٍ من الأحوال "عزل التصعيد العسكري في الضفة الغربية عن المشروع السياسي لهذه الحكومة الرافض لأي تسوية مع الفلسطينيين"، وبالتالي من المحتمل بقوة، حسب ألدار، أن نشهد "المزيد من الإجراءات والتصعيد بالقوة، واستعمال الأسلحة بضغط من وزراء أحزاب اليمين، الذين يدفعون نحو خطوات لم نعهدها بالسابق من أجل حسم الصراع".
ومن شأن استمرار العملية العسكرية بقوة أن تؤدي إلى نزوحٍ قسري للفلسطينيين، "وإلى سياسة الإبعاد، وإحكام الحصار وتقطيع أواصر التواصل الجغرافي بين التجمعات السكنية الفلسطينية، لتتحول إلى غيتوهات محاصرة بالمستوطنات والمعسكرات والحواجز العسكرية".