07-نوفمبر-2024
الترامبية والحزب الأحمر

(NYTIMES) مؤيد لترامب يحمل علمًا كتب عليه: القواعد تغيرت

تظهر نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية أن الولايات المتحدة تتحول تدريجيًا إلى الأغلبية الجمهورية، على الأقل هذا ما يتضح لنا من سيطرة الحزب الأحمر على مجلس الشيوخ، مع إمكانية الفوز بأغلبية مقاعد الكونغرس. هذه النتائج غير المسبوقة التي حصل عليها الجمهوريون في الانتخابات الحالية، تتفق مع جميع التحليلات في النصف الثاني من الكرة الأرضية على أن الرئيس الأميركي المنتخب حديثًا، دونالد ترامب، نجح في إعادة صياغة سياسة حملته الانتخابية، متجاهلًا الانتقادات التي وجهت إليه من قبل أعضاء جمهوريون.

كان ترامب واضحًا في "خطاب النصر" عندما أشار إلى أن هذه الانتخابات مثّلت "إعادة تنظيم تاريخية" للحزب الجمهوري، في إشارة إلى التنوّع بين الناخبين الذين صوتوا له "النقابيين وغير النقابيين"، والأميركيين من أصول أفريقية ولاتينية وعربية. تصويت وصفه ترامب بأنه "اتحاد المواطنين من جميع الخلفيات حول جوهر مشترك من الفطرة السليمة"، ويُنظر إليه على أنه إعادة تشكيل لهيكلية الحزب الجمهوري من الداخل.

إعادة تشكيل سياسات الحزب الجمهوري داخليًا

ليس غريبًا القول إن ترامب واجه معارضة جمهورية عندما كشف عن مخططات الترشّح لانتخابات الرئاسة لعام 2024، إذ إن الرجل كان يواجه تهمًا بمحاولة الانقلاب على الديمقراطية الأميركية، بعدما رفض نتائجها، وشجع على اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني/يناير 2020. وفي الوقت الذي حاول الكثير من خصومه الجمهوريين دفعه إلى مغادرة العمل السياسي، أعلن الرجل أنه سيخوض سباق الانتخابات الرئاسية، واستطاع بفترة وجيزة إقناع الجمهوريين ببرنامجه السياسي، مطيحًا بالسياسيين التقليديين في الحزب.

أعاد دونالد ترامب صياغة سياسة حملته الانتخابية متجاهلًا الانتقادات التي وجهت إليه من قبل أعضاء جمهوريين

قبل اختيار ترامب مرشحًا رسميًا للجمهوريين، كانت الأنظار تتجه إلى مجموعة من الأسماء التي برز نجمها خلال الولاية الأولى لترامب في البيت الأبيض، من بينهم نائب ترامب، مايك بنس، والسفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، وحاكم ولاية فلوريدا، رون دي سانتيس، لكن هذه الأسماء المعروفة بتاريخها السياسي لم تستطع إنهاء قبضة ترامب على الحزب الجمهوري، بل على العكس وجدت نفسها خارج دوائر السياسة التقليدية للحزب التي تعمل وفق خطوط محددة لا يمكن تجاوزها.

ضمن هذا السياق، ومن بين الأمور التي توضحها شبكة "CNN" الأميركية، رفض ترامب حضور حتى لو مناظرة واحدة خلال الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، بل على العكس جعل خصومه يخوضون معركة فيما بينهم لإقناع الناخب الجمهوري بأنهم البديل الأفضل عن ترامب. وفي المقابل كانت حملة ترامب الانتخابية تبيع المنتجات التجارية التي تحمل صورته، والتي كان أشهرها نجاته من محاولة الاغتيال الأولى، فضلًا عن تعزيز موقفه بأنه الشخص الوحيد القادر على هزيمة الديمقراطيين، وإعادة السلطة لـ"الشعب".

أيضًا هناك عامل مهم ساعد ترامب في السيطرة على الجمهوريين، إذ إن حملته الانتخابية صرفت جزءًا من وقتها للإطاحة برئيسة اللجنة الوطنية للحزب، رونا ماكدانيال، على الرغم من أنها جاءت إلى هذا المنصب بعد توافقها مع ترامب، لكنها لم تحظَ بالشعبية المطلوبة لديه، وعقب استقالتها توجه أنصار حركة "أميركا أولًا" المؤيدة لترامب إلى منصات التواصل الاجتماعي للاحتفال بهذا الإنجاز.

فعليًا ما عمل عليه ترامب خلال السنوات الأربع الماضية، كان إعادة بناء سياسة حملته الانتخابية، مستفيدًا من أخطاء الحملتين السابقتين، وتحديدًا الحملة الانتخابية لعام 2020، فهو قبل كل شيء دفع بمؤيديه لاستلام المناصب الرئيسية في الحزب لدعم رؤية حملته الانتخابية، ثم وجه تركيزه على الولايات المتأرجحة كما درجت العادة، وبدلًا من ذلك توجه إلى القاعدة الانتخابية الرئيسية التي يستهدفها الديمقراطيون عادة في حملاتهم الانتخابية.

تشير "CNN" إلى أن ترشح ترامب الثالث للبيت الأبيض جاء بعد أيام من هزيمة الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022. هزيمة اتهمه خصومه السياسيين بالتسبب بها، لعدم دعمه مرشحي الحزب، وأعادوا التذكير بتداعيات هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول، وما رافقه من تهم جنائية، ورغم ذلك واصل ترامب سعيه الترشح للانتخابات الحالية، متجاهلًا الأصوات الجمهورية المعارضة لذلك، واستطاع جذب أصوات جديدة لم تكن ضمن دوائر الجمهوريين سابقًا.

ما بين الترامبية وعقيدة الجمهوريين

منذ البداية عملت حملة ترامب على إعادة تشكيل التحالفات السياسية، كما ترى الشبكة الأميركية، فقد عمل ترامب على التواصل مع الدوائر الانتخابية التي عادة ما تكون مؤيدة للديمقراطيين، بما في ذلك النقابات العمالية، ومجتمعات السود واللاتينيين في الولايات المتأرجحة على وجه الخصوص، فضلًا عن زيارته للمناطق المهمشة التي لم تكن سابقًا ضمن دوائر الجمهوريين الانتخابية.

توضح تقارير صحفية أن أحد العوامل التي ساعدت ترامب على تنفيذ هذه الاستراتيجية كانت من خلال إنشائه تحالفًا متعدد الأعراق. تظهر نتائج الانتخابات الأخيرة أن وجهة نظر ترامب كانت صحيحة، فقد حصل على أصوات 20 % من الرجال السود، بعدما كان نصيبه منها 12 %، وبالمثل صوت له 54 % من اللاتينيين، بعدما كانت أصواتهم تتوقف عند 45 %، أما بالنسبة للشباب فقد رفع نسبتهم من 35 % إلى 42 %.

تبرز على هذا الجانب مجموعة من العوامل التي مهدت الطريق أمام ترامب للسيطرة على الحزب الجمهوري، أولها عدم الاعتماد على الحملات الانتخابية التقليدية، وبدلًا من ذلك لجأ إلى بناء التحالفات مع المنظمات والمؤسسات الداعمة، وكذلك توجه إلى الناخبين في اللقاءات الإذاعية، برامج البودكاست، وعبر منصات التواصل الاجتماعي بشكل مكثف، واستثمرها لمهاجمة المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، بتهم مختلفة وخطابات شعبوية.

ثانيًا، تجاهل ترامب الانتقادات التي وجهها عديد الجمهوريين للغة التي يستخدمها في مهاجمة خصومه السياسيين، وبدلًا من ذلك حوّل ترامب هذا الهجوم إلى "علامة مميزة"، كما يقول موقع "ذا هيل"، جعلت عدد كبير من الجمهوريين يستخدمونها في مناظراتهم مع خصومهم السياسيين، لكن بالنسبة لترامب كانت الصورة الأكبر هي "الفوز بالانتخابات بأي ثمن"، وفقًا للاستراتيجي الجمهوري المؤيد لترامب، فورد أوكونيل.

ثالثًا، شكك ترامب منذ صعوده السياسي في عام 2016 بشرعية المؤسسات سواء السياسية أو الإعلامية، والتي كانت تُعد من الركائز الأساسية للديمقراطية الأميركية التي لا يمكن الاختلاف عليها، حتى أنها كانت تعتبر جزءًا من عقيدة الجمهوريين، لكن ترامب أعاد تشكيل هذه السياسة، والتي يرى جزء من المحللين الجمهوريين أنها مثال واضح على نفوذ ترامب في الحزب الأحمر.

رابعًا، هاجم الديمقراطية الأميركية بعد إثارته مزاعم تزوير الانتخابات، الأمر الذي وصف بأنه "محاولة أنانية للتمسك بالسلطة على حساب الديمقراطية الأميركية"، لكن للعلم فكرة "تزوير الانتخابات" كان يؤمن بها 60 % من الجمهوريين، وهي نسبة كافية لجعله مسيطرًا على الحزب، كما تبناها العديد من المسؤولين الجمهوريين. وهي ترتبط بالنقطة الخامسة التي تركت مساحة صغيرة لمعارضي ترامب داخل الحزب، بعدما أجبر الأعضاء على الاختيار بين الولاء المطلق لسياساته أو الطرد.

أخيرًا، استطاع ترامب أن يغيّر وجهة نظر الحزب الجمهوري على مستوى السياسة الدولية، وذلك من خلال الوعد الذي قطعه بجعل "أميركا أولًا"، عبر إعادة تقييم التحالفات الدولية بناء على المصلحة الأميركية الخالصة، ولاحقًا حوّل هذا النهج إلى جزء من "العقيدة الجمهورية"، مبتعدًا بذلك عن نهج الرؤساء الجمهوريين السابقين الذين تبنوا سياسات التجارة الحرة، وتعزير التحالفات مع الدول الغربية، على عكس ترامب الذي يرى أن هذه التحالفات يجب أن تخدم مصالح الولايات المتحدة قبل الدول الحليفة.