وقعت وزارة الدفاع الروسية مع فصيل جيش الإسلام بسوريا، يوم السبت الماضي، اتفاقًا لوقف الأعمال القتالية في منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق. ويُعتبر الفصيل الذي وسمته موسكو بـ"المعتدل"، واحدًا من بين ثلاثة فصائل معارضة على الأقل تملك تواجدًا في منطقة الغوطة الشرقية، من بينها فيلق الرحمن الذي يخوض معارك عنيفة على جبهتي بلدة "عين ترما" وحي "جوبر" الدمشقي شرقي العاصمة في محاولة من قوات الأسد والمليشيات الأجنبية المدعومة من إيران، فصل الجبهتين عن بعضهما لتشتيت مقاتلي الفيلق الذي وصل في وقت سابق من العام الجاري إلى شوارع رئيسية في قلب دمشق لأول مرة منذ ثلاثة أعوام.
اتفاق القاهرة.. تفاصيل وخروقات ومفاجآت
حسب ما أوضحت وزارة الدفاع الروسية، فإن وقف الأعمال القتالية المُوَقّع مع فصائل معارضة وصفتها بـ"المعتدلة"، نص على اتفاقات حول آلية عمل منطقة خفض التصعيد في الغوطة الشرقية، وأبرم برعاية مصرية خلال مباحثات استضافتها القاهرة. لكن مصدرًا عسكريًا في نظام الأسد صرح لوكالة الأنباء العربية السورية (سانا) التابعة للنظام، بأن الاتفاق شمل "عددًا من مناطق الغوطة الشرقية بريف دمشق"، دون أن يذكر أن الاتفاق ضم جميع مناطق الغوطة الشرقية، التي يتقاسم السيطرة عليها جيش الإسلام وفيلق الرحمن.
لأوّل مرة بشكل مُباشر تدخل مصر خط الأزمة السورية، باستضافتها اتفاق وقف الأعمال القتالية في الغوطة الشرقية
ووفقًا لوكالة سبوتنيك الروسية، فإنّ مصدرًا في وزارة الدفاع الروسية أكّد توقيع جيش الإسلام على الاتفاقية دون أن يوقع عليها فيلق الرحمن. واليوم الإثنين، تحدث مسؤول في هيئة الأركان الروسية، بأن بلاده أنشأت نقطتي تفتيش للشرطة العسكرية الروسية، وأربع نقاط مراقبة في الغوطة الشرقية، فيما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مقاتلات النظام خرقت الاتفاق المبرم بشنها تسع غارات جوية خلال 48 ساعة الماضية على بلدة "عين ترما" التي يسيطر عليها فيلق الرحمن، وغارتين مماثلتين على مدينة دوما التي تعتبر معقل جيش الإسلام في المنطقة.
اقرأ/ي أيضًا: مرة اُخرى.. جيش الإسلام يفتح نيرانه على فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية
وبرزت مفاجأة مختلفة عن رعاية مصر للاتفاق، وهي إعلان تيار "الغد السوري" المقرب من القاهرة، وأبوظبي ومحمد دحلان، أنه كان وسيطًا في توقيعها، إذ قال المتحدث باسم التيار منذر أقبيق، أن رئيس التيار أحمد الجربا كان وسيطًا في اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين النظام والمعارضة في سوريا. ويعتبر "الغد السوري" أحد أبرز الأطراف المؤسسة لما يعرف بمنصة "القاهرة" للمعارضة السياسية، فيما يشكل حزب "الإرادة الشعبية" بقيادة قدري جميل الطرف الوحيد لمنصة "موسكو" في مفاوضات المعارضة والنظام.
هل ينجح اتفاق التهدئة في الغوطة الشرقية؟
كان من بين الأسئلة المطروحة بعد إبرام الاتفاق، إن كان ثمّة إمكانية لنجاحه بالاستناد لاتفاقات سابقة كان مصيرها الفشل. وجاء الاتفاق بعد 15 يومًا من تقديم المجلس العسكري في دمشق وريفها، مبادرة لتوحيد فصائل المعارضة في منطقة الغوطة الشرقية، والتي تهدف حلّ جميع الفصائل لنفسها، واندماجها ضمن كيان عسكري موحد.
إلا أن وسائل إعلام محلية أكدت على فشل المبادرة بعد تشكيك فصيلي جيش الإسلام وفيلق الرحمن في نوايا بعضهما، وتبادلهما الاتهامات بمحاولة السيطرة بشكل منفصل على القرار العسكري في المنطقة. هذا ومن المعروف أن الهجوم الأخير الذي شنه فيلق الرحمن على تحصينات قوات الأسد في دمشق، لم يلقَ مؤازرة من جيش الإسلام، وتمكّن خلاله الفيلق من التقدم إلى شارع "فارس خوري" في منطقة ساحة "العباسيين" التي تعتبر معقلًا بارزًا للمليشيات الأجنبية. وفي المقابل شنّ جيش الإسلام هجومًا على مواقع فيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام في الغوطة الشرقية، ما دفع إلى توقف هجوم الفيلق على قوات الأسد.
وعليه فإنّ اتفاق التهدئة الأخير، من المرجح أن يكون مصيره الفشل بسبب الاقتتال الدائر بين الفصائل في منطقة الغوطة أولًا، والتوقيع عليه من قبل فصيل واحد مستثنيًا الفيلق الذي شهدت مناطقه قصفًا جويًا، الأمر الذي قد يساهم في رفع حالة الاحتقان الشعبي ضد جيش الإسلام، خاصةً بعد إطلاق عناصره الرصاص الحي على المتظاهرين الداعين لوقف الاقتتال بين الفصائل، علمًا أن الغوطة الشرقية هي من ضمن المناطق الخمس المشمولة بمذكرة اتفاقية تخفيف التصعيد المتفق عليها في اجتماع "أستانا 4".
وكان سفير دولة قطر في روسيا، فهد بن محمد العطية، قال لوكالة سبوتنيك الروسية، بعد يوم واحد من اتفاق التهدئة في الغوطة الشرقية، إن بلاده على استعداد أن تقدم منصة للمفاوضات بين أطراف الأزمة السورية، لافتًا إلى أن قطر عُرفت خلال الأعوام ال 12 الماضية بدورها كوسيط في النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط، وهو ما يمثل فرصة جديدة بالوصول لحل سياسي ينهي الأزمة السورية المستعصية على دول العالم منذ ستة أعوام.
الدور المصري في اتفاق التهدئة
قبل إطاحة عبدالفتاح السيسي بالرئيس الأسبق محمد مرسي في 30 حزيران/يونيو 2013، كانت مصر تدعم مطالب المعارضة السورية وعلى رأسها إسقاط رئيس النظام السوري بشار الأسد أو تنحيه عن السلطة، لكن الحال اختلفت مع وصول السيسي إلى السلطة، كونه أحد أبرز مجهضي ثورات الربيع العربي، ضمن موجة الثورات المضادة.
بعد الإطاحة بمرسي تحوّل الموقف المصري إلى دعم النظام السوري، ضمن الإطار العام لموجة الثورة المضادة التي يعد السيسي أبرز قادتها
ومنذ الإطاحة بمرسي تحدثت العديد من التقارير عن دعم نظام السيسي للنظام السوري ضد المعارضة، وقد اتضح ذلك في عدة مواقف، مثل ما حدث في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حين كشفت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري، عن إجراء رئيس مكتب "الأمن الوطني" في النظام السوري، علي مملوك، زيارًة للقاهرة التقى فيها رئيس المخابرات العامة المصرية خالد فوزي، كان الهدف منها "تنسيق المواقف السياسية بين البلدين".
اقرأ/ي أيضًا: وداعًا للثورة.. أهلًا بتقاسم "تركة" سوريا الميتة
وزيارة علي مملوك الذي شغل سابقًا منصب رئيس فرع "أمن الدولة" سيئ السمعة، جاءت بعد عام من زيارة أجراها إلى الرياض، التقى خلالها مسؤولين سعوديين لم تفصح صحيفة الحياة السعودية عن هويتهما، لكنها نوهت أن الزيارة جرت بعد 20 يومًا من لقاء جمع محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سان بطرسبورغ الروسية، كما أن تقارير صحفية منفصلة تحدثت عن إجراء مملوك زيارتين خلال عام 2015 للعاصمة الأردنية عمّان التقى فيها مسؤولين أردنيين.
وبعد نحو شهر من زيارة مملوك للقاهرة، قال السيسي بشكل واضح في حوارٍ مع التلفزيون البرتغالي، إن بلاده تدعم النظام السوري ضد من وصفهم بـ"المجموعات الإرهابية". وبعد اللقاء المتلفز بثلاثة أيام كشفت صحيفة السفير اللبنانية عن وجود 18 طيارًا مصريًا في مطار "حماة" العسكري، وقالت إن لقاء تقييميًا جمع لوائين مصرييم مع ضباط من الفرقة الخامسة في الجيش السوري، عُقد في مقر الفرقة بمدينة "أزرع" بريف درعا جنوب سوريا قرب الحدود مع الأردن.
من هذا المنطلق يُمكن القول إنّ مصر تسعى من خلال رعايتها للاتفاق، أن تكون لاعبًا جديدًا في الأزمة السورية، لكن إلى جانب التحالف الداعم لنظام الأسد، كما أنها تملك موقفًا موافقًا لتوجهات دولة الإمارات المنفصلة عن القرار السعودي المنادي برحيل الأسد عن السلطة، أو هكذا كان. فللإمارات موافقة إيجابية مسبقة على التدخل الروسي عسكريًا في سوريا.
كما تلتقي مصالح السيسي مع الأسد من ناحية القضاء على انتفاضات الربيع العربي الداعية للتحول الديمقراطي في المنطقة العربية. ويلحظ أن معظم الدول العربية التي سقط حكامها كان تخلي المؤسسة العسكرية عن نظمها عاملًا أساسيًا في سقوطها، السبب الذي جعل السيسي يدعم نفوذه ببسط سلطته على قرار المؤسسة العسكرية المصرية، كما أنه تطرق في كلمات سابقة لما يحدث في سوريا، محذرًا المصريين بنموذج مشابه في حال تخلوا عن دعم المؤسسة العسكرية ضد حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة عبر صناديق الاقتراع.
ويشترك السيسي مع الأسد في مزاعم الحرب على الإرهاب، في حين تُروّج مصر لبقاء الأسد، ومعها الإمارات، أو على الأقل يصطفان في هذا الخندق، ولا عجب مع دعم الإمارات المشهود للثورات المضادة، سواءً المتمثلة في الإطاحة بمرسي، أو في دعم خليفة حفتر بليبيا أو المحاولات الفاشلة في تونس.
تلتقي مصالح السيسي مع الأسد من جهة القضاء على ثورات الربيع العربي، وتدعيم الأنظمة القديمة أو الانقلابات والثورات المضادة
ولا يمكن إخفاء أن السيسي يلعب على وتر تلقيه دعمًا من إيران من خلال وقوفه إلى جانب الأسد، فطهران تعتبر الدولة الإقليمية رقم واحد الداعمة للنظام السوري، وأثبتت تقارير روسية سابقة أن موسكو لا يمكنها ردع تجاوزات المليشيات الإيرانية كونها القوة العسكرية الأولى على الأرض، حيثُ أنها تدعم النظام السوري بأكثر من 100 ألف مقاتل يتوزعون على كامل الخارطة العسكرية السورية.
اقرأ/ي أيضًا: الثورة المضادة.. والطريق المسدود
وعليه فإن دعم السيسي للأسد يجعله مقربًا من حكومة طهران رغم اختلافها مع دول الخليج وواشنطن، الأمر الذي يجعله ممسكًا بزمام سلطته بتحالفات مع دول لديها خلافات حادة فيما بينهما على الساحة الدولية، لذا فإن رعاية القاهرة للهدنة يمكن اعتباره مرحلة أولى في سبيل جلوسها على طاولة المفاوضات كدولة ضامنة إلى جانب الدول التي تقود مفاوضات جنيف وأستانا على حساب الدم السوري المسفوك.
اقرأ/ي أيضًا: