"الشعب يريد تحرير فلسطين"، "الشعب يطالب بقانون يجرم التطبيع مع إسرائيل"، شعارات يتبناها جل السياسيين وصناع الرأي في تونس تقريبًا، ظاهريًا على الأقل. يرددونها أمام وسائل الإعلام وفي ملتقياتهم وتظاهراتهم. هي شعارات تعود لعشرات السنين لكن على المستوى الملموس لا شيء تغير، فتونس كانت ولا تزال صديقة الشعب الفلسطيني، البعيدة جغرافيًا والقريبة منه خاصة شعبيًا، وحسب استطلاع المؤشر العربي التابع للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 6% فقط من التونسيين يوافقون على الاعتراف بإسرائيل.
لا ينخرط ساسة تونس في قوانين تجرم التطبيع بشكل ملموس ولا يمانعون تسهيل مرور بعض الإسرائيليين لحج الغريبة ولا بعض التونسيين لإسرائيل
كما أن تونس لا تقيم علاقات دبلوماسية واضحة وصريحة مع الكيان المغتصب لكن حكامها على اختلافهم قبل الثورة وبعدها لا يحبون المشاكل في هذا السياق، ويتجنبون غضب المؤسسات المالية الدولية والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرها من الدول العظمى. يقول البعض إن السلطات التونسية تعرف حجم البلد وتوازنات الوضع العام أو هم ربما يتعرضون لضغوط اقتصادية لكن النتيجة على كل حال واحدة، إذ لا ينخرط ساسة تونس في قوانين تجرم التطبيع بشكل ملموس ولا يمانعون تسهيل مرور بعض الإسرائيليين لحج الغريبة أو للسياحة ولا بعض التونسيين لإسرائيل في إطار أنشطة مختلفة.
هي على الأرجح إذًا مزايدات لا أكثر يعلو السقف أحيانًا وينزل في أحيان أخرى، ما تغير بعد الثورة أساسًا، في هذا السياق، أن الحديث عن الموضوع صار ربما بأكثر حرية ووفق معطيات أوضح لكن ثورة تونس لم تنجح في إحداث تغيير على أرض الواقع في علاقة بدعم القضية الفلسطينية. كل هذا الجدل عاد إلى الواجهة مجددًا في تونس بعد تقديم كتلة الجبهة الشعبية بمجلس نواب الشعب مشروع قانون لتجريم التطبيع وأيضًا مع تعيين وزير خارجية جديد كان يشغل خطة رئيس مكتب العلاقات مع الكيان الصهيوني في تل أبيب زمن بن علي وتحديدًا في تسعينيات القرن الماضي.
مشروع قانون يجرّم التطبيع.. لن يمر؟
عديدة هي مطالب التنصيص على تجريم التطبيع مع إسرائيل في تونس سواء في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة سنة 2011، أو في دستور الجمهورية الثاني بعد ذلك أو في قوانين خاصة، الهدف بعد الثورة مباشرة كان أن ينص الدستور التونسي على ذلك لكن باءت كل المحاولات بالفشل إذ لم يحظ المقترح بموافقة أغلبية برلمانية ورفضته كتلة النهضة، الكتلة الأكبر حينها بالمجلس الوطني التأسيسي. أما الحجة فهي أن الدستور يهم الشأن الداخلي للبلاد وأن تجريم التطبيع يجب أن يفرد بقانون خاص.
في هذا السياق، اقتصر الدستور التونسي على ما جاء في نهاية توطئته "..وانتصارًا للمظلومين في كل مكان، ولحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرر الفلسطيني، ومناهضة لكل أشكال الاحتلال والعنصرية..".
منذ شهرين تقريبًا، قدمت كتلة الجبهة الشعبية مشروع قانون يتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وذلك إلى مكتب مجلس نواب الشعب، مشروع القانون هذا لم يمرر إلى الآن إلى لجان المجلس للتداول فيه وطبعًا لم يمر بعد إلى المصادقة عليه في جلسة عامة، والأرجح أنه لن يمر، حسب مراد الحمايدي، النائب بمجلس نواب الشعب عن الجبهة الشعبية والمقرر المساعد الثاني للجنة التشريع العام.
ويضيف الحمايدي لـ"الترا صوت": "تأخر تمرير مشروع القانون للتداول وقد يعود ذلك إلى حجم القوانين المدرجة على جدول أعمال المجلس ولكن خاصة لأن الأغلبية الحاكمة اليوم، النداء والنهضة، لا يرون ضرورة في عرضه على الجلسة العامة، بل لا يرون ضرورة للخوض في المسألة أصلًا، إنهم يحاولون إرجاء الموضوع لا أكثر".
لطيفة الحباشي، نائب رئيس لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب والنائب عن حركة النهضة، أكدت بدورها لـ"الترا صوت": أن "مشروع القانون المتعلق بتجريم التطبيع لم يصل لجنة التشريع العام، لكنها لم تنف إمكانية أن يتأخر مكتب المجلس في تمرير مشروع القانون"، وهو ما حصل أيضًا عندما تم اقتراح مشروع قانون في نفس السياق خلال عمل المجلس الوطني التأسيسي ولكنه لم يمرر للمصادقة إلى نهاية فترة أشغال المجلس.
ممثل بن علي لدى إسرائيل.. وزيرًا للخارجية!
الجدل عاد مجددًا خلال التحوير الوزاري الأخير في تونس، إذ تم تعيين خميس الجهيناوي وزيرًا للشؤون الخارجية. وقد سبق للجهيناوي أن شغل خطة رئيس مكتب العلاقات مع الكيان الصهيوني في تل أبيب زمن بن علي وتحديدًا في التسعينيات. يحظى الجهيناوي بثقة الرئيس قائد السبسي فقد قام بتعيينه في عدة مناصب متتالية رغم كل الانتقادات التي طالته، إذ اضطلع حتى التحوير الوزاري الأخير بمنصب مستشار دبلوماسي لرئيس الجمهورية، وقبل ذلك بمنصب كاتب دولة للخارجية في الحكومة الانتقالية الأولى بعد الثورة والتي ترأسها حينها قائد السبسي.
انتقدت منظمات حقوقية هذا التعيين ومنها "الحملة الشعبية التونسية لمناهضة التطبيع مع إسرائيل ومقاطعتها" وعدد من الأحزاب والقادة السياسيين. وفي جلسة لمجلس نواب الشعب، يوم 11 كانون الثاني/يناير الجاري، خصصت لمنح الثقة للوزراء الجدد في حكومة الحبيب الصيد، اعترض عديد النواب على تعيين القائم بالأعمال التونسية في تل أبيب سابقًا وزيرًا للخارجية وطالبوا بالتراجع عن ذلك.
في هذا السياق، وخلال جلسة منح الثقة، قال سالم لبيض، النائب في مجلس نواب الشعب عن حركة الشعب (حزب معارض)، موجهًا خطابه إلى رئيس الحكومة: "سيسائلكم التاريخ عن تعيينكم لوزير الخارجية، أنا لا أدينه في شخصه، لكني أقول قس بالمثل لو هناك في الدولة الصهيونية شخص قد اشتغل مع ألمانيا النازية هل سيسمح له أن يكون في حكومة إسرائيلية؟ أنا أستحلفكم باسم الوطنية والعروبة والإسلام وباسم كل القيم الإنسانية ألَّا تقبلوا بوزير خارجية اشتغل مع دولة الكيان الغاصب". كما انتقد غازي الشواشي، القيادي في حزب التيار الديمقراطي (حزب معارض)، تعيين الجهيناوي ووصف التعيين "بالعار على الثورة التونسية".
من جانبه، رد خميس الجهيناوي، وزير الشؤون الخارجية الجديد، لوسائل إعلام محلية أن "فتح مكتب العلاقات في تل أبيب كان بطلب من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بهدف تشجيع الطرف الإسرائيلي على مواصلة مباحثات السلام حينها".
تونس.. تطبيع اقتصادي وثقافي أيضًا!
لا يتعلق الأمر بوزير الخارجية الجديد فقط وعمله المشبوه في الكيان الصهيوني منذ سنوات إذ تضم حكومة الحبيب الصيد منذ تشكيلها في شباط/فبراير الماضي، وزيرة متهمة بـ"التطبيع الاقتصادي" وهي امرأة الأعمال ووزيرة السياحة سلمى اللومي. وجاء في بيان للـ"حملة الشعبية التونسية لمناهضة التطبيع مع إسرائيل ومقاطعته" أن "سبق أن زارت اللومي الكيان الصهيوني قبل الثورة في إطار مشاريعها التجارية".
وزيرة السياحة السابقة، في حكومة مهدي جمعة، آمال كربول أثارت جدلًا طويلًا أثناء فترة تسلمها منصبها الوزاري ويعود جزء من الجدل إلى زيارتها السابقة إلى إسرائيل سنة 2006، زيارة أكدها رئيس الحكومة حينها موضحًا أن الأمر يتعلق بزيارة ليوم واحد في إطار دورة تكوينية من تنظيم برنامج الأمم المتحدة".
تضم حكومة الحبيب الصيد في تونس أكثر من وزير متهم بالتطبيع مع الكيان الصهيوني
في الأثناء وفي شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، شاركت يمينة ثابت، وهي ناشطة في المجتمع المدني التونسي ورئيسة الجمعية التونسية لمساندة الأقليات، في برنامج على قناة i24 الصهيونية واعتبر ذلك سابقة في تونس، وكانت الناشطة الشابة قد نفت لاحقًا علمها بهوية القناة التلفزيونية.
وخلال السنة الماضية، تداول التونسيون بكثرة أخبار وكالات الأسفار التي تهتم ضمن أنشطتها بتنظيم رحلات إلى الكيان الصهيوني، وارتفع الجدل حول دخول سياح إسرائيلين تونس وأوضح حينها الوزير المكلف بالأمن في حكومة مهدي جمعة، رضا صفر، أن "السلطات تمنح منذ سنوات رخص المرور للإسرائيليين الذين يحجون سنويًا إلى كنيس الغريبة اليهودي في جزيرة جربة وفي بعض المناسبات الأخرى"، وأكد أنه "إجراء معمول به منذ سنوات".
قبل الثورة وبعدها.. لا شيء تغير تقريبًا!
الموقف الرسمي التونسي، قبل الثورة وبعدها، كان دائم التأرجح بين مساندة علنية مطلقة للقضية الفلسطينية وبين علاقات مشبوهة مع الكيان الصهيوني، ثبت بعضها ويبقى جزء آخر مجرد روايات يصعب إثباتها. الحكومة التونسية لا تقيم علاقات دبلوماسية صريحة مع إسرائيل، لكن عديد التقارير طالما تعرضت لتعاون تجاري وثقافي بين البلدين. في فترة من حكم بن علي، كان لتونس مكتب لرعاية المصالح في إسرائيل وتكثفت المبادلات التجارية لكن وتنفيذًا لقرار القمة العربية، قررت الحكومة التونسية غلق المكتب سنة 2000.
في 2005 أيضًا، تصاعد الجدل في تونس إثر دعوة رسمية لرئيس الوزراء الإسرائيلي حينها أرييل شارون لحضور افتتاح قمة المعلومات وهو ما أثار غضب واستنكار بعض الفاعلين في المشهد التونسي. ويظلّ احتفال اليهود في كنيس "الغريبة" بجزيرة جربة، سنويًا، من أكثر المواضيع التي تثير جدلًا خاصة وأن الاحتفالات تشهد توافد إسرائيليين أيضًا.
اقرأ/ي أيضًا: