بينما كان جو بايدن يجهزُ نفسهُ لإعلان فوزه بالمنصب الرئاسي، كانت زوجته جيل تجهز نفسها هي الأخرى لتكون السيدة الأولى للبلاد. جيل بايدن التي لا نعرف عنها كثيرًا قبلَ ترشح زوجها ليكون الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة، وغالبًا ما يتذكرها الجمهور بابتسامتها الغريبة حينما خلطَ الرئيس الأمريكي المنتخب بينها وبين أخته، ليتدارك الأمر بعدها مرتبكًا: "لقد اختلطنَ علي!"، تبقى شخصية غامضة بغياب الأضواء عنها إلى هذه اللحظة. لكن هل يمكن رسم سيرة ذاتية للساكنة القادمة للبيت الأبيض؟
بينما كان جو بايدن يجهزُ نفسهُ لإعلان فوزه بالمنصب الرئاسي، كانت تجهزُ زوجته جيل نفسها هي الأخرى لتكون السيدة الأولى للبلاد، فمن هي جيل بايدن؟
جيل بايدن.. زوجة وأم ثانية
"جيل وأنا بدأنا نتكلّمُ بجدية عن مستقبلنا المشترك، وكان عيد الفصح أول عطلة نقضيها معًا، لكن المثيرَ من الدعوات وجهت إلينا آنذاك لقضاء العطلة عندَ العائلة"، يورد جو بايدن في كتابه "Promise me, Dad"، واصفًا أول عطلة جمعتهما معًا، حيث كانت المعضلة أن يختارا المكان الذي سيقضيان فيه العطلة: عند أبوي جو أم عندَ أبويها، أم عند أبوي نايليا زوجته الأولى؟ في النهاية سيختاران السفر وحدهما مع الولدين إلى جزيرة نانتوكيت.
نعم، كان للرئيس الأمريكي المنتخب زوجة أولى اسمها نايليا، توفيت سنة 1972 في حادث سيارة هي وابنتهما الرضيعة ناعومي، تاركة له رعاية ولدين هما بو وهانتر، اللذان سعت جيل إلى رعايتهما معه منذ دخولها الأول إلى العائلة. يسلط بايدن الضوء على ذلك في ذات الكتاب، قائلًا: "أثبتت جيل نفسها كمصدرٍ للرعاية والحنان للولدين!". فيما تحكي جيل في حوار لها مع USA Today: "عندما طلبني جو للزواج، فكرت في بو وهانتر اللذين فقدا أمهما، كان تركيزي كاملًا على أن لا أجعل الولدين يفقدان أمهما الثانية". وتضيفُ "لقد أحببتهما حقًا، وكنا نقضي وقتًا طويلًا مع بعضنا، وقد دخلا حياتي حتى قبل أن أتزوج والدهما!".
تزوّج بايدن بجيل سنة 1977، وأنجب منها ابنته آشلي سنة 1981. تولى مناصب عديدة عبر مسيرته السياسية، واختيرَ كنائب رئيس لولايتين.. كل هذا والمآسي لم تكفّ عن ملاحقته. سنة 2015 سيفقدُ جو بايدن ابنه البكر، بو، إثرَ صراع مرير مع ورم سرطاني أصاب دماغه. تصف جيل ذلك قائلة: "حياتي تغيّرت في تلك اللحظة. وعلى طول ساعات مرضه، لقد آمنت حقًا بقدرته على النجاة، حتى اللحظة التي أغلق فيها عينيه، لم أتخل عن الأمل".
سيدة أولى بدوام كامل
ولدت جيل بايدن، أو جيل جاكوبز قبل زواجها، في الثالث من حزيران/ يونيو 1951، بمدينة هامونتون نيو جيرزي الأمريكية، لأسرة من خمس بنات وأب وأم. كانت أسرة جيل، حينما ولدت، تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، والدها والمعيل الوحيد للعائلة دونالد كارل جيكوبز كان موظف بنك، فيما كانت أمها بوني جين ربّة بيت.
دخلت جيل بايدن سوق العمل في سنّ صغيرة، في الخامسة عشرَ من عمرها، كنادلة مقهى، أرادت أن تكون لها حياتها وهويتها وشخصيتها الخاصة، هكذا قالت في تصريحها لموقع ديلاوير أونلاين. تزوجت للمرة الأولى سنة 1970، في زيجة لم تستمر إلا لأربع سنوات، ثم حصلَ الطلاق. لتعود بعدَ ذلك للدراسة بجامعة ديلاوير، حيث تحصّلت على بكالوريوس في الفن سنة 1975، وامتهنت بعدها تدريس مادة اللغة الإنجليزية لطلبة التعليم الثانوي، لكن دونما إخلائها مقاعدَ الدراسة الجامعية. حيث تحصّلت على ماجستير في التربية من جامعة شيستر سنة 1981، وماجستير في الفن من جامعة فيلانوفا سنة 1989، ما خوّلَ لها الانتقال إلى التدريس في جامعة ديلاوير حيث مقرّ سكناها.
سنة 2007، وعن سن الـ 55، عادت إلى الدراسة من جديد واضعة نصب عينيها الحصول على شهادة دكتوراة في التربية، التي حصلت عليها بالفعل. يومها استقبلها زوجها فرحًا: "تهانينا دكتورة! من اليوم فصاعدًا هنا تسكن الدكتورة والسيناتور بايدن!"، تقول في ذات الحوار المذكور. وفيما قضت أكثرَ من ثلاثين سنة في حجرة التدريس، فإن لا نيّة لجيل بايدن ترك تلك الحجرة، حتى وإن كانت السيدة الأولى للولايات المتحدة. "سأستمرّ في التعليم! وسأعمل على أن يقدرَ الناسُ المدرسين أكثر، وأن يساهموا في تحسين أوضاعهم!". هكذا صرحت جيل.
قاعدة السيناتور الخلفية
لطالما كانت جيل بعيدة عن الأضواء، يقول مقال نشرته نيويورك تايمز. " كانت قادرة على العيش في منأى عن الأضواء، رغم أنها كانت زوجة سيناتور. لقد كان السيد بايدن يعود إلى بيته كل يوم عبر القطار قادمًا من واشنطن، وبالتالي لم تكن هي جزءًا من مشهد العاصمة وأقل اهتمامًا به". لكن هذا لا يعني حيادها التام إزاء حياة جو بايدن السياسية، كسيناتور، كنائب رئيس وكمرشح رئاسي. ظلت جيل "القاعدة الخلفية” الآمنة للسيناتور والتي يعتمد عليها وعلى استشاراتها في كلّ خطواته.
يورد ذات المقال، أنها استقبلت فوز جورج بوش الابن بولايته الثانية بحنق شديد، محولة هذا الغضب إلى دفع لزوجها كي يخوض السباق الانتخابي سنة 2008، واستمرت في دعمه علانية حتى انسحب من السباق بعد تأهيليات أيوا. ولم تكن هي المرة الأولى التي ينسحب فيها بايدن، فقد تابعت معه الانسحاب من تأهيليات سنة 1987. فيما استشاراتها لم تخصّ زوجها فقط، فعندما كانت السيدة الثانية للبلاد، كانت "بمثابة رئيس الاستشارات بالنسبة لأوباما"، يقول مقال ثاني لنفس الجريدة.
لعبت جيل بايدن دورًا مهمًا خلال الحملة الأخيرة لنيل تأهيليات الحزب الديموقراطي، حيث انخرطت في دعمه باستماتة عبر المشاركة في المهرجانات الخطابية وحشد الأصوات إلى صالحه، ناصحة الجماهير: "ربما أنتم تفضلون مرشّحًا آخرَ، لكن صوتوا على من سيفوز على ترامب!". وبعدَ فوزه بالترشيح، خاطبت جماهير حزبها مجددًا من أكثر الأماكن قربًا إلى شخصيتها، حجرة الدرس التي مارست فيها عملها خلال السنوات الثلاثين الماضية. لم يكن هذا الاختيار عبثيًا، بل حمل دلالة ارتباطها بالمدرسة والتعليم كأحد اهتماماتها كسيدة أولى.
"لطالما أحببت حجرة التدريس.. لكنه لأمرٌ مقلق أن تتحول كل هذه الحجرة إلى شاشة حاسوب، وأنا أسمعُ قلق الآباء ومعاناتهم لتعليم أبنائهم في هذه الظروف"، قالت جيل بايدن في مستهل خطابها، وفي إشارة إلى الوضعية الصحية التي تمر بها البلاد. متخذة هذه الوضعية الصحية كأداة لدعم حملة زوجها، بالدفع بأن الأمة مفككة كما كانت أسرة زوجها مفككة، وأن اجتماع الأسرة كما اجتماع الأمة تحت قيادة جو بايدن هو السبيل الوحيد للنجاة، في مغازلة لقيمة الأسرة التي غالبًا ما يحتفظ بها المرشحون المحافظون في دعاياتهم.
اقترضت من ذكرى وفاة ابنهما بو الحكاية لتبرهن على أن لا شيء يهم غير خدمة البلاد، هكذا "وحتى عندما مات ابنه، استجمع قواه أربعة أيام بعدها، وانطلقَ للعمل" تقول. "أيقنت من أجل مَن يقوم بهذا: من أجل أن تجد البنت التي أمها مريضة بسرطان الثدي الرعاية المناسبة، من أجل طلاب الجامعات العمومية الذين يرزحون تحت القروض ويواجهون التشرّد، من أجل الطفل الذي تخدم أمه مع المارينز في العراق..". وتختم قولها بدعوة عامة إلى وضع الثقة في زوجها والتصويت لصالحه.
تتوضح معالم شخصية السيدة الأولى لأمريكا، كأم وزوجة مدافعة عن تقليد الأسرة، كمدرسة تصب انشغالها على التعليم ومشاكله، وكمستشارٍ سياسي
إذًا بهذا توضحت معالم شخصية السيدة الأولى لأمريكا، كأم وزوجة مدافعة عن تقليد الأسرة، كمدرسة تصب انشغالها على التعليم ومشاكله، وكمستشارٍ سياسي ساهمَ بشكل كبير في نجاح زوجها بكرسي البيت الأبيض.