حربٌ غير مسبوقة على الجريمة المنظمة ذات المعدلات فائقة الارتفاع في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، قد أعلنها الرئيس ميشيل تامر متدني الشعبية، لعلها تكون شفيعًا له في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في تشرين الأول/أكتوبر القادم. في السطور التالية نعرض لكم ترجمة تقرير واشنطن بوست الذي يلقي الضوء على هذه الحرب التي استُدعي لها الجيش البرازيلي.
أعلن الرئيس البرازيلي ميشيل تامر، أمس الجمعة، أن الجيش البرازيلي سيتولى الأمن في مدينة ريو دي جانيرو، بعد أن اشتدت أعمال العنف في أثناء احتفال الكرنفال بالمدينة.
لأول مرة منذ 30 عامًا يتدخل الجيش البرازيلي لفرض سيطرته الأمنية على مدينة ريو دي جانيرو التي تنتشر فيها الجريمة المنظمة
ويُعد هذا التدخل العسكري هو الأول من نوعه منذ نهاية الحكم العسكري الديكتاتوري في البرازيل عام 1988، وسيصبح ساري المفعول حتى كانون الأول/ديسمبر، على أن يصدق البرلمان البرازيلي على هذا الإجراء مطلع الأسبوع القادم.
اقرأ/ي أيضًا: من البرازيل إلى القاهرة.. قصة زواج المال والسلطة
وفي خطاب تلفزيوني، وصف ميشيل تامر نزول الجيش البرازيلي لشوارع المدينة، بأنه "إجراء استثنائي" ضروري للقضاء على الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات التي انتشرت في المدينة البالغ تعدادها السكاني 6.5 مليون نسمة، وهي ثاني أكبر مدينة في البلاد من حيث أعداد السكان. وقال تامر: "هذا يكفي، لن نسمح لهم بقتل حاضرنا واغتيال مستقبلنا".
وبعد هذا الإعلان، استقال سكرتير الأمن في المدينة. وسيكون على رأس هذا التدخل العسكري للجيش، الجنرال والتر سوزا براغا نيتو، الذي نسق الأمن بالمدينة خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2016.
هذا وقد شهدت ريو، التي اشتهرت باندلاع موجات العنف، فترة انحسار لجرائم القتل مدتها أربع سنوات في بداية العقد. ولكن مع غرق البرازيل في أسوأ ركود في تاريخها، جفت ميزانية الشرطة في المدينة، وتركت المناطق التي كانت في السابق تحت سيطرة الشرطة، لتصبح تحت رحمة العصابات المتناحرة.
وكان للارتفاع في معدلات الجريمة آثار خطيرة على السكان، ففي العام الماضي، ارتفعت جرائم القتل والاعتداء والسرقات في المدينة إلى مستويات لم تشهدها منذ 15 عامًا، فعلّقت نحو 400 مدرسة الدراسة في أوقات مختلفة بسبب العنف، وفكر نحو 70% من سكان المدينة في الانتقال للهروب من الوضع، وفقًا لاستطلاعٍ أُجري عام 2017.
العام الماضي، ارتفعت معدلات الجريمة في ريو لمستويات لم تشهدها المدينة منذ 15 عامًا، لدرجة أن 70% من سكانها فكروا بالهروب
وهذا الأسبوع، فاقت الفوضى الحدود، فقد شهدت المدينة العديد من حوادث إطلاق النار والاعتداءات على السياح والسرقات الجماعية خلال أكبر حدث تشهده المدينة، وهو الكرنفال. وفي الأثناء، وُجّهت انتقادات لعمدة ريو وحاكم الولاية على نطاق واسع، على خلفية ما حدث في المدينة، حيث تجمع ستة ملايين شخص من أجل حضور الاحتفال الذي استمر أسبوعًا، وهو الحدث الأهم الذي تشتهر به المدينة.
اقرأ/ي أيضًا: فيديو: أباطرة تجارة المخدرات
وقال روبرت موجاه، مدير معهد إيغارابي، وهو مركز أبحاث مقره ريو متخصص في القضايا الأمنية، لصحيفة واشنطن بوست، إن "عدم استعادة الأمن العام يعزى جزئيًا إلى تقصير أساسي من حاكم الولاية ورئيس البلدية، إذ لم يبديا أي اهتمام أو رغبة في الرد الجدّي"، مُضيفًا أن "التعامل الكارثي من قبل الدولة مع الأمن العام خلال كرنفال هذا العام، هو من أعراض الاهمال العميق بل الممنهج".
وقال لويز فرناندو بيزاو حاكم ولاية ريو دي جانيرو لوسائل الإعلام المحلية، إن الدولة اخطأت في تقدير حجم قوات الشرطة التي ستحتاجها المدينة في أثناء العطلة، مُضيفًا: "لم نكن مستعدين كفاية".
العنف آخذ في الازدياد في البرازيل ككل، ومعدلات القتل هناك هي من بين الأعلى في العالم، إذ تحتل البرازيل المركز الـ12 عالميًا من حيث معدلات القتل. وقد دفعت المشاكل الأمنية بمرشحين معروفين بصرامتهم في مواجهة الجريمة، مثل ضابط الجيش السابق جاير بولسونارو، إلى الواجهة في سباق الرئاسة هذا العام. وتأمل حكومة ميشيل تامتامر التي لا تحظى بشعبية كبيرة، في أن يعالج التدخل العسكري في ريو مخاوف الناخبين من العنف قبل انتخابات تشرين الأول/أكتوبر.
ورغم أنّ هذه هي المرة الـ13 التي تستدعي فيها المدينة الجيش للسيطرة على الأوضاع الأمنية، إلا أن كل المرات السابقة كانت في إطار محدود على قدر مناسبات تعرف حضور حشود كبيرة، كالألعاب الأولمبية أو كأس العالم لكرة القدم عام 2014، بينما تُعد هذه المرة الأولى من 30 عامًا، التي ينزل فيها الجيش لشوارع المدينة، ولفترة ستمتد لنحو 10 أشهر.
وبالنسبة للكثيرين، يستدعي تدخل الجيش ذكرى سيئة من الديكتاتورية في البرازيل، من آخر مرة كان الجيش مسؤولًا فيها عن العمليات اليومية لقوات الأمن في ريو. وانتقد الجنرال إدواردو فيلاس بوس، قائد الجيش، زيادة اللجوء إلى التدخل العسكري لقمع الأزمات الأمنية في جميع أنحاء البرازيل، قائلًا إن "الأمن العام يجب أن يكون من أولويات الدول".
نزول الجيش للشوارع، يستدعي لدى البرازيليين ذكريات أليمة من الديكتاتورية العسكرية التي استمرت لـ21 عامًا
وفي حين أنه لم يُعلن بعد عن تفاصيل التدخل، تأمل الحكومة في أن تساعد الميزانية الأكثر فعالية، والموارد المتاحة، في السيطرة على أمن المدينة. وقال وزير الدفاع راؤول جونغمان، إن "السكان سيشهدون نظامًا أمنيًا أكثر قوة مع قدرة تشغيلية أكبر وذكاء أكثر تكاملًا"، مُضيفًا: "نأمل أن يشعر الناس بأنهم أكثر أمنًا".
اقرأ/ي أيضًا:
شعوب أسقطت انقلابات.. البرازيل
رغم تسليم "إل تشابو" والحرب على المخدرات.. المكسيك أرض العصابات الخصبة