نشرت صحيفة "إل باييس" الإسبانية، أمس الأحد، تقريرًا مطولًا يستعرض معاناة السوريين في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، مع القنابل العنقودية التي يسقطها النظام السوري، ثم حليفه الروسي، على شمال البلاد منذ 2011.
تحتوي القنابل العنقودية على العشرات من القنابل الصغيرة المتفجرة التي تتناثر عند وصولها إلى هدفها. ورغم الضرر الذي تتسبب به لحظة السقوط، إلا أن خطرها لا يزول حينها، ذلك أن ما يقرب من ثلثها لا ينفجر عند الاصطدام ويتحوّل إلى خطر دائم يهدّد حياة المدنيين، وخاصةً الأطفال.
وتضمن التقرير شهادات عدد من ضحايا هذه القنابل، إضافةً إلى عاملين في منظمات وفرق متخصصة في التخلص من مخلّفات الحروب، بينهم مأمون عمر الذي يعمل في منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، وقال إنه: "لا يمر شهر دون أن ندمّر ما بين 6 إلى 10 قنابل من هذا النوع".
تسببت القنابل العنقودية غير المنفجرة التي أسقطها نظام الأسد وحليفته روسيا على المدنيين، بوفاة 382 سوريًا بينهم 124 طفلًا و31 امرأة
أصابت إحدى هذه القنابل الطفل عبد الرحمن الصفار، الذي تضررت قدمه اليمنى بسببها، وكان يبلغ من العمر حينها 4 سنوات. يقول للصحيفة: "اعتقدت أنها كرة. ولكن عندما ألقيتها على الأرض، انفجرت في ساقي وشعرت بالألم".
وقع الحادث عندما عاد عبد الرحمن برفقة عائلته إلى منزله في عام 2020. فقبل ذلك بعام، أجبرتهم الحملة التي شنها نظام بشار الأسد وحليفه الروسي على شمال غرب سوريا، على مغادرة منزلهم الذي وجدوه مليئًا بالأعشاب وحطام الحرب عند عودتهم إليهم.
وفي أحد الأيام، بينما كان يلعب في العشب، وجد عبر الرحمن شريطًا أحمر مربوط بقطعة أثرية فالتقطه، ثم وقع الانفجار. تقول والدته، البالغة من العمر 42 عامًا، للصحيفة: "سمعت انفجارًا فبدأت بالركض (...) لقد أخذناه على الفور إلى المستشفى".
وأضافت والدة الطفل أن جدتها توفيت أيضًا جراء انفجار قنبلة عنقودية عام 2019: "لم نر هذه المتفجرات من قبل في حياتنا ولم نعرف شكلها"، وتابعت: "لقد وجد زوجي العديد منها في أماكن مختلفة".
ولفت التقرير إلى أنه من دون تقديم العلاج المناسب، فإن عواقب عمليات البتر والإصابات تتفاقم بصورة مستمرة. ولا يزال عبد الرحمن يعاني من آثار الانفجار بعد مرور 4 سنوات على وقوعه، ولم تتكفل أي منظمة بتمويل علاجه، في الوقت الذي أصبحت فيه التكاليف عبئًا على أسرته بسبب الحاجة المستمرة إلى أدوية ومرطبات للعناية بمكان البتر.
ودون توفر الأدوية والمرطبات، لا تجد والدته بديلًا سوى زيت الزيتون للعناية بجرح الطفل الذي كان قبل الانفجار مليئًا بالحركة يستمتع باللعب، لكنه أصبح الآن خائفًا من كل شيء حوله.
وتعرّض طفلان آخران هما مصطفى مهنا سخوري البالغ من العمر 14 عامًا، وشقيقه عبد الله البالغ من العمر 16 عامًا، وهما جيران عبد الرحمن الصفار؛ لأضرار مختلفة وإصابات بشظايا في مختلف أنحاء جسديهما نتيجة انفجار قنبلة عنقودية عثروا عليها في الأرض المجاورة لهما. يقول مصطفى: "اعتقدنا أنها لعبة وبدأنا في تفكيكها. رماها أخي على صخرة فانفجرت عند الاصطدام"، ويضيف: "كان جارنا بالقرب منا وأخذنا إلى المستشفى".
في المقابل، يبذل المتطوعون جهودًا حثيثة ومتواصلة لإبطال مفعول هذه القنابل وغيرها من مخلّفات الحرب الأخرى، ومن بينهم ريم رحمون التي تبلغ من العمر 26 عامًا، وتعمل في فريق مأمون العمر. تقول: "لقد خضعنا لتدريبات عالية الدقة للتعرف على أنواع مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة والتعامل معها دون الإضرار بأنفسنا أو بزملائنا"، مشيرةً إلى أن عملهم يؤتي ثماره رغم الخطر، ويمنحهم السعادة أيضًا لأنهم ينقذون أرواح الناس.
أما بشأن أنواع الذخائر العنقودية، فيقول مأمون العمر إن القنابل التي يواجهونها بشكل متكرر هي "ShOAB-0.5" و"AO-2RT/RTM"، وهي الأسلحة نفسها المذكورة في تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الذي ذكر أن نظام الأسد وروسيا استخدماه على نطاق واسع في هجماتهما ضد المدنيين.
وأشار العمر إلى أن القصف المدفعي والجوي الذي يستهدف المنطقة الشمالية الغربية من سوريا، من وقت لآخر، يعيق عمليات البحث عن هذه الذخائر وتدميرها، لافتًا إلى أن الحل: "هو وقف القصف ضد المدنيين بشكل كامل وأن تبدأ الفرق المتخصصة في إزالة هذه الأجهزة بشكل آمن وعلى نطاق واسع".
ومنذ عام 2011، استخدم النظام السوري، بدعم من روسيا، أكثر من 10 نماذج من القنابل العنقودية بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي وثّقت في الفترة ما بين 2011 ونيسان/أبريل 2023 مقتل 2971 مدنيًا، بينهم 765 طفلًا و304 نساء، نتيجة انفجار الألغام الأرضية. بينما قُتل 382 مدنيًا، بينهم 124 طفلًا و31 امرأة، نتيجة انفجار القنابل العنقودية.