في اليوم الحادي عشر من كانون الأول/ديسمبر من عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين تبنّت الجمعية العامّة للأمم المتّحدة القرار رقم 194، ويشتمل على أحد عشر بندًا، البنود العشرة الأولى تدور حول الأماكن المقدّسة في فلسطين بينما ينصّ البند الحادي عشر على: "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقًا لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة".
وقد تطاول "أقرب وقت ممكن" ليتجاوز الستة وسبعين عامًا. وقد أعقب صدور هذا القرار تأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي بدأت عام 1950 تقديم خدماتها إلى حوالي 750 ألف لاجئ مسجّلين لديها. اليوم يوجد أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مسجّلين على قوائم الأونروا!! ولم تتمّ عودة أي منهم بموجب القرار 194.
ومنذ عام 2011 مع اندلاع الثورة السورية والأعوام القليلة التي تلته عند اندلاع المواجهات المسلّحة واستشراس جيش النظام في تدمير المدن والأحياء فوق رؤوس ساكنيها، بدأت موجة لجوء كبيرة للسوريين، وكانت الدول المجاورة مقصد هؤلاء اللاجئين، وأغلبهم دخلوا إلى تركيا ولبنان والأردن. وكان لوجود مليوني لاجئ سوري، حسب تقديرات لبنانية، تأثير كبير على لبنان، وبدأت تظهر دعوات لدعم الحكومة اللبنانية لتحمّل عبء استقبال هذا العدد الكبير الذي يكاد يُعادل ثلث عدد اللبنانيين. ثمّ بدأت دعوات جهات لبنانية عديدة لترحيل اللاجئين رغمًا عنهم إلى سوريا بغضّ النظر عن الأخطار التي قد يتعرّضون لها في حال عودتهم.
وقد تعاملت الأمم المتّحدة مع "النكبة" السورية بشكل شبيه بتعاملها مع النكبة الفلسطينية فأسست هيئة اسمها "المفوضّية السامية لشؤون اللاجئين" عملت على إحصاء عدد اللاجئين وتسجيلهم وتقديم معونات شحيحة لهم. مع انحسار العنف المباشر والمواجهات المسلّحة العنيفة في سوريا، علت الأصوات الداعية إلى عودة السوريين إلى ديارهم، خاصة في لبنان وتركيا، واستخدمت تركيا اللاجئين وتسهيل أو منع عبورهم إلى أوروبا ورقة في مساومات مع الاتّحاد الأوروبي لتحقيق مكاسب في علاقتها معه.
تعاملت الأمم المتّحدة مع "النكبة" السورية بشكل شبيه بتعاملها مع النكبة الفلسطينية فأسست هيئة اسمها "المفوضّية السامية لشؤون اللاجئين" عملت على إحصاء عدد اللاجئين وتسجيلهم وتقديم معونات شحيحة لهم
كذلك فعلت قوى لبنانية في مُحاولة لابتزاز الأوروبيين للتدخّل في موضوع عودة السوريين، وخطاب الأمين العام لحزب الله قبل بضعة أيام واضح، إذ دعا إلى فتح البحر أمام قوارب المهاجرين نحو أوروبا!! هذا عدا عن الخطاب الشعبوي والممارسات العنيفة التي تقوم بها قوى لبنانية لإجبار السوريين على الرحيل، وتعاون الأمن العام اللبناني في إجبار السوريين على العودة.
حجّة الجميع أنّ الوضع في سوريا مستقرٌّ أمنيًا، وفي هذا تدليس وتعامٍ عن حقيقة أنّ هذه الجموع من اللاجئين إنّما خرجت هربًا من بطش النظام والميليشيات المتعاونة معه، وهذا النظام وهذه الميليشيات ما زالت موجودة ومتحكّمة بالأمور، عدا عن المناطق المحرّرة شمال غرب سوريا والمكتظّة بأبنائها ولاجئين من مناطق أخرى.
المفارقة هنا واضحة، للاجئين الحقّ في العودة عند استتباب الأمن وتوقّف الأعمال الحربيّة، فانطلقت الدعوات والجهود لدفع السوريين للعودة رغم عدم التأكّد من أنّهم سوف يكونون آمنين في حال عودتهم، بينما لم يُحرّك أحدٌ ساكنًا في سبيل عودة اللاجئين الفلسطينيين طوال ستة وسبعين عامًا رغم توقّف "الأعمال الحربية"!
هذا نظام دولي فاشل إنسانيًا، يُؤسّس منظمات وهيئات ويُصدر قرارات ولكنّه لا يُتابع عملها ولا يُراقب أي تطوّر على الأرض، ولا يعود لإصدار قرارات ملزمة لمتابعة تنفيذ القرارات التي أصدرها سابقًا.
فإذا لاحظنا نصًّا واضحًا أصدرته مفوضّية اللاجئين بشان عودة اللاجئين السوريين: "بالنّسبة إلى المفوّضيّة، يحقّ للّاجئين العودة إلى وطنهم في الوقت الّذي يختارونه، إذا قرّروا ذلك بناءً على الغاية. يُعتبر قرار العودة فرديًّا يتّخذه اللاجئون أنفسهم. لا يعود الأمر للمفوّضيّة أو لأي فرد آخر لاتّخاذ القرار بشأن العودة نيابة عن اللّاجئين". و"تواصل المفوّضيّة أيضًا العمل مع السّلطات اللّبنانيّة والشّركاء لضمان الاستمرار في استضافة اللاجئين في لبنان الذين لم يتّخذوا قرارًا بالعودة إلى سوريا حتّى يتمكّنوا من العودة إلى ديارهم بأمان وكرامة". نجد أنّ الجميع تعامَوا عن "الأمان والكرامة" وأخذوا يعملون على إجبار اللاجئين على العودة.
سمعت كثيرًا من اللاجئين الفلسطينيين يقولون إنّهم يرغبون في العودة إلى فلسطين مهما سوف تكون ظروفهم هناك، وأنا مثلهم، أرغب في العودة إلى مدينتي في فلسطين تحت أي ظرف من الظروف، وهنا وضعي وطبيعة صراعي مع عدو استيطاني إحلالي عنصري مثل إسرائيل، يختلف تمامًا عن وضع السوريين الذين يخوضون صراعًا ضدّ نظام دكتاتوري شمولي غير وطنيّ، لن يتورّع عن فعل أي شيء فقط كي يبقى قائمًا على سدّة الحكم. بينما أنا أخوض صراع وجود شرطه الأساسيّ هو وجودي كفلسطيني وعلى أرضي كيفما كان شكل هذا الوجود.