بينما يربتُ الموت على جسد شاعرٍ ما، كما لو كان صديقًا مزعجًا لم تَحِن الصدفة أن يلتقيا، بعد كانت الحياة تدب في بعضٍ من جسدهِ أو جميعه من خلالنا نحنُ الذين نقرأ ونصغي ونستشف، ونرى انعكاسات خلجاته في ذواتنا المضرجّة بألوان خيالاته الشعرية، لا تلبث كلمة "آخ" في فم أحدنا حتى تهبط منهُ كرسالة سماوية لأرض أرواحِنا الموغلة بوجع الحياة وقسوتها، كانت الحياة كلما اعتصرت أحدًا منا كان هنالِكَ شاعر ما يشربنا ويقول عنا ما يسطّر.
كان حميد العقابي يتحسس قلقنا وقلقهُ ويكتب، كان النورس الهائم، الباحث عن شرفةٍ ما
كان حميد العقابي يتحسس قلقنا وقلقهُ ويكتب، كان النورس الهائم، الباحث عن شرفةٍ ما في "الضلع"، وكنا نحنُ "فئران التجارب" في رواية "الفئران" غير أننا فئران لسياسة دولة لا تجارب لها سوى الحروب.
اقرأ/ي أيضًا: حميد العقابي.. كتاب استعادي ومجموعة شعرية غير منشورة
وفي "القلادة" كان خيال العقابي، إضافاته، استعاراته البلاغية، ورسمه الأدبي للشخصيات أشبه بالسحر الذي أنطلى فيما بعد على صاحبهِ ليرتدي قلادته هو الآخر ويرحل.
كنت أحب كل ما يكتبه على صفحتهِ في موقع فيسبوك المملوءة باندلاقات للوطن، والأصدقاء، وأزقة بغداد القديمة. كانت لهُ مواقفه في الأدب كما كان للبعض مواقفهم منه، كان يبث ثقافة التسامح عبر المواقف الإنسانية في كل محطات الحياة التي انتهت في المنفى.
رحل حميد وهو "هدهد يلتقط الخبء من تحت الأديم". كان يتصرف كما لو أنه مسؤول عنا نحنُ الشباب، تاركًا أثرًا محمودًا فينا. كان يقول في قصيدة لهُ: "لا يقاس الرحيل بالمسافةِ أو بالزمن". وفي أخرى:
"لن أقولَ:
انتهيتُ إلى حافّةِ الأرضِ
لكنني
أتساءلُ قبلَ الوصولِ:
إذا لم أجدْكِ كما كنتُ أحلم
(ستينَ عامًا)
تُرى كيف لي أن أعيدَ خُطايْ
والقطارُ الأخيرُ مضى؟".
بِمَ يُقاس رحيلك الآن يا حميد؟! وهل مضى القطار الأخير؟ من سيشبع نهمنا لغزير أشعارك بعدما أدبرت عنّا؟
اقرأ/ي أيضًا: