منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة، يقود عدد من النشطاء والجمعيات المناصرة لفلسطين، حملات تضامنية واسعة واحتجاجات للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة ومطالبة حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتراجع عن انحيازها التام لإسرائيل. ومقابل ذلك، يتعرض هؤلاء النشطاء لهجوم مزدوج من قبل السلطات التي تدفع بتجريم عملهم ومتابعتهم جنائيًا، ومجموعات اليمين المتطرف الفاشية التي تلاحقهم وتهددهم وتعتدي عليهم.
وتُعدّ جمعية "فلسطين ستنتصر"، واحدة من هذه المنظمات الفرنسية التي تخصص نشاطها كله لمناصرة الشعب الفلسطيني، منذ تأسيسها عام 2019، ما جعلها هدفًا لتضييقات الحكومة وتهديدات اليمين المتطرف. وللحديث عن هذا الوضع، وعن برنامجها النضالي في ظل العدوان على غزة، يحاور "الترا صوت" السيد توم مارتان، الناطق باسم جمعية "فلسطين ستنتصر".
- أستاذ مارتان، منذ اللحظات الأولى لـ 7 أكتوبر، شاهدنا الرئيس الفرنسي يخرج معلنًا انحيازه الكامل لإسرائيل. من جانبكم في "فلسطين ستنتصر"، كيف تقرؤون موقف ماكرون وحكومته؟
بالنسبة لنا، دعم الحكومة الفرنسية غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي، ولنأخذ كلمات يائيل براون-بيفي، رئيسة لجنة التشريع في الجمعية الوطنية، هو أمر ليس بجديد. وفي الواقع، فإن فرنسا، بوصفها قوة استعمارية، كانت دائمًا داعمًا استراتيجيًا للاحتلال الإسرائيلي منذ خطة التقسيم في عام 1947 حتى الستينات، حيث قدمت فرنسا السلاح النووي لإسرائيل. ويستمر هذا التحالف حتى اليوم، من خلال اتفاقات سياسية واقتصادية وعسكرية ودبلوماسية… إلخ.
لذلك، فإن موقف حكومة ماكرون اليوم يأتي في سياق استمرار هذه السياسة. وهذا الاستمرار قائم نظرًا لأن إسرائيل، في النهاية، تعتبر كلبًا يخدم مصالح الغرب في العالم العربي. وفي ظل نفس السياق، تقدم الإمبريالية الغربية، كفرنسا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، غيرها، دعمها لإسرائيل. لذلك، بالنسبة لنا، هذا الانحياز ليس أمرًا مفاجئًا. ومن خلاله نرى أهمية التحرك اليوم، بالطبع، وقوفًا إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته، ولكن أولًا وقبل كل شيء، ضد تواطؤ الحكومة الفرنسية التي تدعم عملية إبادة جماعية في غزة.
الناطق باسم جمعية "فلسطين ستنتصر": فرنسا، بوصفها قوة استعمارية، كانت دائمًا داعمًا استراتيجيًا للاحتلال الإسرائيلي منذ خطة التقسيم في عام 1947 حتى الستينات، حيث قدمت فرنسا السلاح النووي لإسرائيل
- بالتزامن مع هذا انحياز حكومة ماكرون لإسرائيل، رأينا هجومًا شرسًا على الأحزاب اليسارية التي رفضت الانحياز لهذه السياسات. هل أصبحت القضية الفلسطينية أداة للتصفية السياسية في فرنسا؟
إن سياسة التجريم التي تنتهجها الحكومة الفرنسية تجاه حركة دعم الشعب الفلسطيني، تأتي في إطار مساعي هذه الحكومة للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية، وبشكل أخص الدفاع عن إسرائيل، وبالتالي أداتها المثلى في ذلك هي تجريم مناصرة فلسطين. ويتخذ هذا التجريم ثلاثة مستويات رئيسية:
أولًا، هناك التجريم باستخدام تهمة "تمجيد الإرهاب"، أي أنهم يسعون لتصنيف دعم فلسطين باعتباره دعمًا للإرهاب، وبالتالي متابعة الهيئات والأحزاب السياسية والنقابات التي تدعم فلسطين. وعلى سبيل المثال، يخضع أعضاء "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية" للتحقيق بتهمة "تمجيد الإرهاب"، وهناك أيضًا قيادي في "الاتحاد العام للعمل" في القطاع الشمالي لفرنسا، تم اعتقاله من منزله بنفس التهمة.
أما المستوى الثاني، هو أن هناك حملة تهدف إلى تصنيف معاداة الصهيونية، أي معارضة الاستعمار ومعارضة العنصرية، إلى نوع من معاداة السامية. بالنسبة لنا، هذا الإجراء خبيث بشكل خاص، لأنه يهدف إلى الخلط بين دعم لنضال شرعي، أي نضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أرضه من النهر إلى البحر، وبين العنصرية، واستخدام ذلك الخلط كوسيلة لإسكات أصوات المعارضين السياسيين.
وهناك مستوى ثالث، حيث نشهد حملة ملاحقات جنائية ضد حركة مقاطعة إسرائيل، والتي تجري منذ سنوات عديدة في فرنسا، لكنّ لا أثر لها في الواقع، لأن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، على سبيل المثال، أدانت فرنسا في حزيران/ يونيو 2020، معتبرةً أن هذه السياسة الجنائية هي مساس بحرية التعبير.
ومن جانبنا في "فلسطين ستنتصر"، لقد تعرضنا لهجوم على هذه الأصعدة الثلاث، وخاصة من خلال تفعيل إجراءات الحل والحظر في حقنا.
ونعتقد أن أفضل رد على هذه السياسة، يجب أن يكون ردًا جماعيًا من قبل جميع الهيئات التقدمية، والديمقراطية، والنقابية، والسياسية، والجمعيات التي تلتزم بالحقوق والحريات، والتي تدرك أنه من خلال تجريم التضامن مع فلسطين، في الواقع، يتم الإجهاز على جميع الحقوق الأساسية اليوم في فرنسا. وبالتالي، فإن هذه الهجمات تتعلق بالجميع، ويجب لمواجهتها تشكيل جبهة موحدة.
- وهناك أيضًا مضايقات وتهديدات يتعرَّض لها مجموعة من المناضلين الفرنسيين من طرف مجموعات اليمين المتطرف العنصرية. هل تعرضت لهذه المضايقات أيضًا؟ وهل لحكومة ماكرون دور في هذا الوضع؟
بالطبع، لقد وصلتنا تهديدات من جانب منظمات صهيونية ومجموعات اليمين المتطرف. وفي الواقع، الحكومة الفرنسية شريكة في هذا الوضع. وعلى سبيل المثال، تنشط "لجنة الدفاع اليهودية" (منظّمة صهيونية يمينية عنصرية) في فرنسا منذ 15 عامًا، ولم تخضع أبدًا لأي إجراء حل. بالمقابل، يتم حل المنظمات المناصرة للفلسطينيين. وخير دليل على ذلك هو ما وقع الأسبوع الماضي، إذ تم تأكيد حل منظمة "La Gale"، وهي مجموعة مناهضة الفاشية وتناضل ضد اليمين المتطرف في مدينة ليون والمناطق المحيطة بها. وبعد يومين، هاجم 50 فاشيًا من اليمين المتطرف اجتماعًا عامًا للتضامن مع الشعب الفلسطيني في قلب ليون. وهنا نرى بوضوح طبيعة هذه السياسة الحكومية، إذ تتساهل مع المنظمات اليمينية المتطرفة، خاصة تلك المؤيدة لإسرائيل، ومن جهة أخرى، تجرم المنظمات المناهضة للعنصرية والفاشية.
لهذا، نعتقد أنه من المهم، كما قلت سابقًا، تشكيل جبهة موحدة، لأننا في الواقع، عندما نكون معادين للصهيونية فنحن ملزمون بقوة بالنضال ضد أي شكل من أشكال الفاشية والعنصرية.
- قبل الختام، أود العودة قليلًا لما ذكرتموه عن تهمة "معاداة السامية" التي يوصم بها النشطاء والجمعيات المناصرة لفلسطين. ما هو تكتيككم واستراتيجيتكم للرد على مثل هذه التهمة؟
إجابتنا هي التأكيد على أن مناهضة الصهيونية هي مناهضة للعنصرية والاستعمار، ولا علاقة لها بمعاداة السامية. وعلاوة على ذلك، ومنذ تأسيس جمعيتنا، نحن ملتزمون بمحاربة أي شكل من أشكال العنصرية، ونناضل بشكل خاص ضد معاداة السامية، لأننا نعتبر ذلك معركة جادة ولا يجب أن يختطفها من ببن أيدينا أنصار الاحتلال الصهيوني. نحن ملتزمون بمنح الصوت، خاصة للمنظمات اليهودية المعادية للصهيونية، التي ترفض دولة إسرائيل كمشروع استعماري وعنصري، مما يبرز بأن استراتيجية ربط كل يهود العالم بدولة إسرائيل، ليست فقط استراتيجية خطيرة للغاية، ولكنها أيضًا رد فعل عنصري وتأصيلي لا يمثل الواقع؛ لأن هناك، وبشكل موضوعي، العديد من اليهود في العالم الذين يعارضون سياسات الإبادة التي تنهجها إسرائيل. وهذا شيء يجب تأكيده وتسليط الضوء عليه.
- كسؤال أخير، وفي الوقت الذي نشهد فيه إبادة جماعية في غزة، ما برنامجكم النضالي لمناصرة الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة؟
بالنسبة لنا، ما هو مهم الآن هو أن نكون حاضرين بشكل مكثّف في التظاهرات التي تُنظم في عشرات المدن الفرنسية. وهناك أيضًا مسألة أخرى يجب، في رأينا، التعبئة لها، وهي مسألة الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل، وخاصة مقاطعة الشركات الفرنسية التي تشارك مباشرة في دعم اضطهاد الشعب الفلسطيني من خلال اتفاقيات تجارية. على سبيل المثال، مجموعة كارفور الفرنسية، التي فتحت فروعًا في الأراضي المحتلة، وخلال بداية العملية العسكرية في غزة، قدمت سلال طعام لجنود جيش الاحتلال. نحن ملتزمون مع النشطاء والجمعيات الأخرى بالتعبئة لحملة المقاطعة، من خلال تنظيم أنشطة توعية، توزيع مطويات… إلخ.
وهناك عنصر آخر يبدو مهمًا لنا، وهو رمز لتواطؤ السلطات الفرنسية مع السلطات الإسرائيلية، وهو المطالبة بضرورة تحرير جورج إبراهيم عبد الله، المناضل الشيوعي اللبناني المعتقل لدى السلطات الفرنسية منذ نحو 40 عامًا، لأنه ناشط في قضية فلسطين، وقد دفع حياته ثمنًا لتفانيه في العمل على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. واليوم فإن مناصرة مقاومة الشعب الفلسطيني، يمر أيضًا عبر دعم مناضل مثل جورج إبراهيم عبد الله، الذي يقبع في سجن فرنسي. وبالتالي يجب أن يكون اسمه مرفوعًا في جميع التظاهرات من أجل فلسطين، لأنها معركة مترابطة وتطرح أيضًا مسؤولية فرنسا في هذا الوضع القائم حاليًا في غزة.