تأسست دار "الكتب خان" في القاهرة عام 2006، واتخذت حينها من "القراءة أسلوب حياة" شعارًا وهدفًا أساسيًا لها، إذ تسعى منذ انطلاقتها لجعل القراءة جزءًا أصيلًا من الحياة اليومية، وثقافة سائدة في المجتمعات العربية. خصوصًا أن فكرة تأسيس الدار ولدت لدى مديرتها ومؤسستها كرم يوسف نتيجة شغفها بالقراءة وعالم الكتاب منذ طفولتها.
تُولي "الكتب خان" الروايات والقصص أهمية خاصة، إضافةً إلى كتب التاريخ والسير والدراسات الثقافة الحديثة والمعاصرة. كما تقوم في الوقت الحالي بإصدار سلسلة ثقافية أدبية متنوعة تحت عنوان "بلا ضفاف"، التي تسعى عبرها إلى تقديم مؤلفات جديدة بعيدًا عن النمط التقليدي السائد بحسب مديرتها كرم يوسف، التي تتحدث في هذا الحوار عن بدايات تأسيس "الكتب خان" وأبرز المصاعب التي واجهتها، وواقع النشر في العالم العربي.
- متى تأسست الدار، وكيف؟ ما الذي دفعكم إلى تأسيسها؟ هل هناك عوامل وأسباب معينة، أو ربما حكاية خلف ولادتها؟
تأسست "الكتب خان" في عام 2006، وقد سبق تأسيسها فترة طويلة لتحقيق حلمٍ كان ملازمًا لي منذ الطفولة. أذكر أنني عندما بدأت القراءة في تلك الفترة، كانت أمي تجلب لي النسخ المختصرة من الكتب، وأغلبها من أعمال شكسبير. وعندما كبرت، حلمت بدراسة الأدب والحصول على الدكتوراه في أدب شكسبير حصرًا، لكن ذلك لم يتحقق كوني درست الإعلام وتخصصت فى مجال الإذاعة والتلفزيون بناءً على رغبة أمي. وبعد تخرجي في عام 1988، لم أشعر بالانتماء لهذا المجال.
كرم يوسف: النشر في عالمنا العربي لا يرقى أبدًا لمستوى الصناعة، فكل ما هنالك محاولات من أفراد أو مؤسسات لديها أهداف معينة من النشر
ومع مرور الأيام، تبلورت لدي فكرة إنشاء مكتبة ودار نشر، بحيث تعمل المكتبة كفضاء ثقافي أو كنقطة تنوير، كما كنت أحب أن أقول وأفعل أيضًا. شجعنى زوجي ولم تشجعنى أمي في البداية، لكن إخوتي والأصدقاء كانوا سعداء للغاية.
وفي الخامس من أيار/ مايو عام 2006، أبصرت "الكتب خان" النور كمكتبة ودار نشر. كانت "الكتب خان"، ولا تزال، تسعى من خلال ورش الكتابة الإبداعية، بالتعاون مع الصديق ياسر عبداللطيف، لنشر أعمال أدبية مختلفة.
- ما هي رسالة الدار؟ وهل تعتقدون أنها استطاعت تحقيقها؟
كان شعار "الكتب خان" عند انطلاقتها، ولا يزال، هو "القراءة أسلوب حياة". ونهدف من ذلك إلى أن تكون القراءة الواعية جزءًا أصيلًا من حياتنا. يهمني بشكل حقيقي نشر أعمال جيدة وجادة ومختلفة. أعمال تُثير العقل وتثير أسئلته، وتكون إضافة للقارئ بشكل حقيقي. لا أهتم بالكم، أو عدد الكتب التي تصدر كل سنة، لكن يهمني جدة العمل وجديته، ومدة مقدرته على البقاء لسنوات قادمة طويلة، يعود لها القارئ في كل وقت، أو أن يكتشفها حتى قارئ جديد لم يسمع عنا سابقًا.
هل حققنا الهدف؟ من الصعب طبعًا القول إننا حققنا كل الأهداف، لكن أعتقد أننا قدمنا ولا زلنا نقدم أعمالًا مختلفة وجميلة وممتعة، وهذا هو الهدف الأهم بالنسبة لنا.
- هل هناك كُتب معينة تفضلون نشرها؟ والأولوية بالنسبة إليكم، الكتب العربية أم المترجمة؟
الكتب الأدبية تأتي على رأس قائمة الكتب التي نهتم بنشرها، من روايات وقصص ودراسات أدبية وفكرية وثقافية. نهتم كذلك بنشر كتب التاريخ والسيرة والدراسات الثقافية الحديثة والمعاصرة.
ولدينا أيضًا سلسلة "بلا ضفاف" التي يحررها ويشرف عليها الكاتب ياسر عبد اللطيف، ونقدّم من خلالها كتابات مختلفة بعيدًا عن المنشورات التقليدية، وقد صدر منها: "غذاء للقبطي" لشارل عقل، وكتاب في "أثر عنايات الزيات" للشاعرة إيمان مرسال، وسيصدر من هذه السلسلة قريبًا "عين شمس 1995" و"هزائم أخرى" للكاتب باسل رمسيس، و"كعكة الحمار الوحشي" للكاتب بلال حسني.
أما بالنسبة للترجمة فهي تشغل مساحة كبيرة من عملنا، ونحرص دومًا على تقديم أعمال جيدة ومختلفة للقارئ العربي. نسعى دائمًا لنشر الأعمال المكتوبة باللغة العربية، تلك التي تكون جديرة حقًا بالنشر والمجهود الذي يُبذل لنشرها، لكن ليس من السهل بمكان إيجاد أعمال جيدة في كل الأوقات.
- متى يصبح النشر في العالم العربي احترافيًا برأيكم، من حيث اعتماد العمل المؤسسي، من الوكيل إلى المحرر الأدبي، وما بينهما؟
النشر في عالمنا العربي لا يرقى أبدًا لمستوى الصناعة، فكلها محاولات من أفراد أو مؤسسات لديها أغراض معينة للنشر في اتجاهات محددة، وهي لا ترقى أبدًا لأن نطلق عليها "صناعة" طالما أننا في الواقع نفتقر لمعطياتها، كوننا نستورد كل مكوناتها من الخارج، فمثلًا ليس لدينا الورق الملائم لإنتاج كتب بشكل معين.
كرم يوسف: يحب أن يكون لدينا شبكة واسعة من الموزعين تتحرك بين الدول في العالم العربي بمعزل عن قيود الرقابة وأي قيود أخرى
في الواقع نحن محدودون الآن، خاصة بعد التعويم وأزمة الاستيراد، إضافة إلى الارتفاع الرهيب في الأسعار، وهذا ما دفع العديد من الناشرين العرب للتوجه نحو النشر الإلكتروني. وفي المقابل، ليست لدينا آليات محددة وواضحة تحمي هذه الصناعة.
يحب أن يكون لدينا شبكة واسعة من الموزعين، تتحرك بين الدول في العالم العربي بمعزل عن قيود الرقابة، ودون أي قيود أخرى، ومنها تحكّم بعض الموظفين في بعض الجهات في عملية توزيع الكتب. لذلك، وفقًا لهذا الواقع الذي يمر به عالم النشر في العالم العربي، أجد في نوادي الكتب والقراءة وغيرها وسيلة جيدة للوصول إلى القراء.
العلاقة بين الناشر والكاتب، وبالتالي الوكيل والمحرر معقدة، لأنه ليس لدينا بعد فكرة الوكيل، ولست متأكدة أنها سوف تُتفَّذ بشكل احترافي فيما بعد.
الوكيل/ الوكالة هي عملية مكلفة وأحيانًا الكاتب قد لا يستوعب أبعادها. في المقابل، عليك كوكيل أن تسعى لتقديم عمل ما سواء للنشر أو للترجمة، وأن تُكلّف مترجمًا لترجمة أجزاء من العمل، ويجب كذلك السعي لدى وكلاء آخرين سواء في أمريكا أو أوروبا لتقديم هذا العمل. وهذا الأمر قد يستغرق أحيانًا سنوات، والحقيقة لست متأكدة أنهم مهتمون أصلًا بالعالم العربي، والترجمة عنه، أو نشر مؤلفات عنه.
أما بالنسبة للمحرر، فهناك من يتقبل فكرة وجوده، وهناك من يرفضه. بالمجمل، كلما ارتفع مستوى ثقافة ووعي الكاتب، كلما كان لديه استعداد أكبر لتقبل فكرة المحرر، ويعود السبب في ذلك لوجود لُبس، أو تصور غير دقيق حول آلية عمله.
وهناك مراحل مختلفة من التحرير، وكذلك درجات، والمحررون أنفسهم يختلفون في طريقة تحريرهم للنص. عمومًا، أمامنا الكثير لترسيخ فكرة قبول المحرر وتدخله، وإلى أن يحدث ذلك، يعتمد الكتّاب على قراءات الأصدقاء لأعمالهم. وفي هذه الحالة تأتي التعليقات والملاحظات في إطار الصداقة، وليس في الإطار المهني والأكاديمي.
- ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتكم؟ وما هي الصعوبات التي تواجهكم الآن؟
في حقيقة الأمر هناك صعوبات في كل الأوقات، منذ أن بدأت وحتى الآن، ومن أبرزها الأسعار المرتفعة للغاية للورق والطباعة، والتكاليف المبالغ فيها للمشاركة في معارض الكتب في الدول العربية، والتي ما زالت الوسيلة الوحيدة لتوزيع الأعمال في منطقتنا.
تكمن الصعوبة الحقيقية في أن يكون هناك قارئ حقيقي؛ غالبية القراء هم كتّاب وكاتبات. نحن في العالم العربي بحاجة لقراء فقط. أعتقد أنه انتهى عهد وجود قارئ فقط، الغالبية العظمى منهم في وقتنا الحالي هم كتّاب.
التوزيع أيضًا مشكلة، وتكاليف شحن الكتب مكلفة، لذا تبدو الكتب الإلكترونية هي الحل في المستقبل، وسوف نستمر في الطباعة التقليدية لكن الأسعار أصبحت مرتفعة للغاية في ظل أزمة اقتصادية تحيط بالعالم كله. بمعنى أن التوجه العام لا يُصب في صالح صناعة الورق. وحسب الاحصاءات الجديدة، فإن الكثير من الدول الكبرى مثل أمريكا وفرنسا والصين وألمانيا وغيرها، تَميل أحيانًا نحو الأنفاق بشكل أكبر على الكتب الإلكترونية، أو على الأقل أن تكون نسبة الإنفاق على الكتب الإلكترونية مشابهة لتلك المخصصة للكتب الورقية.
أو على الأقل نسبة الإنفاق نفسها.
- هل تغيّرت نظرتكم إلى مجال النشر مقارنةً بما كانت عليه لحظة انطلاق الدار؟ ولماذا؟
بالتأكيد تغيرت كثيرًا، لكن لم تتغير القناعات التي على أساسها يتم نشر الأعمال وقبولها والعمل عليها. ولأن "الكتب خان" دار نشر مستقلة، لا أنشغل كثيرًا بموضوع إصدار الكم الكبير من الكتب. أعتقد أن إصدار من عشرين إلى ثلاثين كتابًا في السنة الواحدة معقول للغاية، خاصة أن معظمها إن لم يكن كلها إصدارات جيدة. الانحياز دومًا بالنسبة لنا للقيمة والكتابة الرصينة، سواء أكانت لكاتب مخضرم أو لكاتب جديد لديه شيء متميز.
- كيف تتعاملون مع ما يصلكم من مخطوطات؟ ما هي السياسات أو المعايير المتعبة؟
نقرأ كل النصوص التي تصلنا، والبعض منها يمكن الحكم عليها أحيانًا من الجملة الأولى. وفي معظم الأحيان، نحتاج إلى ثلاثة أشهر للقراءة، بعدها يتم التواصل مع الكاتب وقد نتفق أو لا نتفق. وكل الكتّاب الذين لهم صلة مع "الكتب خان" يعرفون أننا نتعامل بكل جدية مع النصوص التي تصلنا، ونحترم كل تجربة إبداعية تأتي لنا. هناك نصوص أنتهي من قراءتها في غضون ثمانية وأربعين ساعة، وهذا في ظروف محددة طبعًا.
كرم يوسف: الأسعار المرتفعة للورق والطباعة، وتكاليف المشاركة المبالغ فيها في معارض الكتب العربية، هي أبرز الصعوبات التي تواجه الناشرين
عند الاتفاق مع الكاتب، يأخذ الكتاب دوره فى ضوء خطة النشر لدينا فى السنة الجارية، أو القادمة، وتحديد الوقت الملائم لصدوره، خاصة الكتّاب الذين ننشر لهم للمرة الأولى، وقد لا تكون واضحة لهم هذه الأمور، وعادة ما يكون الكاتب في هذه الحالة مستعجلًا، ويود نشر الكتاب خلال شهر واحد مثلًا. لذا من الأفضل أن تكون الأمور واضحة منذ البداية لأن الناشر أيضًا لابد له من القيام بدوره، وأحيانًا قد ينزعج بعض الكتّاب من المراجعات الكثيرة التي نجريها على النصوص.
- ما رأيكم بالنقد المستمر الذي يتعرض له الناشرون في العالم العربي؟ وكيف تتعاملون معه؟
هذا يحيلنا إلى سؤال سابق هنا، ذلك أنه ليس لدينا صناعة نشر في العالم العربي كما أسلفت، وعليه ليست هناك آليات ومعايير واضحة لتسيير العلاقة بشكل واضح ما بين الناشر والكاتب.
أذكر أنني عندما دخلت عالم النشر في عام 2006 لم يكن لدي أي خبرة في هذا المجال على الإطلاق، وقد كنت أجهل كثيرًا الواقع الفعلي للنشر في بلدنا، ومع العديد من التجارب تعلمت، لكن بثمن كبير وقاسٍ أحيانًا.