يستغل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان رئاسة بلاده للاتحاد الأوروبي لتحريك المياه الراكدة في ملف الوساطات المتعددة لوقف الحرب في أوكرانيا. وفي هذا الصدد، قام أوربان بجولة قادته في البداية إلى كييف، ومنها زار موسكو، في خطوةٍ لم يباركها الاتحاد الأوروبي وعلّقت عليها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لان بالقول إن "الاسترضاء لن يوقف بوتين"، وذلك قبل أن يحطّ الرحال في العاصمة الصينية بكين التي يريد منها أوربان أن تُلقي بثقلها الديبلوماسي في ملف الحرب الأوكرانية، وأن تقود ما يشبه وساطةً لإنهاء الحرب، وذلك على الرغم من موقف بكين "المتفهّم" لخيار روسيا الحربي، في موقفٍ اعتبره حلفاء أوكرانيا انحيازًا لروسيا.
تلقّف الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة أوربان، فدعا المجتمع الدولي إلى العمل: "على تهيئة الأجواء لإجراء حوارٍ مباشرٍ بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء الحرب وإحلال السلام بين البلدين".
وأضاف الرئيس الصيني، على هامش لقائه بأوربان، أن: "على القوى العظمى مساعدة روسيا وأوكرانيا على بدء مفاوضات سلامٍ مباشِرة". وتابع شي جين بينغ: "فقط عندما تمارس القوى العظمى طاقةً إيجابية بدلًا من طاقةٍ سلبية، يمكن أن يظهر سريعًا بريق أملٍ بالتوصل إلى وقف إطلاق نار"، وذلك في إشارةٍ منه إلى الدور الأميركي والغربي المتمثل في ما تسميه روسيا تشجيعًا لكييف على مواصلة القتال، وتعتبره القوى الغربية دعمًا لصمود الأوكرانيين في مواجهة الهجوم الروسي.
"الحياد الصيني"
تُروج الصين لوساطتها بادعاء الحياد والوقوف على مسافةٍ واحدة من موسكو وكييف، حيث تقول بكين: "إنها لا ترسل مساعداتٍ فتاكةً إلى أيٍّ من الجانبين، وذلك على عكس الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى".
لا تضع كييف فيتو على الوساطة الصينية، وتصرّ فقط على مطالبها المتمثلة في انسحاب القوات الروسية بالكامل من أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم
لكن منتقدي الدور الصيني يقولون في المقابل إن بكين قدّمت: "شريان حياةٍ مهمًّا للاقتصاد الروسي المعزول، مع ازدهار التجارة بين البلدين منذ بدء النزاع".
ومع ذلك لا تضع كييف فيتو على الوساطة الصينية. والجدير بالذكر أن مطالب أوكرانيا من جميع الوسطاء، سواء الأتراك أو الصينيين أو القطريين، تتمثل أساسًا في انسحاب القوات الروسية بالكامل من أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014. وبالإضافة إلى ذلك، تطالب كييف: "بتسديد تعويضاتٍ عن الأضرار التي لحقت بالبلاد منذ بدء الغزو الروسي".
وترفض موسكو هذه المطالب، وتضع في المقابل شروطًا لوقف الحرب، على رأسها: "الاعتراف بخطوط القتال الحالية"، وعدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي "الناتو".
يشار إلى أنّ الدعوة الصينية لحوارٍ شامل بين الروس والأوكرانيين تتزامن مع انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، وهي قمة يحتل فيها الملف الأوكراني الصدارة، حيث من المتوقع أن يتعهد الأوروبيون بمواصلة مساعدة أوكرانيا بالأسلحة، ولا سيما أسلحة الدفاع الجوي "باتريوت".
وكانت واشنطن، الداعم الأساسي لأوكرانيا، قد أعلنت قبيل القمة عن مساعدةٍ إضافية بقيمة 2.3 مليار دولار ولا سيما لتأمين أنظمة دفاع جوي لكييف.
وخلافًا لموقف شركائه الأوروبيين، يعارض رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان هذه المساعدة، وسبق أن عرقل مطلع العام الجاري تخصيص مساعدةٍ أوروبية بقيمة 50 مليار دولار لأوكرانيا، جرت المصادقة عليها لاحقًا بعد تأخير.
وتلتقي بكين مع رئيس الوزراء المجري في الموقف الرافض لتقديم الدعم لطرفي الحرب وتسوية النزاع سلميًا عن طريق المفاوضات.
وسبق للرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي أن رفض دعوة رئيس الوزراء المجري إلى "وقف إطلاق نار"، بدعوى أن "موسكو ستستغلها لتعزيز موقعها"، وهذا هو نفسه موقف حلفاء زيلنسكي الغربيين.
يشار إلى أنّ رئيس الوزراء المجري أعطى زيارته لبكين عنوان "مهمة سلام"، واستغلتها بكين للدعوة إلى "حوار شامل"، فهل يستجيب الفرقاء للدعوة الصينية؟