01-نوفمبر-2024
المغرب وفرنسا

شهدت العلاقات المغربية الفرنسية تحسنًا ملحوظا (غيتي)

على الرغم من تتويج زيارة الرئيس الفرنسي للمملكة المغربية بتوقيع عقودٍ واتفاقيات بقيمة تجاوزت 10 مليارات دولار، إلّا أنّ الزيارة لم تكن ناجحةً في مجملها، فقد سُجّلت إخفاقات في ملف شائكٍ بالنسبة للبلدين، وهو ملف المهاجرين المغاربة المقيمين، حسب باريس، بشكل غير قانوني في فرنسا.

كان ماكرون ينتظر من الرباط أن تفي بـ"وعود سابقة" قدّمتها لبلاده في هذا الصدد، بل إنّ منسوب الثقة لدى ماكرون كان عاليًا إزاء هذا الملف، نظرًا لاستكمال "المصالحة" مع المغرب، بإعلان دعم السيادة المغربية على الصحراء من جهة، وتوقيع اتفاقيات استثمارية ضخمة من جهة أخرى. لكنّ المخزن المغربي خيّب آمال ماكرون، ليظلّ ملف المهاجرين المغاربة لغمًا قابلًا لتفجير العلاقات المغربية-الفرنسية في أي وقت، خاصةً وأنّ هذا الملف طالما مثّل "مصدر توتر وخلاف بين فرنسا والمغرب".

وفي ظل وجود حكومةٍ فرنسية ذات توجه يميني، يصبح من شبه المؤكّد أنّ ملف المهاجرين المغاربة سيعكّر صفو العلاقات المغربية-الفرنسية، خاصةً إذا أخذنا في الاعتبار أنّ وزير الداخلية في الحكومة الفرنسية، برونو ريتايو، معروف بتشبّثه بمطلب ترحيل المهاجرين المغاربيين غير النظاميين، كما عُرف بموقفه الداعي إلى الضغط على البلدان المغاربية لاستقبال مهاجريها.

عادت قضية ترحيل المهاجرين المغاربة المقيمين بصفة غير نظامية في فرنسا إلى الواجهة

لم يستطع ماكرون، رغم الطابع الاحتفالي للزيارة التي استمرت 3 أيام في المغرب، إلا أن يتطرق إلى ملف المهاجرين. ففي الكلمة المثيرة للجدل التي ألقاها أمام البرلمان المغربي، قال ماكرون إنّ "الشراكة الاستثنائية المعززة التي أُبرمت مع العاهل المغربي يجب أن تتعلق بشكل خاص بالهجرة غير الشرعية وضرورة التعاون الطبيعي والمرن في المسائل القنصلية".

وتلطيفًا لموقفه الحازم بشأن الهجرة غير النظامية، دعا ماكرون أمام البرلمان المغربي إلى "وضع أسس حركة طبيعية للأشخاص، تعزيزًا للتعاون في مجال البحث عن المشاريع وإنشاء الشركات، باعتبارها فرصًا متاحة لأصحاب المواهب".

وأشار ماكرون في هذا السياق إلى "اتخاذ مبادرات مرحب بها مؤخرًا، خصوصًا للطلاب المغاربة الذين درسوا في فرنسا، والذين أصبحوا يحصلون تلقائيًا على تأشيرة متعددة الدخول"، مشيرًا إلى رغبته في تنفيذ مشروع تجريبي مع المغرب في هذا الشأن، دون الكشف عن تفاصيل إضافية.

لكن في المؤتمر الصحفي الذي جمع وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، مع نظيره الفرنسي برونو ريتايو، على هامش زيارة ماكرون للمملكة المغربية، قال الوزير الفرنسي إنّه أوضح للجانب المغربي "رغبته في تحقيق نتائج ملموسة بشأن إعادة المهاجرين غير الشرعيين وضرورة معالجة قضايا مثل الاتجار بالبشر والمخدرات"، مضيفًا: "فيما يتعلق بإعادة المواطنين المغاربة في وضع غير قانوني، لدينا إطار وإجراءات. اتفقنا على تحسينها لتقليل المهل الزمنية وتحقيق نتائج أفضل من حيث عدد الأشخاص المرحلين. وقد اتفقنا مع نظيري على متابعة هذه القضية بشكل مباشر على مستوانا".

كما أنّ ريتايو، وبمجرد تعيينه وزيرًا للداخلية، بدأ العمل على ربط سياسة التأشيرات بإصدار تصاريح المرور القنصلية، التي تعدّ وثائق أساسية لإعادة الأجانب إلى بلدانهم التي جاؤوا منها. وسبق للوزير الفرنسي اليميني، منذ توليه منصبه، أن ضرب مثالًا بالمغرب، قائلًا: "238 ألف تأشيرة مُنحت للمغاربة في عام 2023، لكن فقط 1680 من المهاجرين غير النظاميين منهم تم ترحيلهم قسرًا"، معتبرًا أنّ المغرب "بلد آمن، وبالتالي يمكن تسريع عمليات إعادة القبول فيه".

وتعود جذور الخلاف الفرنسي-المغربي حول ترحيل المهاجرين إلى عام 2021، عندما أعلنت باريس تقليص التأشيرات للمغرب والجزائر وتونس، بذريعة أنّ الدول الثلاث غير متعاونة في استرداد مواطنيها المرحّلين من فرنسا. وقد أثار القرار الفرنسي حينها انتقادات مغاربية، ودافعت المغرب حينها عن موقفها بالقول إنّ كثيرين ممن شملهم قرار الترحيل الفرنسي "لا يملكون وثائق تثبت هويتهم وبعضهم يزعم أنه مغربي رغم أنه ليس كذلك".

في العام الموالي، بدأت العلاقات تعود تدريجيًا إلى مجراها الطبيعي، فبعد مفاوضات مغربية-فرنسية، استأنف البلدان علاقاتهما القنصلية الطبيعية، الأمر الذي خفّف من التوترات الناتجة عن النزاع حول التأشيرات.

وانعكس ذلك إيجابيًا في حصول المغاربة عام 2023 على حوالي 238,000 تأشيرة من فرنسا، فيما لم يتم تنفيذ سوى 1638 قرار ترحيل. لكنّ السياق الحالي، الذي يتميّز بصعود اليمين المتطرف في البرلمان الفرنسي والأوروبي ووجود حكومة ذات توجه يميني، يُرسل برسائل إلى الرباط والدول المغاربية بأنّ ملف المهاجرين سيعود بقوة إلى الواجهة وقد يُلحق ضررًا بالغًا بالعلاقات الفرنسية-المغاربية.