يعد الخطيب البغدادي من الحفّاظ المتقنين والعلماء المتبحّرين، قال عنه ابن خلكان: "لو لم يكن له سوى التأريخ لكفاه"، فكيف وله قريبًا من مائة مؤلف، ما يدلّ على اطلاع واسع جلع المصادر التي تلته تأخذ عنه وتدرسه، بل وتسير على منواله في كتابة تواريخ المدن.
اسمه أحمد علي ثابت الخطيب البغدادي أبو بكر. ولد في غزية من قرى الحجاز، ونشأ في درزيجان، وهي قرية قرب بغداد، على دجلة، بالجانب الغربي. كان أبوه خطيب وإمام درزيجان لمدة عشرين عامًا. وربما يكون لقبه قادمًا من مهنة أبيه.
جاب العديد من المدن طلبًا للعلم، والتقى بكبار علماء عصره. له مؤلفات عديدة، منها: شرف أصحاب الحديث، ونصيحة أهل الحديث، وتقييد العلم، والرحلة في طلب الحديث، وموضع أوهام الجمع والتفريق، وهذه الكتب مطبوعة متداولة. أما كتابه الأشهر فهو "تاريخ بغداد" الذي تحدّث فيه عن بغداد ومعالمها الحضارية، وهو أول كتاب يتناول بغداد منذ تأسيسها وحتى منتصف القرن الخامس الهجري، وقد اتخذ الخطيب من حديثه عنها منطلقًا ينفذ منه لترجمة علمائها وأدبائها وأعيانها، وهو أمر يذكره في المقدمة قائلًا: "هذا كتاب تاريخ مدينة السلام، وخبر بنائها، وذكر كبراء نزالها، ووارديها، وتسمية علمائها. ذكرت من ذلك ما بلغني علمه، وانتهت إليّ معرفته، مستعينًا على ما يعرض من جميع الأمور بالله الكريم".
يشير محقق الكتاب بشار عواد معروف إلى أن النسخ الأصلية للكتاب قد اتفقت على أن عنوانه هو "تاريخ مدينة السلام وأخبار محدثيها وذكر قطّانها العلماء من غير أهلها ووارديها"، أما العنوان الذي سبق وأن طُبع بمصر، وهو "تاريخ بغداد أو مدينة السلام"، فمن تصرّف الناشر.
يزيد "تاريخ بغداد" على عشرة آلاف صحفة، وفيه تراجم لأكثر من سبعة آلاف وسبع مئة وثمانين ممن عاش ببغداد أو مر بها. ألف البغدادي كتابه في زمن كانت فيع المدينة تعيش أحوالًا سياسية خانقة، حيث تدنت مستويات المعيشة، وتراجع العمران، وتعب أهلها.
جعل الخطيب نسخته في أربعة عشر مجلدًا، ولكن النسّاخ لم يلتزموا فيما بعد بأن تكون نسخهم بهذا العدد، فالعادة الجارية في تلك الأعصر أن يحافظ الناسخ على الأجزاء لا على المجلدات. مقدمة الخطيب تتناول ثلاثة محاور رئيسية، الأول تناول العلماء في أرض بغداد.
أما المحور الثاني فمخصص للبحث في خطط بغداد، فيما تناول الثالث خبر المدائن وتسمية من وردها من الصحابة. فيما يقوم الباقي من الكتاب على التراجم لأهل بغداد ووارديها، فالتراجم هي أس الكتاب، وهو أمر يعكس مفهوم المؤلف للتاريخ، وقد ذكر الخطيب في مقدمة القسم الخاص بالتراجم أن تاريخه يشمل الخلفاء والأشراف والكبراء والقضاة والفقهاء والمحدثين والقراء والزهاد والعلماء والمتأدبين والشعراء.
أصبح تاريخ الخطيب أصلًا لتاريخ بغداد، ولهذا صار يبنى عليه فيُتمم كلما استجدت مدة زمنية بعده، وهو ما يعرف في تاريخ الحركة التأليفية عند المسلمين بالتذييل، وأول من ذيّل على تاريخ الخطيب هو الحافظ السّمعاني، ثم لحقه كثيرون. كذلك قام العديد من العلماء والمؤرخين باقتفاء أثره وتأليف كتب مشابهة لهذا الكتاب ككتاب "تاريخ دمشق" لابن عساكر، و"بغية الطلب في تاريخ حلب" لابن العديم.
اقرأ/ي أيضًا: