المقال التالي ترجمة لمقال "ناشيونال إنترست" عن استراتيجية إيران للتغلب على أي عقوبات قد تفرض عليها في المستقبل مرة أخرى.
بعد انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة، سوف يزداد نفوذ إيران، لأن أي إعادة فرض لعقوبات الأمم المتحدة سوف تتطلب تنسيقًا دوليًا كبيرًا
__
تكشف الجهود الدبلوماسية الأخيرة من جانب طهران عن أنها تتبع استراتيجية ذات محورين تجاه جذب الاستثمارات وإعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي: (1) البحث عن رؤوس أموال أجنبية لإعادة بناء البنية التحتية للبلاد، بينما (2) تستخدم رؤوس الأموال الإيرانية لتمويل إنشاء مصافي تكرير نفط حول العالم. تقدر الاحتياجات الاستثمارية في البنية التحتية لإيران بتريليون دولار على مدار السنوات العشر المقبلة، الأمر الذي سيجعل طهران تعتمد بشدة على ترتيبات لتمويل المشاريع من أجل إعادة بناء بنيتها التحتية. بموجب تلك الاتفاقيات، يضع المستثمرون كميات كبيرة من المال في مقابل عائد يعتمد على التدفقات النقدية على المدى الطويل، عادةً لما يصل إلى ثلاثين عامًا.
سوف يكون لاعتماد إيران الشديد على ترتيبات تمويل المشاريع تبعاتٍ تتجاوز بكثير البنود المبدئية للاتفاق النووي الإيراني، بينما تخلق مجموعة قد تكون فريدة من المحفزات للأطراف المختلفة في حالة مخالفة إيران لالتزاماتها أو لجوئها إلى التصرفات القديمة عند انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة. وهكذا فإن التفكير الاستراتيجي الإيراني يخطط بوضوح لما يتجاوز بكثير بنود خطة العمل الشاملة المشتركة. في استراتيجيتها لإعادة الاندماج في الاقتصاد الدولي، تلعب إيران على المدى الطويل.
اقرأ/ي أيضًا: كيف مولت "الأمم المتحدة" بشار الأسد
إعادة فرض للعقوبات ومحفزات
كان اللاعبون الرئيسيون الثلاثة المشاركون في نظام العقوبات هم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. أحد أهم خصائص خطة العمل الشاملة المشتركة هو النص على إعادة فرض العقوبات في حالة عدم الالتزام من قِبل إيران. في حال إعادة فرض العقوبات، لن يتم معاقبة الشركات بشكلٍ مباشر على الدخول في اتفاقيات مع إيران عندما تم رفع العقوبات.
علاوةً على ذلك، قد تستفيد مثل تلك التعاقدات أيضًا من فترة سماح للمستثمرين لإنهاء عملياتهم في إيران تدريجيًا. في حالة العلاقات التجارية البسيطة، يجب أن يتوقف تدفق البضائع قبل انتهاء أي فترة إنهاء تدريجي. لكن ما هو أقل وضوحًا هو كيف سيتم تطبيق ذلك البند في حالة مشروعات البنية التحتية الضخمة، والتي غالبًا ما يتم بناؤها وتمويلها على أساس تدفقاتٍ نقدية سوف تستمر لما يتجاوز مدد سريان خطة العمل الشاملة المشتركة بكثير. بالفعل، يمكن تطبيق مثل ذلك البند للسماح بكل ما يتراوح بين فترةٍ طويلة من الوقت لإنهاء العمليات تدريجيًا وصولًا إلى تطبيقٍ أكثر صرامة يقود إلى خسارةٍ فورية ونهائية.
إزاء احتمالية الخسارة الكاملة، من المرجح أن تسعى الحكومات الأوروبية إلى إعادة فرض العقوبات فقط في حالة الانتهاكات الأكثر فداحة على سبيل المثال، زيادة في حجم مخزونات اليورانيوم الإيرانية تتجاوز الحدود المتفق عليها. بالطبع، بعد انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة (خلال 15 عامًا تقريبًا) سوف تنتهي عقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تمامًا، ما يجعل أي إعادة فرض للعقوبات من قِبل الأمم المتحدة معرضة لاستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن.
سوف تتطلب أي إعادة فرض للعقوبات موافقةً جماعية من جميع دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء بالمجلس. يمكن للولايات المتحدة دائمًا إعادة فرض عقوباتها الثانوية (والتي كانت تطبق خارج الولايات المتحدة على جميع المؤسسات غير الأمريكية التي تستثمر في قطاع النفط الإيراني) من طرفٍ واحد، لكنها ستجد نفسها على الأرجح معزولة على نحوٍ متزايد ووحيدة إذا اختارت القيام بذلك.
وبالتالي فإن استراتيجية إيران القائمة على الاستفادة من ترتيبات التمويل مع المستثمرين الأجانب سوف تمنحها نفوذًا إضافيًا ضد جهود تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة بصرامة قبل انتهائها بعد 15 عامًا تقريبًا. لكن بعد انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة، سوف يزداد نفوذ إيران، لأن ي إعادة فرض لعقوبات الأمم المتحدة سوف تتطلب تنسيقًا دوليًا كبيرًا. من المرجح أنه سوف يكون من الصعب تحقيق ذلك التنسيق، لأن المستثمرين غير الأمريكيين سوف يكونون قد قاموا بالتزاماتٍ مالية كبيرة عندما كانت العقوبات مرفوعة، وبالتالي سيكونون أكثر المتضررين.
البناء بالداخل
تتراوح التقديرات لاحتياجات إيران لتطوير بنيتها التحتية بين 200 مليار دولار للبنية التحتية النفطية وحدها إلى تريليون دولار للاقتصاد الأوسع على مدار السنوات العشر المقبلة. يتكون القطاع المصرفي الإيراني من 8 بنوك مملوكة للدولة و19 بنكًا يبلغ غطاءها المصرفي حوالي 582 مليار دولار، أي أقل من المبلغ المطلوب لإعادة بناء البنية التحتية المتداعية للبلاد. لتعويض ذلك النقص، تنخرط إيران في نقاشاتٍ مكثفة مع شركاتٍ خاصة ومملوكة للدولة لإعادة بناء بنيتها التحتية، في دولٍ تتنوع ما بين روسيا وأوكرانيا وفرنسا وإيطاليا والصين والهند وكوريا الجنوبية. بينما ظلت الاستثمارات الأجنبية في إيران محدودة حتى الآن، إلا أن التزام الهند مؤخرًا بإنشاء ميناء تشابهار جنوبي إيران والذي تبلغ تكلفته 500 مليون دولار يثبت أن هذا التوجه قد يبدأ التحرك في الاتجاه المعاكس. يعد توضيح وزارة الخزانة الأخير بشأن قواعدها التي تحكم قدرة المؤسسات الأجنبية المملوكة (أو المدارة) أمريكيًا للقيام بأعمالٍ في إيران خطوةً أخرى في ذلك الاتجاه.
من منظور إيران فإن السماح للشركات الأجنبية ببناء بنيتها التحتية الداخلية له ثلاث مزايا رئيسية: أولا، سوف يمنح إيران النفاذ إلى تكنولوجيا وخبرة متفوقة، والتي قد تستطيع الحصول عليها لاحقًا بموجب اتفاقيات لنقل التكنولوجيا. ثانيًا، سوف يمنح اللاعبين المعنيين فائدةً محققة من نجاح الاتفاق النووي والالتزام ببنوده بعد انتهاء الفترات الأولى، ما يزيد بشدة الضغط الدولي للإبقاء على اندماج إيران في الاقتصاد العالمي. ثالثًا، سوف يتم تحرير رؤوس الأموال الإيرانية للاستثمار بالخارج عبر البحث عن مجالاتٍ استراتيجية للحصول على عائدٍ على الاستثمار وتعزيز استراتيجية الدولة الإيرانية المتمثلة في توسيع وتأمين أسواق طويلة المدى للنفط الإيراني.
من منظور إيران فإن السماح للشركات الأجنبية ببناء بنيتها التحتية الداخلية سوف يمنح إيران النفاذ إلى تكنولوجيا وخبرة متفوقة
اقرأ/ي أيضًا: مأزق الخليج في مصر
البناء بالخارج
في كانون الثاني/يناير الماضي، عبر عباس كاظمي، رئيس الشركة الوطنية الإيرانية لتكرير وتوزيع النفط المملوكة للدولة، عن سياسة إيران الرسمية المتمثلة في الالتزام بالاستثمار في القدرة التكريرية بالخارج من أجل تعزيز وتأمين أسواق النفط الخام الخاصة بها على المدىة الطويل. تحقق إيران تلك الأهداف من خلال تشييد أو شراء حصصٍ مالكة في مصافي تكرير نفط عبر أوروبا وأمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا وأفريقيا.
أعلن وزير النفط الإيراني بيجن زنجنة ووزيرة الطاقة الجنوب أفريقية تينا جومات-باترسون عن اتفاقٍ في نيسان/أبريل لبناء مصانع بتروكيماويات ومصافي تكرير نفط تقوم بمعالجة الخام الإيراني من خلال اتفاقية شراكة. في شباط/فبراير، أعلنت إيران أنها تتفاوض مع 6 بلدان، من بينها ماليزيا وإندونيسيا، على إنشاء قدرةٍ تكريرية. في حزيران/يونيو 2015، انتهت إيران من عقد اتفاقٍ مع الصين وإندونيسيا على بناء مصفاة تكرير سوف تقوم بمعالجة 150,000 برميل يوميًا من الخام الإيراني. تمتد الطموحات الإيرانية أيضًا إلى أوروبا وأمريكا الجنوبية، حيث تجري محادثات مع شركاتٍ محلية في إسبانيا لبناء مصفاة تكرير تبلغ قدرتها 200,000 برميل يوميًا ولشراء مشروعات تكرير نفط متعثرة في البرازيل. في كانون الأول/ديسمبر 2015، أعلنت إيران أيضًا إنشاء مصفاة نفط بموجب اتفاقية شراكة مع شركة قطاع خاص بالبرازيل سوف تبلغ قدرتها التكريرية 300,000 برميل يوميًا.
لسياسة إيران النفطية الموجهة إلى الخارج أيضًا جانبًا داخليًا. رغم كونها ثالث أكبر منتجي منظمة أوبك، إلا أن إيران تستورد المنتج المكرر (وهو البنزين). متبعةً النهج السعودي، تخطط إيران لتقليل اعتمادها على واردات البنزين الأجنبية بحلول عام 2020، ما يسمح لإيران بزيادة نصيبها من السوق الداخلي على حساب المصدرين الأجانب. تسعى إيران مجددًا إلى تمويل تلك الزيادة عبر إنشاء خمس مصافٍ جديدة لتكرير النفط وتطوير خمسٍ أخريات.
الاستنتاج
سوف يكون لاستراتيجية جمهورية إيران الإسلامية المتمثلة في السعي إلى جعل الاستثمارات الأجنبية تعيد بناء بنيتها التحتية بموجب اتفاقيات تمويل طويلة المدى، بينما تستخدم الأموال الإيرانية لبناء مصافٍ لتكرير النفط بالخارج، تبعاتٌ تتجاوز بنود خطة العمل الشاملة المشتركة بينما تؤثر على تنفيذها في الوقت الحالي. رغم ذلك، لدى القطاع الخاص القدرة على لعب دورٍ كبير في تقوية إنفاذ خطة العمل الشاملة المشتركة حسب كيفية هيكلة عقود استثماراته. بالفعل، يرجح أن يشجع وجود بنود واضحة تسمح بأن تكون أي إعادة فرض للعقوبات مبررًا لإنهاء التعاقد فورًا والمطالبة بتعويض من خلال التحكيم وفرض قرارات التحكيم في المحاكم الأجنبية، إيران على الالتزام بنص وروح خطة العمل الشاملة المشتركة مقارنةً بما قد تنتوي القيام به.
بالطبع، يقوم ذلك النهج على افترض وجود درجةٍ من التنسيق بين اللاعبين المختلفين الساعين إلى الاستثمار في إيران على مدار الأعوام القادمة. لكن المجموعة الكبيرة من اللاعبين قد تخلق وضعًا حيث يصبح الاندفاع إلى الاستثمار في إيران سباقًا نحو القاع. في كلتا الحالتين، عبر بناء مصافٍ لتكرير النفط بالخارج لتأمين حصتها السوقية بينما تسمح للاستثمارات الأجنبية بإعادة بناء بنيتها التحتية المتداعية، فإن طهران قد أفصحت عن خطتها الطموحة لكيف ستستطيع التأثير على وضعها في ظل خطة العمل الشاملة المشتركة لإعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي والبقاء كذلك.
اقرأ/ي أيضًا: