04-يوليو-2024
ريما حسن مرتدية الكوفية الفلسطينية خلال المؤتمر الصحفي لميلانشون

ليلة الإعلان عن نتائج الدور الأول للانتخابات التشريعية الفرنسية، ظهر زعيم حزب "فرنسا الآبية" اليساري، جان لوك ميلانشون، في مؤتمر صحفي معلنًا أنّ "الجبهة الشعبية الجديدة" لن تسمح لليمين المتطرف بالمرور، داعيًا لقطع الطريق عليهم وذلك بالتصويت في الجولة الثانية للانتخابات التشريعية للمرشحين الذين يواجهون مرشحي اليمين المتطرف أيًا كان انتماؤهم الحزبي، بل أعلن ميلانشون عن قرار بسحب مرشحي حزبه الذي جاؤوا ثالثًا في الترتيب لفائدة المرشح المنافس لمرشح اليمين المتطرف. كانت المعادلة التي طرحها ميلانشون واضحة، لا صوت ولا مقعد لليمين المتطرف في الجولة الثانية.

خلال المؤتمر الصحفي وقف على يمين زعيم حزب "فرنسا الآبية"، النائب مانويل بومبارد، الذي أعيد انتخابه من الجولة الأولى، وعلى يساره النائبة الأوروبية عن الحزب، ريما حسن مرتدية الكوفية الفلسطينية كعادتها.

على أهمية الموقف الذي طرحة ميلانشون في تلك الليلية، لكن جل ردود الفعل الأولية والتعليقات على المؤتمر الصحفي تركزت بالدرجة الأولى على ريما حسن وكوفيتها الفلسطينية. إذا شن مؤيدو اليمين المتطرف واليمين وداعمي إسرائيل هجومًا على ريما. وكانت بلاتوهات الإعلام الفرنسي، كعادتها، تفيض بالمواقف العنصرية والمنحازة بشكل فاضح لإسرائيل، لتصبح كوفية ريما حسن صورة الليلة الانتخابية، ويصبح قرار ميلانشون وحزب "فرنسا الآبية" الداعي لقطع الطريق على وصول اليمين المتطرف للحكم تفصيلًا غير مهمًا بالمشهد السياسي الفرنسي.

صادف أنني في تلك الليلة كنت أشاهد البث المباشر للمؤتمر الصحفي لزعيم حزب "فرنسا الآبية" على حساب راديو "France Info"، ما لفتني هو التعليق المباشر للصحفية التي كانت تدير جلسة النقاش حول نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، لم تتمالك نفسها وتناست "مهنيتها"، وراحت تتساءل بشيء من الاستهجان، كيف يسمح لريما بالوقوف إلى جانب ميلانشون؟ هي نائبة أوروبية ما علاقتها بالانتخابات التشريعية؟ أين ماتيلد بانو (رئيسة الكتلة النيابية لحزب "فرنسا الأبيّة)؟ أين مانو أوبري (متصدرة قائمة الحزب في الانتخابات الأوروبية)؟ أين نواب حزب "فرنسا الأبية"؟

على أهمية الموقف الذي طرحة ميلانشون في ليلة الإعلان عن نتائج الدور الأول للانتخابات التشريعية الفرنسية، إلا أن جل ردود الفعل تركزت بالدرجة الأولى على ريما حسن وكوفيتها الفلسطينية

لتقاطعها إحدى المشاركات في الجلسة، وترفع من سقف الاستهجان وتدعي أنّ تقدم تحالف "الجبهة الشعبية" (حل ثانيًا) هو انتصار لحماس وأنصارها الذين أصبحوا يهيمنون على المشهد السياسي الفرنسي.

في بلاتو نقاش آخر على قناة "TF1"، طرحت إحدى مرشحات اليمين - والمفارقة أنها من مواليد الجزائر ووالدتها عاشت بالمغرب- سؤالًا حول الخطر الذي يواجه فرنسا حاليًا: هل هو صعود اليمين المتطرف للحكم أم حزب "فرنسا الآبية" الذي يقدم ريما حسن وهي ترتدي الكوفية في المقدمة إلى جانب ميلانشون؟.

لم يتوقف الهجوم على ريما وكوفيتها في بلاتوهات الاعلام الفرنسي ليلة ظهور نتائج الانتخابات التشريعية، بل انتقلت العدوى لوسائل التواصل الاجتماعي والجرائد والمجلات.

على صفحات جريدة "Le journal de Dimanche"، تساءل المؤرخ مارك نوبل قائلًا: "ما الذي تفعله عضو البرلمان الأوروبي على المنصة، في حين أنها لا تتحمل أي مسؤولية داخل حزب "فرنسا الآبية؟"، مدعيًا أن الخطورة ليس في ما تُروج له ريما حسن من "أكاذيب" عبر حسابها على منصة "إكس"، بل الأكثر خطورة هو استيعاب ملانشيون لهذه الأجواء المعادية للسامية.

معتبرًا أن لحضور ريما حسن، معنى آخر، هو إحباط لأولئك الذين يعتقدون أنها وكوفيتها تسبب "تواترًا داخل المجتمع الفرنسي"، من خلال الرغبة في "استيراد مشاعر الغضب وخلق حالة من الهستيريا حول صراع بعيد عنا".

وجاء مقال الصحفية ناعومي حليوة، في جريدة "Le Figaro" اليمينة، بعنوان "ريما حسن وكوفيتها: ميلانشون يعول على تقسيم فرنسا ليخلق بلدًا بلا جذور".

بدوره، عبر الكاتب إريك نولو عن استيائه من ظهور ريما حسن بالكوفية، وكتب منشورًا على حسابه في منصة "إكس"، قال فيه: "ما هو هذا اليسار الذي يظهر مع ريما حسن بالكوفية، وهي التي ادعت أن الجيش الإسرائيلي يدرب الكلاب على اغتصاب المعتقلين الفلسطينيين؟".

حالة الاستهجان التي عمت بلاتوهات الاعلام الفرنسي، ليلية اعلان النتائج، من قبل الدوائر الداعمة لإسرائيل من اليمين المتطرف، مرورًا باليمين، وصولًا لليسار (المعتدل)، يُعبّر عن حالة من الرعب لما تمثله الكوفية من رمزية، وهو دليل عن هشاشة وتخبط داخل تلك الدوائر، على الرغم من الترسانة الإعلامية والبروباغندا الداعمة للرواية الإسرائيلية إلا أنها سقطت في مواجهة ريما حسن وكوفيتها.

بعد الحرب على غزة، أصبحت الكوفية رمزًا للتضامن مع الفلسطينيين على نطاق واسع في العالم، ومع استمرار العدوان الإسرائيلي شددت بعض الحكومات الغربية على منعها، بل أصدرت قرارات تلزم من يرتديها على دفع غرامات، ودفعت بأفراد الشرطة على إرغام مرتديها على خلعها في الساحات ومحطات القطار والميترو.

لا تكتفي إسرائيل بحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، بل تمعن في محاولة محو كل رموزه، مستندة إلى ترسانة جهنمية وآلة الإعلامية الداعمة لها، لكن في المقابل المعركة مستمرة على كل الجبهات.

إن كان قاذف "الياسين 105" يقف بالمرصاد لدبابات الاحتلال بكل محاور التوغل في غزة، يكفي أنّ ترتدي الكوفية بعواصم العالم لتدمر البروباغندا الإعلامية لدبابات الإبادة الجماعية.

هذه الحادثة ستراكم تغيرًا سيحدث لا محالة، صحيح أن هناك احتمالًا لصعود اليمين المتطرف الداعم لإسرائيل للحكم في فرنسا، لكن ريما حسن وكوفيتها ستكون إحدى رموز المواجهة في المرحلة القادمة، الكوفية في باريس، في برلين، في لندن، في نيويورك.. وفي مختلف عواصم العالم عنوان للمواجهة.

الكوفية شريك أساسي بالمعركة.