رغم المعلومات المتضاربة عن تفاصيله، إلا أنه تم الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين المعارضة السورية والنظام السوري، برعاية تركية وروسية، وذلك، حسب إعلان النظام السوري، يبدأ ليلة الجمعة.
وقد شهدت الأزمة السورية خلال الأيام الأخيرة، حركة دبلوماسية نشطة، قياسًا بالفترات السابقة، أبرز معالمها التسريبات المتضاربة لوسائل إعلام محلية حول بنود اتفاق وقف إطلاق النار برعاية روسية-تركية، وما رافقها من تصعيد قوات النظام في منطقة "وادي بردى" في ريف دمشق الغربي، واستهدافها لنبع "عين الفيجة" المغذي الرئيسي لسكان العاصمة دمشق بمياه الشرب. ففي الوقت الذي أكد فيه الكرملين عبر متحدثه الرسمي، ديمتري بيسكوف، عدم "وجود معلومات كافية"، حول مقترح اتفاق وقف إطلاق النار في عموم الأراضي السورية، قال موقع "أورينت نت" إنه حصل على "مسودة مقترحات" الاتفاق الذي يتضمن وقف إطلاق النار بضمانة روسية-تركية، فيما نقل موقع "بلدي نيوز" عن مصدر مطلع على سير عملية المفاوضات، أن هناك اتفاق على خروج جميع الميليشيات المدعومة من إيران خارج سوريا، يقابله خروج لجميع المقاتلين الأجانب من جبهة "فتح الشام".
الكرملين ينفي حصوله على معلومات كافية حول مقترح وقف إطلاق النار في سوريا
وبعد يوم واحد من إصدار عشرة فصائل معارضة، بينها "فيلق الشام"، بيانًا أعلنت من خلاله إطلاقها "مبادرة لجمع الكلمة وتقريب وجهات النظر بين التشكيلات العسكرية والهيئات السياسية والشرعية والمدنية (...) بغية الوصول إلى تكتل قوي.."، تعرض الفيلق في ريف حماة الشمالي، لهجوم من عناصر تابعة لفصيل "جند الأقصى"، الذي أعلن بيعته في وقت سابق لـ"فتح الشام"، على خلفية إعلان الحرب عليه من قبل حركة "أحرار الشام الإسلامية"، وسط أنباء تشير إلى فك البيعة بين الفصيلين لتجاوزات الجند المتكررة، لم يتسنَ لنا التأكد من صحتها حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
وبالتزامن مع الأنباء المتضاربة إن كان حول اتفاق وقف إطلاق النار، أو اندماج فصائل المعارضة، أكدت وكالة "رويترز" أنها تلقت رسالة من الرئيس المشترك لما يعرف باسم "المجلس الفيدرالي" لأكراد سوريا، هدية يوسف، تقول فيها إن اجتماعًا سيعقد لإيضاح "العقد الاجتماعي" لمناطق إدارة "الحكم الذاتي"، التي يسعى الأكراد لإنشائها شمال سوريا، ويظهر أن الأكراد يريدون مسابقة الزمن قبل الوصول لاتفاق يقضي على آمالهم الفيدرالية.
اقرأ/ي أيضًا: الطائرة الروسية ترفع من خسائر تدخل موسكو في سوريا
كذلك يسعى النظام السوري جاهدًا لتحقيق مكاسب جديدة على حساب المعارضة السورية، بعد استعادته السيطرة على الشطر الشرقي في مدينة حلب، إما باستهدافه لقوات المعارضة في ريفها الغربي، أو من خلال تصعيده الأخير في منطقة "وادي بردى"، واستهدافه لنبع "عين الفيجة"، في محاولة للضغط على قوات المعارضة المتواجدة في المنطقة، وقبولها ببنود التسوية على غرار اتفاقيات التسوية التي عقدها في مناطق مختلفة من الريف الدمشقي.
ويبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار بين جميع الأطراف في سوريا بشكله النهائي، جاء بعد اقتناع الطرفين مقتنعان بضرورة الحل السياسي، رغم وجود اختلافات في وجهات النظر، حول مصير بشار الأسد، أو جبهة "فتح الشام"، التي لن يشملها وقف إطلاق النار إلى جانب تنظيم "الدولة الإسلامية"، ما لم تعلن عن حل نفسها، دون وجود أي تأكيدات عن نيتها إعلان ذلك.
ونشرت وكالة "رويترز" أمس الأربعاء، مقالًا تحليليًا للكاتبين أندرو أوزبورن وأور هانجوسكون، تحدثا من خلاله عن إمكان تقسيم سوريا إلى "مناطق نفوذ غير رسمية للقوى الإقليمية"، مؤكدين أن "بشار الأسد سيبقى رئيسًا لبضع سنوات على الأقل بموجب اتفاق إطار بين روسيا وتركيا وإيران". وقال الكاتبان نقلًا على لسان المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية، أندروكورتونوف، وجود "تحرك صوب حل وسط"، وأن"الاتفاق النهائي سيكون صعبًا لكن المواقف تتغير"، مشيرًا أنه "تردد ذكر اسمين محتملين" بدلًا عن بشار الأسد، دون أن يذكر أحدهما، فيما قالت وكالة "الأناضول" التركية، إن موسكو وأنقرة اتفقتا على إعلان نظام وقف إطلاق النار في كافة الأراضي السورية، ابتداء من الساعة 00:00 يوم 29 كانون الأول/ديسمبر الجاري.
قد تمثل الهدنة السورية فرصة إثبات نوايا روسيا بشأن الوصول إلى حل سياسي
لكن الهدنة التي تناقلتها عديد وكالات الأنباء العالمية عن "الأناضول"، حتى الروسية منها، كانت محط تضارب لدى المسؤولين الروس، قبل أن يورد موقع "روسيا اليوم"، بعد ساعات من إعلانها، خبرًا يقول إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، "أوضح" خلال اجتماع مع وزيري الخارجية والدفاع، توقيع ثلاث اتفاقيات مرتبطة بسوريا، من بينها تطبيق وقف لإطلاق النار بين "الحكومة السورية والمعارضة السورية" يبدأ اعتبارًا من منصف ليل الخميس – الجمعة.
من جهتها نشرت وكالة "سانا" الناطقة باسم النظام السوري بيانًا، أرجع في مقدمته سبب إعلان الهدنة لـ"الانتصارات والنجاحات التي حققتها" قوات النظام والميليشيات الأجنبية الممولة إيرانيًا في الشطر الشرقي لمدينة حلب، وأكدت من خلاله التزام نظام الأسد باتفاق الهدنة، باستثناء تنظيم الدولة، و"جبهة النصرة" وفصائل المعارضة المرتبطة بالأخيرة، فيما لم يصدر أي تعليق من المسؤولين الإيرانيين يؤكد التزام الميليشيات الذين تدعمهم باتفاق الهدنة.
وتمثل الهدنة الحالية فرصة لإثبات نوايا روسيا بشأن الوصول لحل سياسي بشأن الأزمة السورية، في حال تمكنت من الضغط على نظام الأسد والميليشيات الإيرانية لقبول الهدنة، فيما ستحاول أنقرة أن توحد جهودها في عملية "درع الفرات"، من خلال دعمها لفصائل "الجيش السوري الحر" في السيطرة على مدينة "الباب"، آخر معاقل داعش في ريف حلب الشمالي، ومن ثم تتوجه لمدينة "منبج" المسيطر عليها من "قسد" التي تقودها القوات الكردية، وتتلقى دعمًا عسكريًا ولوجستيًا من الولايات المتحدة، وتأكيد مسؤولين أتراك عدم تقديم الأخيرة أي دعم جوي لقوات "درع الفرات" في معركة "الباب".
وإذا ما نجح وقف إطلاق النار، الذي أعلن عنه قبيل انتهاء العام الجاري بثلاثة أيام، فإن العام القادم سيشهد انفراجًا بالأزمة السورية، والذي يظهر أن الفراغ الذي أحدثته نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الصعيد الدولي، لعب عاملًا إيجابيًا نظرًا للنتائج التي رافقت التقارب الروسي-التركي، ووصولهم إلى مراحل متقدمة من المفاوضات بين المعارضة والنظام السوري، المتوقع أن تتبلور ملامحها النهائية في الاجتماع المتوقع عقده في العاصمة الكازاخية "الأستانة" الشهر المقبل.
اقرأ/ي أيضًا: