شهدت الولايات المتحدة الأمريكية انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، الأسبوع الماضي، وكان أداء الجمهوريين فيها بعكس المتوقع، وما يأمل الحزب بحصوله، وما عبر عنه بـ"الموجة حمراء" التي تمكنه من تحقيق الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، محققًا أغلبية ضئيلةً في مجلس النواب فيما بقيت الكفة المرجحة للديمقراطيين في مجلس الشيوخ.
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، الأسبوع الماضي، وكان أداء الجمهوريين فيها بعكس المتوقع
وتقدم الديمقراطيون في مجلس الشيوخ بفارق بسيط، مكنهم من الاحتفاظ بالسيطرة على المجلس، فيما حصل الجمهوريون على الأغلبية في مجلس النواب بعد تأمينهم لمقعد الدائرة 27 في كاليفورنيا، وبذلك يصلون لـ 218 مقعدًا، وهو العدد الذي يضمن لهم قاعدةً تشريعيةً خلال العامين المتبقيين من ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وبعد إعلان النتائج، غرد النائب الجمهوري كيفن مكارثي على تويتر، "الأمريكيون مستعدون لاتجاه جديد، والجمهوريون في مجلس النواب مستعدون لتحقيق ذلك". بدوره هنأ الرئيس الأمريكي جو بايدن النائب الجمهوري كيفن مكارثي على الفوز بالأغلبية في مجلس النواب، وأعرب عن استعداده "للعمل مع الجمهوريين في مجلس النواب لتحقيق نتائج للأسر العاملة"، وقال بايدن وفق ما جاء في بيان للبيت الأبيض، إن "انتخابات الأسبوع الماضي أظهرت قوة الديمقراطية الأمريكية ومرونتها"، مضيفًا أنه "كان هناك رفض قوي لمنكري الانتخابات، والعنف السياسي والترهيب، كان هناك بيان مؤكد بأن إرادة الشعب في أمريكا هي السائدة"، في إشارةٍ منه إلى خسارة معظم المرشحين الذين دعمهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ويمنح هذا الفوز الجمهوريين إمكانية وضع عراقيل أمام خطط عمل بايدن، فضلًا عن إطلاق جملة من التحقيقات التي ستطال إدارته وعائلته، خاصةً علاقة نجله هانتر التجارية مع الصين ودول أخرى، مما يمكن أن يؤثر سلبًا على مسار بايدن السياسي. وتُمكن سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب، من انتخاب رئيس جديد للمجلس، الذي سيُدير كل لجنة داخله، ويقرر مشروعات القوانين التي ستُعرض على مجلس النواب، وقد كشف النائب عن الحزب الجمهوري في مجلس النواب كيفين مكارثي النقاب عن "التزامه تجاه أمريكا"، وهو مخطط عريض للسياسات الاقتصادية، وأمن الحدود وغيرها من السياسات التي سيقترحها الحزب الجمهوري في الجلسات الأولى التي ستعقد للكونغرس بعد انتخابات التجديد النصفي.
وبصفتهم حزب الأغلبية، سيقرر الجمهوريون ما هو التشريع الذي يتم النظر فيه في مجلس النواب، وسيكون لهم دورٌ أكبر في وضع سياسة الإنفاق وكتابة التشريعات، كما تزيل سيطرتهم على مجلس النواب الإمكانية لزيادة الضرائب على الشركات وهو ما كانت تفضله إدارة ترامب، كما سيعملون على تقليص الإنفاق الفيدرالي، من خلال الحد من التشريعات التي كانت تهدف إلى مكافحة تغير المناخ، وتوسيع تغطية الرعاية الصحية.
انكسار "الموجة الحمراء"
بالمقابل، لا تعطي هذه الأغلبية الضئيلة مساحةً كبيرةً من العمل للجمهوريين، فقد قالت شبكة "NBC" الإخبارية إن "الأغلبية الجمهورية الضئيلة، ستعقد قدرتهم على العمل في قاعة مجلس النواب"، وأضافت "بدلًا من ذلك، كشفت النتائج عن أن الولايات المتحدة لا تزال منقسمة بسبب الرئيس السابق دونالد ترامب، وادعاءاته المُتكررة بأن انتخابات عام 2020 سرقت منه"، وأشارت إلى أن "المخاوف من الاقتصاد والتضخم لم تكف لدفع الجمهوريين بأعداد كبيرة للتصويت لمرشحيهم في الانتخابات بعد أن جعل ترامب الانتخابات استفتاءً فعليًا على نفسه وخططه السابقة والمستقبلية كزعيم فعلي للحزب". أما وكالة "بلومبيرغ" فقد أشارت إلى أن انتخابات التجديد النصفي كانت بمثابة خيبة أمل للحزب الجمهوري الذي اعتمد على نتائجها كنقطة انطلاق للسباق الرئاسي عام 2024.
هذه الأغلبية الضئيلة في مجلس النواب، ترفع من سقف التحديات أمام عمل الجمهوريين، بالإضافة للانقسام داخل معسكرهم، فقد واجه الزعيم الجمهوري الحالي النائب كيفن مكارثي، معارضةُ داخل صفوف الحزب بسبب ترشيحه لمنصب رئيس مجلس النواب، ويمثل مكارثي ولاية كاليفورنيا في مجلس النواب منذ عام 2007، وأعلن ترشحه رسميًا لمنصب رئيس مجلس النواب الأسبوع الماضي، وخلال رسالة إلى الجمهوريين في مجلس النواب حثتهم على "البقاء معًا، للحفاظ على مهمتنا".
وعلى الرغم من حصوله على ترشيح الحزب للمنصب، بعد فوزه بـ 188 صوتًا، وذلك في تصويت جرى الثلاثاء للنواب الجمهوريين، لكن لا يزال عليه الفوز بـ 218 صوتًا في التصويت المقرر عقده في كانون الثاني/ يناير القادم من أجل الفوز برئاسة المجلس، وحينها سيحل مكان رئيسة المجلس الحالية الديمقراطية نانسي بيلوسي.
ولتحقيق ذلك يجب على مكارثي تجاوز التحدي المتمثل في اليمين المتطرف داخل الحزب الجمهوري، وعلى الرغم من تخطيه الجمهوري أندي بيغز عضو مجمع الحرية اليميني المتطرف في التصويت الداخلي، لكن الجناح اليميني المحافظ في الحزب يمتلك فرصةً لفرض شروطه قبل دعم مكارثي في التصويت، كما أن أيّ انشقاقات محتملة لليمين المتطرف قد تضع عراقيل أمام انتخاب مكارثي رئيسًا لمجلس النواب، لأن الأغلبية الضئيلة للجمهوريين داخل مجلس النواب تجعلهم محاصرين، فهم بحاجة إلى تأمين دعم شبه كامل من نواب المعسكر الجمهوري.
وفي هذا الإطار تذهب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى القول بأن الديمقراطيين في مجلس النواب "سيواصلون لعب دور قيادي في دعم أجندة الرئيس بايدن، مع نفوذ قوي على أغلبية جمهورية ضئيلة"، كما أن الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تعطي لبايدن إمكانيةً للاعتماد عليها لتأكيد تعييناته القضائية والإدارية، حتى لو تم عرقلة أجندته التشريعية من قبل الجمهوريين في مجلس النواب.
وفي خطوة استباقية، صوت مجلس الشيوخ، يوم الأربعاء، لصالح قانون يحمي الاعتراف الفيدرالي بزواج المثليين، وذلك بعد مخاوف من أن وجود محكمة عليا أكثر مُحافظةً قد تتجه إلى إلغاء القرار الذي صدر عام 2015 الذي يتيح ذلك، وحصل القانون على دعم 60 صوتًا المطلوبة قبل التصويت النهائي عليه.
ووفقًا لوكالة "رويترز"، كان الجمهوريون يأملون في رؤية "موجة حمراء" تجتاح أمريكا، وهو ما لم يحصل بعدما اندفع أنصار الحزب الديمقراطي إلى صناديق الاقتراع تُحفزهم قضايا رئيسية تهمهم، مثل قرار المحكمة العليا بإلغاء القوانين التي تجيز الإجهاض، بالإضافة للخشية من المرشحين المتطرفين المدعومين من ترامب، والرافضين لنتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020، وهنا لعب الناخبون الجمهوريون المعتدلون دورًا مهمًا بعد تراجعهم عن دعم عدد من المرشحين المتطرفين، وبالأخص حلفاء ترامب.
التركيز على الصين ومراقبة أوكرانيا
ورغم خسارة بايدن لمجلس النواب، مما يعني سلطةً أقل في يده، إلّا أنّ رويترز تشير إلى أنه من غير المستبعد أن يتعاون نواب الحزب الجمهوري مع بايدن، خاصةً أنه سيجبر على الدخول في مساوات معهم، في قضية المساعدات لأوكرانيا، وأشار بايدن إلى أن إدارته "لم تمنح أوكرانيا شيكًا على بياض"، لكن سيسعى نواب الحزب الجمهوري لتقليص تلك المساعدات العسكرية والاقتصادية، وهذا ما أكدوا عليه عدة مرات، دون الحديث عن إيقافها نهائيًا. وتحدث الجمهوري مايكل ماكول الذي يترأس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب لرويترز، بأنه يتوقع استمرار تدفق المساعدات، مشيرًا إلى دعم الحزبين لحكومة كييف، لكنه أردف بأن الجمهوريين يريدون المزيد من "الرقابة والمساءلة" على المساعدات الخارجية، فضلًا عن مشاركة حلفاء الولايات المتحدة، وأضاف مكول "سنضع شروطًا على المساعدة، على سبيل المثال سنقدم لكم هذه المساعدة لكننا نريد أن يتحمل شركاؤنا في حلف شمال الأطلسي عبء ذلك"، مضيفًا أن ما يحاول الحزب الجمهوري فعله في أوكرانيا هو "تجنب الصراع العالمي".
ورغم خسارة بايدن لمجلس النواب، مما يعني سلطةً أقل في يده، إلّا أنّ رويترز تشير إلى أنه من غير المستبعد أن يتعاون نواب الحزب الجمهوري مع بايدن
ويعلن الجمهوريون تركيزهم على ضمان إلّا تتسرب التكنولوجية الأمريكية الحساسة للجيش الصيني، وهذا ما أكد عليه مكول، قائلًا "بالنسبة لنا هذا جنون، نحن نسلح عدونا اللدود"، مضيفًا أنه "يعتقد أن الديمقراطيين والجمهوريين سيعملون معًا في هذه القضية". وفيما يخص تايوان أكد ماكول أنه والنائب الجمهوري مايك روجرز الذي يترأس لجنة القوات المسلحة، سيعملان معًا لتعزيز "خط الإمداد الصناعي الدفاعي لتسهيل توفير المعدات العسكرية لتايوان حتى تتمكن من درء أي هجوم محتمل من الصين".