ثمة تعبيرات وأوصاف كثيرة من اللغة العامية المصرية، يكتب من خلالها الشاعر والمترجم المصري عبد الرحيم يوسف خلاصة قراءاته الإنجليزية والعربية الفصحى، محاولًا بذلك ربما تجاوز اللغتين بتلك المصطلحات "الزجلية"الجديدة.
ولد الشاعر والمترجم المصري عبد الرحيم يوسف (42 عامًا) في الإسكندرية التي لا يزال يعيش فيها، تخرج من كلية التربية (قسم اللغة الإنجليزية)، يعمل مدرسًا للغة الإنجليزية، بالإضافة إلى عمله بالترجمة، وينشر بعض قصائده في العديد من الصحف.
دواوينه: "قصايد ماتت بالسكتة القلبية"، و"ألعاب خطرة"، "م المرحلة الزرقا"، و"قطه وقدِّيسه وجنيَّه"، و"عفريت العلبة، و"GAME OVER" . أما في الترجمة فأصدر: رواية "يوم للجراد" لناثانيال ويست، وأنطولوجيا للقصة الأيرلندية الحديثة بعنوان "حقائق ملتوية"، و"ثلاث دراسات حول الأخلاق والفضيلة" للمفكر الهولندي برنارد ماندفيل، التي فاز بسببها بجائزة الدولة التشجيعية 2016، فرع ترجمة الأعمال الفكرية. ورواية "بين الرجال" للأيرلندي ميهال أوكونيل، و"حلم فـ ليلة نص الصيف" لشكسبير.
وأخيرًا صدر له هذا العام ديوان "كراكيب جديدة"، إضافة إلى ترجمته لكتاب الهولندية مينيكه شيبر "المكشوف والمحجوب.. من خيط بسيط إلى بدلة بثلاث قطع".
حاوره "ألترا صوت" حول الكتابة والشعر والترجمة بالتزامن مع الفترة الحالية المضطربة التي يعيشها الوطن العربي.
- ما الذي يدفعك للتركيز على فكرة تجاوز الزمن في كتاباتك؟ أو بشكل عام هل يأتي ذلك تعبيرًا عن كل الرافضين لأوضاعهم الحالية بالهروب من الزمن وثقله؟ ولماذا تعتبر النثر شعرًا حرًّا؟
الحقيقة لم أنتبه من قبل إلى فكرة تجاوز الزمن هذه، أو الهروب من الحاضر كما فهمت من السؤال.. الزمن بالنسبة لي جزء أساسي من النص، خاصة أن الشعر كما هو معروف فن زمني. وأنا أعتقد أن نصوصي غير مقصورة على الحديث عن الماضي، ففيها استحضار للحاضر، كما أني كثيرًا ما أستخدم صيغة المستقبل؛ لكن ليس بهدف التنبؤ.. بل كشكل من القرار المتردد أو التأكيد على التكرار. بالنسبة لي الشعر ليس هروبًا بل محاولة للفهم والاستبطان ومكاشفة مستترة بالمجازات والألعاب اللغوية، لكني لا أحب التعامل الآني مع الأحداث.. قد أنفعل معها وأحيانًا قد أكتب نصوصًا أو أغاني كشكل من أشكال التنفيس والتفاعل، لكني لا أعتبرها نصوصًا شعرية أضمها في متن تجربتي المتواضعة. وأنه من الأليق وصف قصيدة النثر أو ما اصطُلح عليه بهذا الوصف بأنه شعر حر، أما استخدامه لوصف قصيدة التفعيلة فهو غير دقيق، إذ تظل قصيدة التفعيلة مقيدة بالتفاعيل حتى لو نوَّعت فيها.
عبد الرحيم يوسف: مشكلات كثيرة الترجمة والمترجمين، مثل غياب قاعدة بيانات للترجمات والمترجمين، وقلة العائد المادي
- حدثنا عن تجربة منصة "ترى البحر" التي تشارك في صنعها؟ وكيف تختار أساسًا أي مشروع أدبي لتشارك في ترجمته أو العمل فيه؟ وما المشاكل التي تواجه المترجمين المصريين في الفترة الحالية؟
بدأت الفكرة في عام 2013 عندما نظمت "مؤسسة جدران للفنون والتنمية" ورشة حول الإعلام البديل بالتعاون مع "منظمة اليونسكو"، ومن ضمن الأعمال التطبيقية للورشة كانت هناك مطبوعة تجريبية بعنوان "ترى البحر" ترصد مشاهد من التغيرات العمرانية الدراماتيكية في الإسكندرية بعد الثورة. وفي عام 2015 تقدمنا بفكرة المنصة للحصول على منحة مشروع ابتكار، وحصلنا على المنحة.
أما عن اختيار المشروعات الأدبية أو غيرها، ففي الحقيقة أهم ما يجعل الأشياء تكتمل وجود مساحة من التوافق في الأفكار والتوجهات والتفاهم بين المجموعة هو الشرط الأساسي بالنسبة لي للاشتراك في أي عمل ثقافي، حتى لو لم يستمر بعد ذلك لظروف خارجة عن إرادة المجموعة.
اقرأ/ي أيضًا: ياسر خنجر: تنازع مكانين في هويتي يزيدها اكتمالًا
حتى الآن لا أرى نفسي مترجمًا محترفًا أو متفرغًا للترجمة، فأنا أعمل مدرسًا وتأتي الترجمة كاستراحة بين كل هذا، وكمشروع خاص أتمنى التفرغ له خلال السنوات القريبة. وقد تحدثت كثيرًا عما أعتقده مشكلات تواجه الترجمة والمترجمين في مصر خاصة، وفي الوطن العربي عامة: مثل غياب قاعدة بيانات للترجمات والمترجمين، وقلة العائد المادي، خاصة في مصر، سواء من هيئات النشر الحكومية أو الخاصة والتأخر في صرفه خاصة من الأخيرة، وعدم وجود نقابة أو هيئة تمثل المترجمين وتدافع عن مصالحهم، وندرة الدورات التدريبية المفتوحة وتمركزها في القاهرة فقط.. والقائمة تطول!
- لماذا يمثّل لك سيد حجاب الشاعر الأهم بين أقرانه؟ ومن هم الكتّاب "العالميون" الذين أثروا في مسيرتك الأدبية؟
وأنا صبي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي تأثرت بأغانيه التي كنت أحفظها من المسلسلات المصرية والتي كانت تحمل مفردات وعمقًا مختلفين. لكن بعد ذلك ومع تعمق قراءاتي في شعر العامية المصرية أصبح العم سيد ضمن قائمة من الشعراء الرواد البارزين الذين أثروا في تطور شعر العامية مثل عبد الله النديم وبيرم التونسي وبديع خيري، ثم الكبيرين صلاح جاهين وفؤاد حداد، وجيل العم سيد مثل الخال الأبنودي وفؤاد قاعود وغيرهم. وقد تحدثت كثيرًا عن وقوعي لزمن طويل تحت ظل والد الشعراء فؤاد حداد الذي أعتبره من أهم الكتاب الذين أثروا في تكوين ذائقتي الشعرية كلها.
أما عن الكُتاب العالميين فهم بحسب ترتيب ظهورهم المؤثر: أجاثا كريستي في مرحلة الطفولة، وإيميلي برونتي التي قرأت روايتها الوحيدة "مرتفعات وذرنج"، في "سلسلة الأدب العالمي للناشئين" ووقعت في أسر عالمها. ديستوفيسكي الذي عصفت رواياته بعقلي وقلبي أيامًا طويلة أثناء مراهقتي، ثم الشاعر الإنجليزي جون دُونّ، ثم شكسبير.. ولا تنتهي القائمة ما دمت أقرأ وأكتشف!
- كيف كانت ردود الفعل بعد ترجمتك الأخيرة لرواية ويليام شكسبير "حلم ليلة صيف" الشهيرة تحت عنوان "حلم فِ ليلة نُص الصيف"؟ ولماذا أقدمت على ترجمتها؟ وهل تنصح بخوض تجارب مماثلة من المترجمين الشباب؟
الحقيقة لم تحقق الترجمة في رأيي ردود أفعال ضخمة. وربما هذا ما أحبه أكثر. أذكر أن فوجئت أثناء بعض النقاشات بعدد كبير من الانتقادات وكثير من الهجوم على فكرة الترجمة للعامية، وأنها تردٍ ثقافي وتهديد للفصحى والهوية العربية! والحقيقة كنت مترددًا في البداية عندما قمت بالترجمة بناء على اقتراح من صديق مخرج. لكن مع بداية عملي على الترجمة ازداد حماسي، قدّم العمل بعدها لمدة ستة أيام في شهر أيار/مايو 2014 على مسرح الليسيه بالإسكندرية وسط إقبال ونجاح جماهيري معقول. بعدها بعامين نشرت الترجمة في سلسلة كلاسيكيات التي تصدرها "دار صفصافة للنشر" (التي رشّح لي صاحبها محمد البعلي أيضًا ترجمتي الأولى: كتاب "حقائق ملتوية" الذي يسرد مختارات لكتاب قصة آيرلنديين معاصرين). كانت الترجمة في الحقيقة بهدف تقديم النص على خشبة المسرح، ازداد حماسي بالنظر لتجربة مماثلة: عندما ترجم د. مصطفى صفوان مسرحية عطيل لشكسبير أيضًا إلى العامية، بالطبع الترجمة للعامية في رأيي ليست هدفًا في حد ذاته بقدر ما تتطلبها طبيعة نصوص بعينها، أو طموح معين للوصول إلى شرائح بعينها من القراء. لكن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك، وعلى كل مترجم أن يحدد ما يراه ملائمًا له.
- قلت في أحد حواراتك إنك "تشاهد الأفلام كأحد صانعيها"؛ كيف تؤثر السينما في كتاباتك؟ ولماذا لم تنتج ترجمات تتعلق بالمجال السينمائي إلى الآن؟
لوقت طويل كنت أعتقد أن الفن الأقرب لقصائدي هو الرسم، كنت أحاول أن أرسم بكلماتي لوحة ثابتة مليئة بالظلال والألوان. لكن مع الوقت أصبحت الكتابة مشتبكة كذلك مع المسرح، والموسيقى والسينما، أو بهم جميعا في النص الواحد. وهذه قدرة أقرب للسينما التي يمكن أن تضم كل هذه الفنون جميعا. السينما منذ اختراعها وتحولها إلى فن جماهيري أصبحت أحد المكونات الرئيسية لخيالنا ووعينا البصري ومشاعرنا وأحلامنا، ويمكنك أن تقرأ مئات الشهادات والحكايات لكتاب القرن العشرين عن تأثير السينما في طفولتهم وحياتهم. كان أحد أحلامي وأنا صغير أن أعمل مصورًا سينمائيًا أو مخرجًا. وكنت أحيانًا كثيرة أمسك بمرآة صغيرة وأسير في البيت ناظرًا فيها لما يحدث حولي وخلفي، وما يفعله أفراد عائلتي كأنهم أبطال فيلم يمثلون وأنا أصورهم وأؤطر أفعالهم في كادر المرآة، صاعدا فوق الكراسي أو هابطًا تحت المناضد لأغير الكادر وأرى ما يحدث من زاوية أخرى... وقد ترجمت بالفعل في العام الماضي مقالًا طويًلا للمُنظّرة السينمائية البريطانية لورا مولفي بعنوان "المتعة البصرية والسينما الروائية"، وتم نشره في كتيب عن السينما الألمانية الحديثة من وجهة نظر نسوية أصدره معهد جوته بالإسكندرية.
عبد الرحيم يوسف: كنت أحاول أن أرسم بكلماتي لوحة ثابتة مليئة بالظلال والألوان. لكن الكتابة أصبحت مشتبكة مع المسرح والموسيقى والسينما
- هل ترى أي اختلافات طرأت على جائزة نوبل في الفترة الحالية قد تُغيّر من الحصول عليها في المستقبل؟ وما رأيك في طبيعة الجوائز الأدبية في العموم إلى جانب الحديث عنها بالتحديد؟ وهل تعتقد بأن ثمة تطورًا لديكم ككتاب في تلك الفترة لحصد جوائز عالمية؟ وكيف ترى الورش الكتابية التي انتشرت في الفترة الأخيرة؟
طبعا أثارت جائزة نوبل لغطا كبيرا خاصة في السنين الأخيرة بعد منحها للكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش عام 2015، والمغني والملحن وكاتب الأغاني بوب ديلان عام 2016. وهو ما فتح الباب واسعا للنقاش حول اتساع مفهوم الأدب ليشمل جمع الشهادات الواقعية للأحداث التاريخية كما في حالة أليكسييفيتش، أو عالم الأغاني والبوب آرت كما في حالة ديلان. وقد وجد النقاش مؤيدين ومعارضين. لكن الواقع تغير بالفعل وهاتان الواقعتان أصبحتا سابقتين يمكن تكرارهما لاحقًا.
اقرأ/ي أيضًا: مكاوي سعيد: أنا كاتب كسول ومزاجي
الجوائز الأدبية عمومًا تثير لغطًا وجدلًا كبيًرا. هذه الجوائز مطلوبة طبعا كمكافأة وتقدير للكتاب، خصوصًا في واقع كواقعنا الذي لا يحتفي بالثقافة والمثقفين. لكنها مثل كل شيء تخضع لشروط مؤسسيها وتوجهات لجان تحكيمها وتغيرات الذوق العام... إلخ. وقد أصبح للجوائز الأدبية في واقعنا العربي خلال السنوات الأخيرة دور كبير في اتجاهات القراءة خاصة نحو الرواية، وفي انكباب الكُتاب على محاولة صياغة نصوص على مقاس وشروط الجوائز، وهذا أمر خطير لكنه عرض طبيعي. أما عن طموح حصول الكتاب العرب على جوائز عالمية فهذا مرهون بشروط كثيرة مثل الترجمة إلى اللغات الأخرى واهتمام النقاد الغربيين ومقدمي مراجعات الكتب بها، لتلتفت إليها لجان تحكيم الجوائز الدولية وهذا أمر شائك. لسنين طويلة كنت تجد أسماء عربية مثل أدونيس ونوال السعداوي على قوائم المرشحين لنوبل، لكن الترشيح شيء والحصول على الجائزة شيء آخر. ومازال أمام الجيل الحالي أو الأسبق منه الكثير حتى يصل إلى هذه القوائم.
عبد الرحيم يوسف: أصبح للجوائز الأدبية في واقعنا العربي خلال السنوات الأخيرة دور كبير في اتجاهات القراءة خاصة نحو الرواية
أما عن موضوع الورش الأدبية، فأرى أنه من الطبيعي أن يحاول الكاتب المبتدئ تطوير أدواته والبحث عن معلم أو مرشد.. لكن تحول الموضوع إلى هذا الشكل التجاري الذي يتطلب دفع مبالغ مالية مُبالغ فيها لكي تتعلم كتابة الرواية أو القصة في شهر أو عدة أيام هو أقرب لكورسات الدروس الخصوصية البائسة. الكاتب المبتدئ في حاجة للقراءة بالأساس ولعدم الاكتفاء بمعلم أو مرشد واحد. طوال الوقت كانت هناك تجمعات ولقاءات أسبوعية يلقي فيها الحاضرون بنصوصهم ويستمعون لآراء ذوي الخبرة، هذه اللقاءات رغم روتينيتها أحيانًا أو تسلط الكبار فيها لكنها كانت مجالًا هاًما للاحتكاك والتعرف على أكثر من اتجاه. عندما بدأت الورش الأدبية المحددة الفترة والهدف والقائم عليها شخص واحد في السنوات الأخيرة كانت البداية قوية نظرًا لأسماء القائمين عليها وخبرتهم وتميزهم، لكن مع اتساع الأمر وازدياد الطلب ظهرت أسماء لم تكتمل أدواتها هي أصلًا حتى تعلم غيرها.
- ما أيك في الوضع السياسي الحالي للبلاد سواء على المستوى المحلي أو العالمي فيما يخص تأثيره على الكتّاب؟ وهل يمكن التنبأ بتطورات أدبية في ظل المناخ السياسي الحالي؟
الحقيقة نحن في وضع سياسي مخيف محليًا ودوليًا، هذا المناخ المترصد الذي يقمع المختلف ويحجب المواقع ويغلق المكتبات ويصادر الجرائد ويمنع نشر المقالات لا ينبئ بخير ولا يجعل الكُتَّاب في أفضل أحوالهم، ولا الكتاب في أفضل أحواله، خصوصًا مع ارتفاع الأسعار المرعب وصعوبة الحصول على متطلبات العيش الأساسية. لكن ليس أمامنا إلا المحاولة والسعي والأمل في تغير الأحوال وانصلاحها وإلا فالبديل هو الموت.
اقرأ/ي أيضًا: