لم يكن عبد العزيز المقالح، الشاعر والناقد والمفكر اليمني بالغ الشهرة، مجرد اسم لأديب كبير ترعرع على هذه الأرض وخاض غمار الأدب والنقد والصحافة والعمل الأكاديمي في مدنها، وتغنى وكتب لكل تفاصيلها، بل كان الذاكرة الأدبية والفكرية اليمنية لكل الأجيال الادبية اليمنية بكل مسمياتهم.
يمكن لطفل صغير أن يعرف ويدرك من هو المقالح رغم انحياز الأخير للأشكال والتعبيرات الأدبية الجديدة، وحتى التأسيس لها. "الشعر الجديد" وهذا غير مألوف لدى العامة ولا يطاوع ذائقة تقليدية تسيطر حتى على أذهان وخلفيات زملائه، وبعض الأوساط الأكاديمية والأدبية اليمنية.
بروح الأديب الحالم والمغاير والمتمرد بهدوء وموهبة، كتب عبد العزيز المقالح للمدن وللمحبة وللشعور وللتأمل ولتأويل، منقبًا بحواسه عن الجمال وأثره في الأمكنة والبشر والوجود والحكايات والشخوص
حضوره كشاعر وناقد ومفكر عربي، في المحفل المحلي والدولي، ولدى العامة والخاصة من الناس، تأتى من كونه أديبًا فاعلًا في الوسط الاجتماعي اليمني.
بروح الأديب الحالم والمغاير والمتمرد بهدوء وموهبة، كتب المقالح للمدن وللمحبة وللشعور وللتأمل ولتأويل، منقبًا بحواسه عن الجمال وأثره في الأمكنة والبشر والوجود والحكايات والشخوص، رغم إشكالية المكان اليمني، الخاضع كليًّا لمنغصات تتعلق بالتخلف الاجتماعي والجهل والصراع السياسي الذي لا ينفك هذا البلد من في الولوج فيه، بدلًا من رحابة الإنسان ومقتضيات العصر والتبلور الخلاق لروح الأمكنة وتنوعها وانفتاحها الاجتماعي والتحديثي.
ظل المقالح مخلصًا لمدينته التي أحب وأحبها جل الشعراء اليمنيين، فصنعاء حاضرتهم وعاصمتهم التي ألفت البدايات والنهايات لكثيرين، وانسكبت الأحلام والحكايات لترمم بيوتها العتيقة وتدفئ أزقتها الضيقة غالبًا عن الحرية وسيرتها.
وهنا تكمن عبقرية الأديب الحقيقي في خلق عوالم موازية وروح لأشياء تتداعى وتضيق، ولا يمنع هذا من التحليق والانفتاح صوب ثقافات ولغات وأمكنة وفنون العيش والبقاء، في ظل عولمة التكنولوجيا وثمارها المنقذة لفردانية الخلق والإبداع والتجارب.
وقد يعتب البعض على المقالح تسخير كل طاقته وأدواته الإبداعية وفقًا لحيز المكان وسطوته وأنا أحدهم. وذلك بالمقارنة بما كان يمكن لعبقرية أيقونة مثله أن تفعله لكل الأجيال الأدبية في العالم العربي، من أثر لا إطار أو مكان له إن أطلقت العنان لحرية لا تتجزأ أو تهادن أو تضيق.
إنه المقالح وكفى.. العرّاب لكل تفاصيل الحنين والوجد والأحلام والكتابة، ورحيله خسارة فادحة ونكبة أخرى للثقافة العربية والوسط الأدبي العربي. لكن لا يموت الشاعر أو الأديب إلا مجازًا، وكيف يموت من له ألف حياة وحياة تمتد من روح إلى أخرى.
