اعتبر المفكر العربي عزمي بشارة أن التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين بين "إسرائيل" وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ممكن في ظل تراجع دولة الاحتلال عن بعض ما تراجعت عنه مؤخرًا، أي الاقتراحات التي تم الاتفاق عليها في باريس وكانت "إسرائيل" شريكة في صياغتها، سيما السماح للغزيين بالتنقّل من جنوب القطاع إلى شماله، وعدد الأسرى الذين ستقوم بإطلاق سراحهم مقابل عدد المحتجزين في غزة.
وأوضح مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، في مقابلة أجراها معه "التلفزيون العربي"، مساء أمس الأحد، أن هاتين المسألتين، عودة النازحين إلى شمال غزة وتأمين مساكن مؤقتة لهم، وعدد الأسرى؛ هما القضيتان الرئيسيتان المطروحتان للنقاش والتوافق حاليًا، لافتًا إلى أن الضغط الأمريكي قد لعب دورًا، إلى حد ما، في تراجع "إسرائيل" عن موقفها بشأنهما.
وأعاد بشارة سبب رفض "إسرائيل" لما وافقت عليه الآن إلى كسب الوقت لاستكمال الهجوم على خانيونس، معربًا عن اعتقاده بأن "إسرائيل" تسعى إلى أن تكون المرحلة الأولى من الهدنة في شهر رمضان، وبأنها ستكتفي بهذه المرحلة من دون الانتقال إلى المرحلتين الثانية والثالثة.
أكد بشارة أن "إسرائيل" ستواصل حربها على قطاع غزة حتى تحقيق أهدافها في ظل عدم وجود أي ضغط دولي أو عربي حاسم يجبرها على وقفها
وقال إنه لا يوجد موافقة إسرائيلية على وقف إطلاق النار. بل، وعلى العكس تمامًا، ثمة تحذير مستمر من أن الهدن لا تعني وقف إطلاق النار. وبينما أشار إلى أن "إسرائيل" تريد أن يبدأ النقاش حول هذه المسألة مع بداية المرحلة الثانية، أكد أنه لا توجد أي ضمانات لذلك.
وفي حديثه عن التفاؤل الذي تحدّثت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الصفقة، بيّن بشارة أن الغاية من الترويج لهذا التفاؤل هو إحراج الطرف الآخر، "حماس"، لإظهاره لاحقًا، في حل فشل المفاوضات، على أنه المسؤول عن فشلها.
وأكد المفكر العربي أن معاناة الناس في غزة التي وصلت إلى حد التجويع تلعب دورًا رئيسيًا بالنسبة للفلسطينيين عمومًا، والطرف المفاوض ضمنًا. كما أشار إلى أن "إسرائيل" تستخدم أسلحة غير مسبوقة في العصر الحديث، منها سلاح التجويع الذي أصبح يؤثر على معنويات الناس ووضعهم، لافتًا إلى التواطؤ أو الصمت الدولي إزاء ما يجري من دون فعل أمور بسيطة مثل إجبار دولة الاحتلال على السماح بدخول الإغاثة، ومنعها من تجويع الناس.
وفيما قال إن معاناة الناس قضية أولى يجب أن تُعالج، من دون التنازل عن الثوابت والقضايا الأساسية التي تهم المقاومة؛ لفت إلى أن الجديد في المفاوضات الحالية هو أن "إسرائيل" تتعامل هذه المرة مع مقترح أمريكي، وهذا يشكّل ضغطًا عليها.
اليوم التالي والهجوم على رفح
أما بشأن الهجوم على رفح، فأوضح بشارة أن ما يُقال في "إسرائيل" هو أن الهدنة مهما كان طولها لن تؤجل أو تلغي العملية في المدينة، مشيرًا إلى وجود إجماع داخل "كابينت الحرب" على مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها، أي استكمال احتلال قطاع غزة وفرض إدارة مدنية محلية تابعة أمنيًا لـ"إسرائيل" وتشرف عليها.
وقال إنه طالما أن المقاومة الفلسطينية قادرة على مقاومة ذلك، فإن "إسرائيل" ستواصل الحرب في ظل غياب أي ضغط دولي أو عربي حاسم يجبرها على وقف الحرب، التي أكد أنها لن تتوقف دون ضغط دولي أو عربي فيه تحذيرات واضحة من استمرارها.
وشدَّد في هذا السياق على عدم وجود موقف أمريكي يردع "إسرائيل" عن القيام بعملية برية في رفح، كما لا يوجد موقف مصري واضح يصر على عدم دخول المدينة. وبينما أشار إلى أن الإسرائيليين سيُعلِمون المصريين بخططهم لاجتياح المدينة، تحدّث عن أن القبول بعودة الناس إلى شمال غزة له علاقة بتخفيف عدد الموجودين داخل رفح.
وفي الانتقال إلى الحديث عن طرح رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لخطته عن اليوم التالي بعد الحرب على قطاع غزة، أوضح صاحب كتاب "أن تكون عربيًا في أيامنا" أن ما طرحه ليس خطة حقيقية وإنما أقرب إلى "إعلان نوايا"، لافتًا هنا إلى أن نتنياهو الذي وصفه بالمجرم والبربري والكاذب، يريد أن يظهر بوصفه القائد الذي يملك أفكارًا، ويستطيع تحدي العالم لا سيما لناحية إفشال فكرة الدولة الفلسطينية.
وأكد أن الأمر الرئيسي بالنسبة إلى نتنياهو هو السيطرة الأمنية على الضفة الغربية وقطاع غزة معًا، مشيرًا في هذا السياق إلى أنه يخطط للتعامل مع أطراف محلية في غزة مدعومة من دول التطبيع لتكون الإدارة المقبلة للقطاع، وقال إنه واضح من يقصد نتنياهو بالقوى المحلية المستعدة للتعامل مع هذه الدول ومعه.
وربط بشارة فشل هذا المخطط بوعي القيادات الفلسطينية لما يُحاك، مؤكدًا على ضرورة قيام وحدة وطنية فلسطينية تُفشل هذا المخطط، وتحوِّل المأساة في غزة إلى فرصة لناحية تحوّل معاناة الناس إلى ضريبة على المجتمع الدولي، بمعنى أن هذه القضية لا يمكن تجاهلها الآن وتحتاج إلى حل.
وفيما ذكّر بأن الإنجاز الوحيد من كل ما جرى هو إعادة فرض قضية فسلطين على جدول الأعمال الدولي، شدّد بشارة على ضرورة وجود قيادة فلسطينية موحدة تفرض حلًا عادلًا لا يُقبل بغيره. وقد حذّر هنا من أنه إذا بقي الوضع على حاله، سيكون هناك أساس لتنفيذ هذه الخطة. كما أكد أن وجود قيادة فلسطينية يحوّل هذه المعاناة الكبيرة إلى رصيد للشعب الفلسطيني دوليًا وإقليميًا.
وفي هذا السياق، قال بشارة إن "حماس" لن تشارك في حكومة في ظل الاحتلال، لكنها لا تمانع المشاركة في قيادة فلسطينية من نوع "منظمة التحرير الفلسطينية" أو في إطارها. كما أنها لا تعارض وجود حكومة تكنوقراط توافقية تدير الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سقف مرجعية سياسية تفاوض على حل عادل وليس أقل من ذلك.
لا يحق لمن يعارض المقاومة مناقشة جدوى "طوفان الأقصى"
وفي انتقاله إلى الحديث عن الموقف الأمريكي من الحرب على غزة، أكد بشارة أن المواقف الأمريكية لا تؤثر على مسارها، معتبرًا أن ما يوصف بأنه "اشتراطات أمريكية" مجرد بلاغة في ظل الدعم غير المشروط الذي تقدّمه إدارة الرئيس جو بايدن لـ"إسرائيل"، ويستفيد منه نتنياهو الذي رأى أنه يريد سقوط بايدن وقدوم منافسه دونالد ترامب. ولذلك فإنه غير معني بتقديم أي "هدايا" له في موسم الانتخابات الأمريكية.
شدّد بشارة على ضرورة وجود قيادة وطنية فلسطينية موحدة تُفشل المخطط والمؤامرة التي تُحاك ضد قطاع غزة والقضية الفلسطينية عمومًا
وشدّد المفكر العربي على أن ما يوقف نتنياهو عن تنفيذ مخططاته ليس موقف واشنطن وإنما المقاومة الفلسطينية وإرادة الشعب الفلسطيني ووحدته، والموقف العربي الغائب، لافتًا هنا إلى أن الدول العربية لا تمنح الولايات المتحدة أسبابًا للضغط على "إسرائيل". بل إنها وكما أوضح، جاهزة للتفاهم معه. وقد لفت هنا إلى الاجتماعات والتحالفات العربية الإسرائيلية والمشاريع المشتركة التي تجاوزت التنسيق الأمني قبل "طوفان الأقصى"، حيث كانت هناك تصورات مشتركة تحوّلت معها القضية الفلسطينية إلى تفاصيل.
وفي سياق آخر، اعتبر بشارة أن من يحق له مناقشة جدوى عملية "طوفان الأقصى" هو من يؤيد فكرة المقاومة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، لا من هو ضدها بكل أشكالها، ويؤيد التطبيع مع "إسرائيل". وأبدى المفكر العربي هنا استغرابه من الانشغال بلوم الضحية والمحاصرين الذين اختاروا مبدأ المقاومة، وغض الطرف عن المجرم الحقيقي الذي يقصف المستشفيات والمدارس، وبالتالي إعفائه من المسؤولية.
وذكّر مؤلف كتاب "مسألة الدولة" بأن "حماس" قد حذّرت "إسرائيل" عدة مرات من ممارساتها في المسجد الأقصى، ومن انتهاكاتها ضد الأسرى، لكن رد حكومة الاحتلال تمثّل في مضاعفة الاستيطان والاغتيالات في الضفة الغربية، وذلك بالتوازي مع تهميش القضية الفلسطينية.
وبينما أشار إلى أنه من حق الناس أن تغضب وتلوم بعد كل ما جرى، قال إن هناك جهات من خارج قطاع غزة تؤلب الناس لأغراض سياسية، وتسعى إلى تحويل هذا الغضب إلى تجاهل المجرم الحقيقي وهو "إسرائيل".
ونوّه بشارة، مجددًا، بالأداء المدهش للمقاومة الفلسطينية الذي تحدّث عن إعجاب العالم العربي بأكمله به. واختتم حديثه بالتأكيد على أن المطلوب هو تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني حتى لا يمر بمثل هذه المعاناة مستقبلًا. وشدّد، مرة أخرى، على ضرورة وجود قيادة فلسطينية واحدة تُفشل المؤامرة التي ستمر دون وجودها.