استبعد المفكر العربي عزمي بشارة أن تؤدي الهجمات التي تتعرض لها القواعد الأمريكية في المنطقة إلى حرب مباشرة بين إيران والولايات والمتحدة. وقال، خلال مقابلة أجراها معه "التلفزيون العربي" أمس الأحد، تعليقًا على مقتل 3 جنود أمريكيين في هجوم على قاعدة عسكرية على الحدود الأردنية السورية، إن هذه الهجمات تتكرر بين وقت وآخر، ولا تخرج عن سياق الأفعال وردود الأفعال بين الطرفين.
ومع أنها تأتي في سياق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لكنها جزء من الصراع القائم بين الطرفين بغزة وبدونها. ورغم توسعه بعد الحرب عليها، من الجبهة اللبنانية إلى سوريا فاليمن وصولًا إلى العراق، إلا أنها لن تؤدي وفق قراءته إلى حرب أوضح أن الولايات المتحدة ليست معنية بشنها على إيران، التي توضِّح بدورها أنها ليست متورطة مباشرةً.
رأى بشارة أن المقترحات الأمريكية المتعلقة باليوم التالي للحرب على قطاع غزة ليست معنية بحل القضية الفلسطينية وإنما بإعادة مسار التطبيع بين "إسرائيل" والدول العربية
ورأى مدير عام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" أن الهجمات المتبادلة بين الحوثيين من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى، لن تتحول بدورها إلى حرب إقليمية وإن استمرت الهجمات بين الطرفين، لافتًا هنا إلى أن ما يجعل من الحوثيين حالة فاعلة هو وجودها في منطقة استراتيجية هي مضيق باب المندب والبحر الأحمر بوصفهما ممر سفن تجارة عالمية.
المحكمة الدولية تبنّت السردية الفلسطينية
وفي حديثه عن التدابير التي اتخذتها محكمة العدل الدولية بشأن طلب جنوب إفريقيا فرض إجراءات احترازية طارئة تُلزم "إسرائيل" بوقف الحرب على قطاع غزة إلى حين البت في قضية اتهامها بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين بالقطاع، انتقد بشارة مناقشة البعض لهذه القرارات بوصفها انتصارًا تاريخيًا أو خيبة أمل، لافتًا إلى ضرورة أن يكون التعاطي مع قرارات المحكمة أكثر عقلانية.
وبينما ذكّر بأن من رفع الدعوى ضد "إسرائيل" أمام المحكمة دولة غير عربية هي جنوب إفريقيا، دون مساهمة العرب الذين كانوا متفرجين؛ أشار إلى أن المحكمة رفضت اعتراض "إسرائيل" على الدعوى وكذلك الأمر بالنسبة إلى جميع الحجج الأخرى التي ادعت من خلالها أنه لا توجد إبادة جماعية.
ولفت بشارة إلى أن المحكمة تبنّت السردية الفلسطينية لما حدث بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت بسردها مجموعة من الوقائع التي يسردها الإعلام العربي، واستنادها أيضًا إلى المعطيات التي يستند إليها الخطاب الفلسطيني الذي كان مرفوضًا في الغرب إلى درجة اتهام من يدّعيه بمعاداة السامية.
وبينما نبّه إلى أن المحكمة لم تصف عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر بأنها "إرهابية"، بمعنى أنها لم تستخدم اللغة السياسية لجهة توصيفها، اعتبر بشارة أن موافقة 15 قاضيًا من بينهم 5 قضاة من دول حليفة لـ"إسرائيل" على هذا السرد الذي تضمّنه قرار المحكمة، أمر مهم.
ورأى كذلك أن ما قام به القضاة كان غير مألوف بالنسبة للخطاب العالمي في التعامل مع "إسرائيل". كما أوضح أن قرار المحكمة ملزم ويمكن الذهاب به إلى مجلس الأمن واستخدامه في النضال الاحتجاجي. لكنه شدّد على أن التدبير الأفضل الذي كان يمكن اتخاده هو وقف إطلاق النار، مع إشارته إلى وجود عدة تحليلات بشأن امتناع المحكمة عن القيام بذلك. وأكد أيضًا على ضرورة أن يكون هناك تقارير فلسطينية أسبوعية تدحض ما ستدعيه "إسرائيل" في تقريرها.
وفي سياق حديثه عن معاناة الناس في غزة وما يعيشونه من بؤس وتعاسة، أكد بشارة أن أي ضغط يخفف من معاناتهم هو مفيد في هذه المرحلة، لافتًا إلى أن ما يكسر ظهر المقاومة التي تقاوم بصلابة وبطولة، هو معاناة الناس.
قرارات المحكمة وموقف الدول العربية
وفي العودة إلى المحكمة وقراراتها، استبعد بشارة أن تواجَه بـ"الفيتو" إن أُخذت كما هي إلى مجلس الأمن ووجِدت آليات لتنفيذها، لكنه أشار أيضًا إلى أنها قد تواجَه به إذا كان العنوان هو وقف إطلاق النار. وبينما رأى أن "إسرائيل" تستطيع أن تدعي بأن المحكمة لم تأمرها بفعل ذلك، أكد في المقابل أن الجديد هو محاكمتها لأول مرة بتهمة من هذا النوع، الإبادة الجماعية، موضحًا أن ذلك ينطوي على تقويض لأساس وجودها الأخلاقي في العالم الغربي، على اعتبار أن "إسرائيل" تبرّر وجودها بالإبادة الجماعية التي تعرّض لها الشعب اليهودي.
قال بشارة إن محكمة العدل الدولية تبّنت السردية الفلسطينية لما حدث بعد السابع من أكتوبر، واستندت إلى المعطيات التي يستند إليها الخطاب الفلسطيني الذي كان مرفوضًا في الغرب
أما بالنسبة لكيفية البناء على قرارات المحكمة عربيًا، فأوضح بشارة أنه في حال أرادت مصر تزويد غزة بالوقود أو الطعام أو الدواء، فهي تنفّذ بذلك قرارات المحكمة التي يرى أنها منحتها غطاءً دوليًا بإجماع لإنقاذ الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية، وتمنع كذلك "إسرائيل" من ارتكاب الإبادة. لكن تركها الأمر لـ"إسرائيل" يعني عمليًا المساهمة في الإبادة.
واستبعد هنا وجود أي تغيّر في الموقف المصري مما يحدث في غزة، مؤكدًا أن ما جرى بعد التصريحات الإسرائيلية في المحكمة عن معبر رفح "اشتباكات لفظية" لم تغيّر من الموقف الحقيقي شيئًا. ورأى أن دعم الشعب الفلسطيني، إذا لم يكن بالذخيرة والسلاح وهذا لن يكون بحسبه، فبالدواء والغذاء والكهرباء والطاقة، يجب أن يكون التعبير الحقيقي عن ضيق مصر بالموقف الإسرائيلي.
قضيتنا عادلة ولسنا بحاجة للمبالغة
أكد صاحب "أن تكون عربيًا في أيامنا" أنه لا يثق بمحكمة الجنايات الدولية التي لا تُحاكِم برأيه سوى المهزومين، لافتًا إلى أن قرار محكمة العدل قطع الطريق على المدعي العام غير الموثوق به في التعاطي مع قضية فلسطين لاتخاذ أي إجراء سلبي، مثل رفع دعوى على "حماس". كما اعتبر، في السياق نفسه، أن القضايا التي ترفع داخل الولايات المتحدة بخصوص دعم "إسرائيل"، وبغض النظر عن نتيجتها، مبادرات مهمة تشكّل جزءًا من المعركة الداخلية في الدول الغربية لناحية الدعم المطلق لـ"إسرائيل".
وبخصوص الموقف الغربي من الحرب، لاحظ بشارة وجود تغيّر ملحوظ في لهجة بعض الدول الغربية لناحية الدعم غير المشروط لـ"إسرائيل". ولفت هنا إلى أن المحكمة الدولية شكّلت ساحة لتكثيف ادعاءات العدالة الفلسطينية في مقابل الظلم الإسرائيلي، وفي قلب المؤسسة القضائية العالمية والغربية. كما نبّه إلى أن تقارير هيئات الأمم المتحدة الإنسانية كانت جيدة، لأنه: "كان من الصعب أن تكون فاعلًا كجمعية إنسانية على الأرض في فلسطين وألا تنحاز للفلسطينيين وتنقل الحقيقة كما هي"، مؤكدًا أن هذا يدلّ على عدالة القضية الفلسطينية وعدم الحاجة إلى المبالغة.
الولايات المتحدة لا تريد حل القضية الفلسطينية
أما بالنسبة لما يجري تداوله بخصوص المفاوضات المرتبطة بتبادل الأسرى والمحتجزين أو الوصول إلى هدن، فأكد بشارة أنه لا جديد في هذه المسألة، وأن ما يُطرح من مقترحات لا يرقى إلى وقف إطلاق النار، ولذلك فهو غير مقبول للمقاومة في قطاع غزة. كما بيّن أن المبادرات المطروحة تدور حول إطلاق سراح الأسرى على مراحل أوضح أن مدتها هي الفرق الوحيد بين تلك المبادرات، دون وجود أي ضمانات لوقف إطلاق النار، خاصةً أن الولايات المتحدة لا تريد وقفه.
وبينما أكّد على أن الإجماع بين القيادة السياسية والجيش في "إسرائيل" على مواصلة الحرب على غزة لا يزال قائمًا، رأى بشارة أن المقترحات الأمريكية المتعلقة باليوم التالي للحرب على غزة ليست معنية بحل القضية الفلسطينية، وإنما بإعادة مسار التطبيع بين "إسرائيل" والدول العربية، وخاصةً السعودية.
وانتقد بشارة تصريحات رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بشأن ضغط دولة قطر على "حركة حماس"، لافتًا إلى أن لدى نتنياهو ما لا يُعقل من الغرور والغطرسة، وأن كلامه "رخيص فيه صلافة في التعامل مع الآخرين"، ويشكّل "تحريضًا على قطر ومحاولة للابتزاز" أكّد أنها لن تنجح، وشدّد في السياق نفسه على أن قطر تقوم بدور الوساطة في غزة من منطلقات إنسانية.
قطع الدعم عن الأونروا جريمة حرب
وفيما يخص الواقع الميداني في قطاع غزة، قال بشارة إن "إسرائيل" مستمرة في استراتيجية تدمير القطاع لجعله غير صالح للحياة بهدف دفع سكانه نحو التهجير. ولفت إلى أن الحديث عن المنطقة العازلة التي تسعى "إسرائيل" إلى إقامتها في غزة هو جزء من استراتيجية اليوم التالي في المخططات الإسرائيلية، التي شدّد على ضرورة مواجهتها باتحاد القوى الفلسطينية، محذّرًا هنا من تبديد الرصيد النضالي الهائل الذي تحقق في غزة، إذا جلس البعض وانتظر عملية القضاء على "القسام" ليرث غزة في مكانها.
واعتبر بشارة أن قطع بعض الدول الغربية دعمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، يعني المشاركة في ارتكاب جريمة حرب حقيقية بحق سكان قطاع غزة، ومساهمة في جريمة الإبادة الجماعية، عدا عن كونه خطوة تنطوي على نوع من العنصرية والتعجرف والغرور في التعامل مع الشعب الفلسطيني وشعوب العالم الثالث عمومًا.
ورأى أن هذه الخطوة تفضي إلى عقاب جماعي غير عقلاني أو معقول، لافتًا إلى أن "إسرائيل" ترفض أساسًا وجود "الأونروا" لكونها تذكّرها بقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يرى أنها رمز وجودهم.
اعتبر بشارة أن قطع بعض الدول الغربية دعمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، يعني المشاركة في ارتكاب جريمة حرب حقيقية بحق سكان قطاع غزة
وفي حديثه عن معاناة عرب الداخل، شدّد بشارة على أن غالبيتهم لا يخدم في الجيش الإسرائيلي، وأن الغالبية الساحقة لديها مواقف وطنية وتتضامن مع قطاع غزة، وليست بحاجة لإثبات ذلك عند كل استحقاق. وأشار ضمن هذا السياق إلى أن ثمن بقائهم على أرضهم كان غاليًا، وأن الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية من الهموم الأساسية لديهم.
ولفت المفكر العربي إلى أن الحكومة الإسرائيلية فتحت جبهة حقيقية في الداخل المحتل بالتزامن مع الحرب على قطاع غزة، وحذّر كذلك من استغلال الحرب لتخفيض سقف العمل السياسي لعرب الداخل، إلى جانب سقف حرية التعبير.